«مطروح».. تدخل «الجيل الرابع».. من مبانٍ بسيطة إلى قصور وأبراج.. وجه المدينة يتغير
الوحدات السكنية في مطروح
«يا ساكنى مطروح جنّية فى بحركم.. الناس تيجى وتروح وأنا عاشقة حيكم».. هكذا غنت الفنانة الراحلة ليلى مراد، على أجمل شواطئها، «شاطئ الغرام»، ولا يزال الجميع يذكرها على صخرتها الشهيرة، ليخلدها التاريخ ويكرمها محافظ مطروح بعمل أول تمثال لها على مدخل الشاطئ، ضمن خطة تطوير المدينة.
وما بين حقبة ستينات القرن الماضى إلى الربع الأول من القرن الحالى، تغيرت ملامح مطروح تماماً فى شكلها المعمارى، فتحولت من منازل ومحلات قديمة ذات طابق واحد بالدبش إلى مدن جديدة من الجيل الرابع تنافس دبى، ومنها مدينة العلمين الجديدة، التى جرى الانتهاء من جزء كبير منها، ومدينة رأس الحكمة الجديدة، التى ستقام قريباً بمخطط جديد لتصبح المدينتان من أجمل المدن المطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط، بجانب مدينة سيوة التى يقام بها مشروع الحفاظ على الطبيعة البيئية المعمارية وإنشاء فندق بيئى عالمى يجرى بناؤه بمادة «الكرشيف»، وهى خليط من الملح والطين، للحفاظ على التراث السيوى الأصيل. طبيعة الواحة تعد إحدى المدن المعروفة بالسياحة البيئية، وهى محط أنظار السياحة العالمية التى يقصدها السياح من مختلف دول العالم، وما بين هذه النقلة التى مرت بها مطروح خلال ستين عاماً ماضية، لا يزال هناك من يعيش على أرض المحافظة دون شهادة ميلاد أو بطاقة رقم قومى أو قسائم زواج، وهم أناس كثر يستحقون نظرة ولو بطرف عين من المسئولين، وهناك بعض المكونات التراثية الأصيلة اختفت تماماً، مثل «الكارِتة» التى كانت تشتهر بها مطروح، وتعد وسيلة المواصلات الأولى للمحافظة وهى من علامات مطروح التراثية، يبحث المصطافون عنها للاستمتاع بها للتنزه على كورنيش مطروح.
الطراز المعمارى البسيط كان من سمات المحافظة وتغيره أثر على التعاملات بين السكان
الطراز المعمارى البسيط والمميز، كان إحدى أهم سمات محافظة مطروح، أطلق عليه مسمى «الحواشين»، وهو عبارة عن منزل من دور واحد مبنى بالدبش، الذى يتم جلبه من الصحراء وتحوطه مساحة خالية، ومن الداخل يقسم المنزل إلى غرف يمين ويسار، ولون واحد للواجهات من الخارج هو الجير الأصفر، حتى لا يميز المستوى المعيشى للأهالى، فلم تكن المنازل عاملاً من عوامل معرفة مدى غنى وفقر قاطنيها من سكان المدينة، باستثناء الأغنام التى يقوم بتربيتها صاحب كل منزل خلف منزله، والتى مثلت عاملاً لقياس الوضع الاقتصادى لكل أسرة.
«كنا نعتلى التبة الصخرية بمدخل مدينة مطروح، لنرى المدينة كلها عبارة عن بيوت شبيهة ببعضها»، قالها أحمد حسن، من أهالى مطروح، موضحاً أن النظام المعمارى فى المحافظة واحد، فالكل يسكن فى منزل مشابه لمنزل جاره ويأكل من ذات الزرع وهو الشعير والقمح اللذان يزرعان فى الصحراء على مياه الأمطار، والثياب واحدة وهى الثوب الأبيض «الجلابية» والسروال، حتى إن الأهالى كانوا يرتدون جميعهم «جلابية»، ماركة مشهورة يشترونها من عمر أفندى فى الثمانينات من القرن الماضى، كانت تسمى «الوردة المائية»، وكان معظم الشباب والرجال يرتدون هذا الجلباب الأبيض، كما كان الكل يعتمد على زراعة الشعير والتين والزيتون فى المواسم، كمصدر للمال ليستطيع زواج أولاده فى نهاية موسم حصاد التين، ومن يقبل على بناء بيت جديد يختار توقيت بيع الزيتون وزيت الزيتون.
شكل وتصميم المنازل فى مطروح تغير خلال الآونة الأخيرة، حيث أقيمت المبانى والأسوار العالية والبوابات الحديدية التى تعمل بالكهرباء، وشُيدت القصور وسط الصحراء، فى مناطق برانى ورأس الحكمة شرق وغرب المدينة التى تغير وجهها مؤخراً، وهو ما أثر بالتبعية على طبيعة المعاملات بين الناس، بحسب «حامد خير الله» أحد أهالى المحافظة، الذى أضاف: «عندما كان يمر غريب من أمام المنزل ويسأل عن أحد يرحب به صاحب البيت ويدخله (المربوعة)، ويضع سفرة الطعام ويكرمه، ولكن حالياً الوضع تغير باتت الأبواب الحديدية تغلق المنازل والقصور وتحجب عن أهلها رؤية المارة فى الشارع».
محمود عامر، من أهالى مطروح، قال: «فى الماضى كان الشارع التجارى الرئيسى يقسم المدينة إلى جزأين، حى شرق وحى غرب، وهو عبارة عن طريق رمال بيضاء وأكشاك من الصاج بها براميل مياه للشرب والاستخدام اليومى، وبعض المطاعم التى أقامها اليونانيون المقيمون فى مطروح، وكانت المطاعم والكافيتريات مقصداً للفنانين والمشاهير، كما كانت مطروح فى الستينات مصيف الملوك والرؤساء، ولا يأتيها إلا المصطاف رقم واحد الذى كان يأتى بسيارته الفارهة، لبساطتها فى المصيف مثل أوروبا، فالمبانى من طابق واحد وترى البحر من أى مكان، والشواطئ يفوق جمالها الوصف».
وقال أشرف فؤاد، من مواطنى المحافظة، لـ«الوطن» إن الطبيعة الجميلة التى كانت عليها مطروح انتهت: «عزبة الأفراد التى تطل على البحر من ناحية باب البحر وشاطئ (روميل) كانت منذ عدة سنوات منازل مقامة على الطراز المعمارى القديم ذى الطابق الواحد يحيطها النخيل من كل مكان وأسفلها الرمال البيضاء الناعمة، وللأسف كل هذا لم يعد له وجود وحل مكانه الأبراج والفنادق والعمارات والشقق المصيفية وحلت الخرسانات التى قضت على الطبيعة الخلابة».
أقرا إيضا
تجذب السياح ويبحث عنها المصطافون: «الكارِتّة» أول وسيلة مواصلات في «مطروح»
وكيل «الإسكان»: فندق عالمى بسيوة ومشروع للحفاظ على التراث البيئى
ساقطو القيد فى «مطروح».. حياة مهمشة دون تعليم أو دعم