«نبيل» ترك المحاماة ليغزل «النول» بالبامبو: الحرفة مش مُغرية مادياً
«نبيل» يغزل أنوال البامبو
تتحول شرائح أعواد نبات الخيزران المستورد من بلاد شرق آسيا، بين يدى نبيل رجب إلى خيوط بعد أن يقوم بترطيبها فى الماء، ليبدأ نسجها فى 6 طبقات بين طبقتين عرضيتين وأخريين طوليتين لتكون الطبقتان الرابعة والخامسة بطريقة «خِلف خلاف»، ويكون النسج بين جنبات مقعدة الكرسى أو مسند الظهر أو قطعة أثاث أخرى، بعد أن قام «عم نبيل»، 72 عاماً، بعمل أخرام كاملة أو نصف أخرام فى الإطار الخشبى، فيذهب بشرائح الخيزران التى لا يتعدى عرضها 2 ملليمتر جيئة وإيابا بين الأخرام بطريقة تشبه إلى حد كبير العمل على الأنوال، مكوناً فى النهاية نسج خيزران ذا فتحات سداسية الشكل أو خلية نحل كما يسميها «عم نبيل»، الذى تعلم حرفة «الكانيه» تلك على يد أبيه فى العشرينات من عمره.
يجلس «نبيل» فى محل ورثه عن أبيه فى حى الناصرية ممسكاً بين يديه أدواته التى تساعده فى إخراج تحفته الفنية، الأوروبية الأصل، بحسب حديثه لـ«الوطن»، معتزاً بالمحل الذى يجلس على بابه وبما تصنعه يداه: «والدى علمنى الصنعة وأنا حبيتها وماقدرش ماجيش الورشة كل يوم.. مايمنعنيش عنها إلا الشديد القوى.. ورشة تحمل عبق التاريخ والذكريات وياما أجيال اتعلموا هنا على إيد والدى». وتابع الرجل، الذى يعد ضمن عدد ضئيل من الحرفيين الذين لا يزالون يمارسون تلك المهنة: «درست دبلوم واتوظفت فى وزارة الزراعة لكن كنت بحب أتعلم أكتر فجيت الورشة مع أبويا واتعلمت، وفى نفس الوقت ذاكرت ثانوية عامة منازل وانتسبت لكلية الحقوق واتخرجت منها دور مايو سنة 77، ووالدى كان عايز يفتح لى مكتب محاماة بس أنا حبيت مهنة والدى».
ابن "الناصرية": اتوظفت فى وزارة الزراعة بالدبلوم.. وجيت الورشة مع أبويا
بـ«الكانيه» تضاف لمسات جمالية كلاسيكية لقطع الأثاث المختلفة وقد يكون أساس القطعة هو نسج الخيزران ذاك ما يجعلها «صنعة نظر» وفقاً لـ«نبيل»: «والدى كان بيسميها صنعة نظر لأن فعلاً كل واحد وهو بيشغل فتل الخيزران لازم ياخد باله هيحط الغرزة فين ولأنه فى النهاية مطلوب منه يعمل شكل جمالى وأى قطعة أثاث بتبقى حلوة لما نحط لمسة كانيه». قبل وفاة الوالد حرص على تعليم أحفاده الصنعة كى يطمئن على استمراريتها لكن الآن كل منهم سلك طريقه فى وظائف إدارية وفنية فى شركات مختلفة، وأصر «نبيل» على عقد اتفاق مع ابنيه بأن يستمر المحل نابضاً بالصنعة إما على أيديهما أو على أيدى أى شخص آخر: «ولادى اشتغلوا فى شركات واختاروا الطريق ده وأنا ماقدرش أغير لهم حياتهم بس هما عندهم الأساس المظبوط للكانيه واتفقنا إن المحل يفضل شغال.. هما يشغلوه أو حد من الصنايعية اللى نعرفهم».
يقيم الرجل بالناصرية قريباً من محله، فى شهر رمضان كان يغادر منزله ظهراً مستقبلاً المسجد بجوار المحل، فيصلى ثم يتجه إلى عمله الذى يفتح أبوابه الصنايعى فى الصباح ليعملا معاً حتى أذان العصر، ويتجه بعد ذلك للمسجد منذ العصر حتى أذان المغرب بين الأذكار وتلاوة القرآن ثم يعود إلى منزله لتناول الإفطار ويعاود الكرّة فى المسجد ليتجه إلى المحل ويمكث به حتى وقت السحور إذا كان لديه قطع تحتاج إلى عمليات التجميل بالكانيه أو إعادة التأهيل والإصلاح.
واستطرد: «ماقدرش أقول إن الصنعة بتنتهى لأنها بتغيب وترجع تزدهر.. بييجى عليها شوية بشوية وتضمحل لكن الناس اللى عندهم أثاث قديم بيحبوا يحتفظوا بيه وبنجدده ليهم وده اللى بيخلى فيه استمرارية فى المهنة.. تنجيد قطع جديدة قل جداً»، وأرجع «نبيل» السبب فى قِلة الإقبال على اقتناء تلك القطع إلى غلو ثمنها وعدم استقراره، فشكلت الخيوط البلاستيكية بديلاً مناسباً لمن يشتكون من ارتفاع الثمن، كما أرجع سبب قلة عدد صنايعية الحرفة إلى قلة عائدها: «كانت الست زمان تجيب ابنها عنده 10 سنين فى الإجازة وتقول لى علمه ولو غلط اضربه إنما دلوقتى بيبصوا هتديله كام وده بسبب الظروف هما معذورين.. الجانب المادى فى الصنعة مش مغرى خالص»، واختتم «ربنا يقوينا ونستمر وربنا يرزقنى برزق الصنايعى اللى باشغَّله».