مضت خمس سنوات على رحيل زوجى الكاتب الصحفى والإعلامى السياسى وعضو مجلس الشورى الأسبق (عبدالله كمال)، لم أتذكره أنا وابنتانا فقط، بل امتلأت صفحات التواصل الاجتماعى والوسط الصحفى بتذكر الفقيد وذِكْرِ جميل خصاله، ملأت صوره الصفحات ونعاه الجميع بحب وافتقاد كبيرين.
جميلٌ معنى أن تكون مؤثراً وتاركاً بصمة وعلامة فى حياة الكثيرين، ما يبقى للإنسان إلا عمله الصالح لتصلح ذِكراه، وجميلٌ ما ترك عبدالله كمال.
كون عبدالله كمال شخصية إعلامية وسياسية عامة جعل حول آرائه جدلاً كبيراً (حسمه الموت)، وبعد الموت تتوقف المبارزات ويهدأ صوت المعارك ويبدأ المنطق بالظهور، لينصفه الجميع حتى من اختلف معه أو كان له خصماً، ويعلن الجميع أنه كان شهماً شجاعاً، يحارب فى سبيل ما يعتقد، وأميناً فى طرح أفكار يؤمن بها، شريفاً ونظيف ذات اليد، يساعد الغير وإن كان به خصاصة، يمد يد العون وإن قوبل بالجحود، يعلم تلاميذ ويدرب ويعطى بأمانة مفاتيح العمل الصحفى، ينصح ويشكل وجدان وعقل ومظهر تلاميذه، كان يعتنق الصحافة منحازاً لها، عالماً بقوة رسالتها.
كان عبدالله كمال منطقياً دقيقاً ومنظماً، يدلل على رأيه بالحجة والبرهان والحقائق الموثّقة، فإن خالفته الرأى، كان لزاماً عليك أن تأتى بمنطقٍ مضاد ومدللاً على خلافك له ببرهان يرد على برهانه، وكانت مهمة شاقة شبه مستحيلة!
شهد له خصومه قبل محبيه بالثبات والطيبة والاجتهاد، وبأنه ترك مكاناً شاغراً لا يعوض وأثراً غائراً لا يمحى. غيّبه الموت لكن أوجدته المهنية والأمانة.
قلمه كان مقروءاً مؤثراً، مصرياً وعربياً وإقليمياً، علاقاته ومصادره الصحفية كانت متشعبة ومتنوعة، كان مستمعاً جيداً، وملاحظاً دقيقاً ومحللاً سياسياً واجتماعياً وإعلامياً بارعاً. لم يكن تصفح الجرائد أو المواقع الإلكترونية يكتمل إلا بالاطلاع على رأيه وكتاباته، كان قلمه الوطنى يوجّه القراء والمتابعين للالتفاف حول الدولة المصرية والثبات فى أصعب وأدق اللحظات ولم يرهبه أن رفع اسمه على قوائم الاغتيال، وتنفس الصعداء بعودة الوطن فى الثلاثين من يونيو، وكأنه نصره الشخصى.
انتماؤه السياسى كان للدولة المصرية وممثليها، للنظام المصرى ومؤسساته، دعم كل قيادات الدولة المصرية والكيان المصرى، والعلم المصرى. كان مستوعباً لجميع الاختلافات والتوجهات والاتجاهات، إلا ما يمس وحدة الوطن وأمنه.
برغم مغادرته لهذا العالم باكراً، فإنه بدأ حياته المهنية مبكراً أيضاً، واستنفد سنوات عمره فى بلاط صاحبة الجلالة، التى أحبته بدورها، لكنها أهلكته باكراً أيضاً، اجتثته كمصاصة دماء حسناء مغوية، فنفض النوم وخاصم الراحة، وقضى شهيداً لذاك الحب.
كان الأكثر تأثيراً وحضوراً، إنساناً طيباً وعطوفاً، لم يكن جباراً أو قاسياً، لم يقصده أحد ما وردّه خائباً أبداً، لم يكن ثرياً لكن كان لديه كرم الملوك، كان قنوعاً لكنه طموح، راضياً لكنه للخير متأملٌ.
كان لديه حلم طال انتظاره، (حلم الأبوة)، تزوجنا فرزقنا بأجمل زهرتين، لهما نظرات أبيهما وتفانيه وانضباطه، لم تمهله الحياة وقتاً أطول ليهنأ بهما وتهنآ به، لكنهما امتداده الصالح بإذن الله. ترك أيضاً سيرة عطرة ونزاهة ومقالات وكتابات سوف تُقْرأ دوماً وتلاميذ كُثراً يتذكرونه ويحكون يومياً مواقف لهم معه، إنسانية ومهنية، تشهد بنبله وتفرده، فالإنسان ذكرى وأثر وعمل.
نعاه مولانا الشيخ على جمعة (بأنه كان يسعى فى قضاء حوائج الناس)، اللهم ارحمه وكن سنداً لابنتيه. ما زال اسم عبدالله كمال يشغل المجالس ويتردد، وكأنه لم يغادر!!!