رأفت الهجان.. 92 سنة على ميلاد رفعت الجمال: أخطر جاسوس مصري في إسرائيل
رفعت الجمال الشهير بـ"رأفت الهجان"
رفعت علي سليمان الجمال، صاحب الاسم الحركي الذي يعرفه المصريون والعالم بـ"رأفت الهجان"، ذلك الرجل الذي حيّر العالم بعد وفاته وكشف قصته في عملية مخابراتية مصرية لا تزال محفورة في وجدان كل مصري وعربي، لاسيما بعدما جرى تجسيد هذه القصة في المسلسل الشهير الذي يحمل اسمه الحركي.
واليوم تحل ذكرى مولد الجمال الـ92 ، إذ ولد في 1 يوليو 1927، وتوفي في 30 يناير 1982 عن عمر ناهز 55 عامًا، والمعروف عنه أنَّه رحل إلى إسرائيل بتكليف من المخابرات المصرية في إطار خطة منظمة في يونيو عام 1956 وتمكن من إقامة مصالح تجارية واسعة وناجحة في تل أبيب وأصبح شخصية بارزة في المجتمع الإسرائيلي.
ومن المعروف عن الجمال أو "الهجان" أيضًا أنه لسنوات طويلة تجسس وأمد جهاز المخابرات المصري بمعلومات مهمة تحت ستار شركة سياحية داخل إسرائيل، وزود بلاده بمعلومات خطيرة منها موعد حرب يونيو لسنة 1967 وكان له دور فعال في الإعداد لحرب أكتوبر سنة 1973 بعد أن زود مصر بتفاصيل عن خط برليف.
أحدثت هذه الرواية والعملية هزة عنيفة لأسطورة تألق الموساد وصعوبة اختراقه، واعتبر "الجمال" بطلًا قوميًا في مصر عمل داخل إسرائيل بنجاح باهر لمدة 17 سنة، وجرى بث مسلسل تلفزيوني عن حياة الهجان ومثل دوره الممثل المصري محمود عبدالعزيز باسمه الحركي "رأفت الهجان".
من جهة أخرى، كان الرد الرسمي من جانب المخابرات الإسرائيلية في البداية "إن هذه المعلومات التي أعلنت عنها المخابرات المصرية ما هي إلا نسج خيال ورواية بالغة التعقيد وإنه على المصريين أن يفخروا بنجاحهم في خلق هذه الرواية"، لكن وتحت ضغوط الصحافة الإسرائيلية صرح رئيس الموساد الأسبق إيسر هاريل "أن السلطات كانت تشعر باختراق قوي في قمة جهاز الأمن الإسرائيلي ولكننا لم نشك مطلقا في جاك بيتون وهو الاسم الإسرائيلي للهجان".
وبدأت الصحافة الإسرائيلية ومنذ عام 1988؛ تحاول التوصل إلى حقيقة الهجان أو بيتون أو الجمال فقامت صحيفة الجيروزليم بوست الإسرائيلية بنشر خبر تؤكد فيه أن جاك بيتون أو رفعت الجمال يهودي مصري من مواليد المنصورة عام 1919 وصل إلى إسرائيل عام 1955 وغادرها للمرة الأخيرة عام 1973.
واستطاع أن ينشئ علاقات صداقة مع عديد من القيادات في إسرائيل، منها جولدا مائير رئيسة الوزراء السابقة، وموشي ديان وزير الدفاع.
وبعد سنوات أصدر صحفيان إسرائيليان وهما ايتان هابر ويوسي ملمن بإصدار كتاب بعنوان "الجواسيس" وفيه قالوا أن العديد من التفاصيل التي نشرت في مصر عن شخصية الهجان صحيحة ودقيقة لكن ما ينقصها هو الحديث عن الجانب الآخر في شخصيته، ألا وهو خدمته لإسرائيل حيث أن الهجان أو بيتون ما كان إلا جاسوسًا خدم مصر حسب رأي الكاتبين.
وفي أثناء رحلة الجمّال الطويلة في مشوار عمله الجاسوسي والاستخباري تنقل لعدد من المحطات المهمة للوثوب إلى هدفه أهمها فرنسا وإيطاليا والعراق الذي زارها بمهمة رسمية عام 1965 على عهد الرئيس العراقي الراحل عبدالسلام عارف ضمن اتفاق الوحدة الثلاثية بين مصر والعراق وسوريا، واتفقت الحكومات الثلاث لاتخاذ خطوات من شأنها تفعيل الإجراءات الخاصة بالوحدة من خلال تنفيذ خطة التبادل الاستراتيجي للدفاع المشترك الخاص بانتشار القطع العسكرية لتلك الدول على أراضيها حيث أرسلت بعض وحدات المشاة وأسراب الطائرات العراقية لمصر وسوريا، وتم استقبال وحدات تلك الدول في العراق بضمنها كتيبة من القوات الخاصة المصرية ومجموعة من عناصر جهاز المخابرات المصري العامل ضد "إسرائيل" وكان بضمنهم رفعت الجمال.
وتقول مذكرات رفعت الجمال عن هذه الفترة: "مرة أخرى وجدت نفسي أقف عند نقطة تحول خطيرة في حياتي، لم أكن أتصور أنني ما أزال مدينًا لهم، ولكن الأمر كان شديد الحساسية عندما يتعلق بجهاز المخابرات، فمن ناحية روعتني فكرة الذهاب إلى قلب عرين الأسد، فليس ثمة مكان للاختباء في إسرائيل، وإذا قُبض عليَّ هناك فسوف يسدل الستار عليَّ نهائيًا والمعروف أن إسرائيل لا تضيع وقتًا مع العملاء الأجانب، يستجوبونهم ثم يقتلونهم، ولست مشوقًا إلى ذلك، ولكني كنت أصبحت راسخ القدمين في الدور الذي تقمصته، كما لو كنت أمثل دورًا في السينما، وكنت قد أحببت قيامي بدور (جاك بيتون)، أحببت اللعبة، والفارق الوحيد هذه المرة هو أن المسرح الذي سأؤدي عليه دوري هو العالم باتساعه، وموضوع الرواية هو الجاسوسية الدولية، وقلت في نفسي أي عرض مسرحي مذهل هذا؟ لقد اعتدت دائمًا وبصورة ما أن أكون مغامرًا مقامرًا، وأحببت مذاق المخاطرة، وتدبرت أمري في إطار هذه الأفكار، وتبين لي أن لا خيار أمامي، سوف أؤدي أفضل أدوار حياتي لأواجه خيارين في نهاية المطاف: إما أن يُقبض عليَّ وأستجوب وأشنق، أو أن أنجح في أداء الدور وأستحق عليه جائزة الأوسكار".
بعد أن أتمّ رفعت الجمال عمليته الجاسوسية عمل في مجال البترول، وأسس شركة آجيبتكو، وأعطى أنور السادات تعليماته لوزير البترول بأن يهتم بهذا "الرجل" العائد في شخصية جاك بيتون، دون أن يفصح عن شخصيته، وشدد على أهمية مساعدته وتقديم كل العون له، فلم تجد وزارة النفط سوى بئر مليحة المهجور لتقدمه له بعد أن تركته شركة فيليبس، لعدم جدواه، ورفضت هيئة البترول السماح له بنقل البترول من البئر في الصحراء الغربية إلى داخل البلاد بالتنكات، وأصرّت علي نقله بأنابيب النفط، وهو ما لم يتمكن رفعت الجمال من توفيره ماديا، فلجأ مرة أخرى إلى السادات الذي كرر تعليماته بمساعدته وتقديم كل العون له، لكن أحدًا لم يهتم به، فساءت حالة شركته، وتصرفت فيها زوجته فالتراود بيتون بعد أن مات في عام 1982، وباعتها لشركة دنسون الكندية.
ولـ رفعت الجمال ابن واحد من زوجته الألمانية إلا أنه لا يحمل الجنسية المصرية، حيث أن المخابرات المصرية وفي إطار الإعداد للعملية أزالت كل الأوراق التي تثبت وجود رفعت الجمال من كل الأجهزة الحكومية بحيث صار رفعت الجمال رسميا لا وجود له، وبالتالي لا يستطيع ابنه الحصول على جواز السفر المصري الأمر الذي أدى بزوجته وابنه أن يقدموا التماسا لرئيس الجمهورية الأسبق محمد حسني مبارك لاستغلال صلاحياته في إعطائه الجنسية، إلا أن طلبهما قوبل بالرفض لعدم وجود ما يثبت بنوته لرجل مصري.
وأخيرًا، توفي الجمال بعد معاناته بمرض سرطان الرئة عام 1982 في مدينة دارمشتات القريبة من فرانكفورت بألمانيا ودُفن فيها.