«عائشة» ووالدتها وشقيقها
انصهروا كنسيج واحد توزعت خيوطه على دول القارة السمراء، حيث انطلق من أم الدنيا التى احتضنت على أراضيها جنسيات عدة بمختلف ألوانها، توحدت صفوفهم على المحبة والتقارب، حتى ذابت بينهم جميع الفروق، وانتصرت العلاقات الإنسانية التى جمعتهم تحت سقف واحد، ونتج عنها أجيال تحمل الانتماء والولاء للوطنين. انهزم أمامهم التعصب وانهارت العنصرية.
تتحدث الأمهات والآباء عن قصص حب تُوجت بالزواج بين أبناء القارة الأفريقية، فى الغرب، تزوجت المصرية من السنغالى، وتزوجت الكونغولية من مصرى، وأنجبتا جيلاً يحمل جينات المحبة للبلدان الثلاثة، وفى الشمال الغربى، تزوج الموريتانى من المصرية، ونشأ جيل تطبّع بعادات وتقاليد وطقوس الدولتين، وفى الشمال تآلفت قلوب المصريين مع أشقائهم التوانسة والمغاربة. تبوح قصصهم بأجمل الحكايات التى لا تقتصر على المشاركة فى هتافات المباريات داخل الملاعب ورفع الأعلام ورسمها على الوجوه.. ذكريات تسرد تفاصيل أعمق من منافسة مدتها 90 دقيقة على حصد لقب أو التتويج بالكأس، حب توزع على أفراد عائلة نصفهم ينتمى لوطن، ونصف آخر ينبض بالولاء لبلد شقيق، وفى نفس الوقت يؤمنون بالروابط بينهم وجينات المحبة التى جمعتهم للأبد.
جاءوا من غرب أفريقيا للدراسة والعمل فى مصر، انصهروا مع شعبها وأصبحوا بمرور الوقت جزءاً منه وآباء لأمهات من نفس الوطن، خلقت بينهم روابط كسرت كافة حواجز الماضى، بين مصر والسنغال، تحكى منى محمد، أنها تعرفت على زوجها فى بلدها أسوان حين كان يعمل مرشداً سياحياً قبل 25 عاماً، وأصبح صديق شقيقها ثم زوجها بعد ذلك، وجدت فيه الحب الذى تبحث عنه أى فتاة، حتى تزوجته فى سن مبكرة وهى ابنة الـ15 عاماً وأنجبت ثلاث فتيات وولداً، يعيش اثنان منهم فى السنغال لتلقى التعليم هناك، بينما تزوجت الابنة الكبرى من أحد أقاربها هناك وفضّلت العيش بين أهل أبيها: «بقاوم بعدهم عنى لكن التعليم هناك أحسن بعيد عن النت».
تزور أولادها كل عام، آخرها فى فبراير العام الماضى لمدة شهرين، مؤكدة أنها الزيارة الأولى لها هناك، معبرة عن سعادتها بحفاوة الاستقبال ورقى وجمال الناس والبلد: «حنينين جداً وبيحبوا ولادهم»، تحكى أنهم يحبون مصر كثيراً عن باقى دول القارة والدول العربية، يعتبرونها شيئاً عظيماً ويشيدون بتدينها وبالأزهر الشريف ومعالمها السياحية وعراقتها: «كنت فخورة بكلامهم عننا»، تتذكر لحظة وصولها المطار، وبمجرد النظر إلى جواز سفرها ومعرفة أنها مصرية بدأت عبارات الترحيب تنهال عليها، معبرين عن سعادتهم بوجودها على أرضهم: «ماشفتش محبة بالشكل ده لينا فى أى بلد».
فضّلت ابنتها الكبرى الزواج هناك رغم قضاء معظم حياتها هنا، لتقارب العادات والتقاليد وحبهم لوطنها الذى شهد ميلادها، مؤكدة أنها لم تمانع وتركت الأمر لرغبتها رغم أنها لا تفضل بعدها عنها، وتذكرت حين كان أهلها فى نفس الموقف ورفضوا زواجها من أجنبى فى بداية الأمر ثم استسلموا لرغبتها: «ماشفتش راجل فى أخلاقه واحترامه ليا عمره ما زعق لى».
تحمل مشاعر محبة للبلدين، تقف على الحياد، خاصة فى مباريات كرة القدم، تشجع الفريقين وتفرح للفائز: «دى بلدى ودى بلد جوزى وأولادى»، تتذكر حين كانت تتابع مع زوجها بطولة كأس الأمم الأفريقية عام 2006 وكانت تساند وتؤازر الفريقين وفرحت بفوز مصر بالبطولة: «السنغال أكتر دولة أفريقية المصريين متجوزين فيها، إحنا بنحبهم وهما بيحبونا».
تحكى عائشة كرمبا دمبا، 19 سنة، أنها نشأت بين أب من السنغال وأم مصرية، لم تر بينهما سوى الحب والاحترام المتبادل الذى جعلها تفرح بتلك العلاقة رغم اختلاف الأوطان، معبرة عن غضبها من تعليقات بعض زملائها فى المدرسة والناس فى صغرها وسؤالها الدائم لماذا تزوجت والدتها من أفريقيا: «كنت بحس إنى غريبة لكن بعد كده حبيت السنغال وحبيت قرار ماما»، يحكى لها والدها عن أهله والسنغال، ما جعلها تصر على تواصلها الدائم مع عائلتها هناك وتتمنى الذهاب للعيش معهم والتقرب منهم من شدة حبهم لها ولإخوتها: «ودودين جداً وطيبين زى أهل ماما ويمكن أكتر».
تشجع ابنة الـ19 عاماً منتخبَى مصر والسنغال معاً، لا تنحاز لفريق على حساب الآخر، حتى وإن تقابلا فى مباراة واحدة ستفرح للفائز، نفس شعور والدها كرمبا دمبا، الذى يحب مصر كوطنه ولا يفضّل بلداً عن الآخر بل يحمل لهما نفس قدر المحبة والولاء: «عشت هنا عمرى كله وتزوجت من أطيب أهالى الأرض مصر، فهى أحب البلاد لقلبى».
قصص حب نبتت بين قلوب شباب وفتيات من مصر والكونغو الديمقراطية، تُوجت بالزواج ونتج عنها جيل جديد يحمل ولاء البلدين وجنسيتيهما، يوزع الحب بين الوطنين بمقدار متساو، ذابت بداخلهم جميع الاختلافات، وانهارت أمامهم المسافات وأصبح الحب والتسامح والود عنوان حياتهم: «عمرى ما رُحت الكونغو، لكن من حكاوى بابا حبيتها»، تقولها نيفين كيتيكى، التى كافحت لسنوات طويلة للحصول على الجنسية المصرية نسبة إلى والدتها والبلد الذى وُلدت فيه ونشأت وتربت بين أهله، تعترف بأن ولاءها الأكبر لمصر، وانتماءها يغلبها لأرض النيل، هتافها الأول لاسم مصر فى كل مباراة، تؤازره وتشجعه حتى النفس الأخير. أصرت «نيفين» على أن تتزوج من مصرى وتنجب أطفالاً يحملون جنسية هذا البلد حتى ينعموا بنفس حقوق وواجبات مواطنيها: «بابا جه البلد هنا صغير عمره ١٤ سنة درس واشتغل واتعلم واتجوز أمى». تحكى أن جدها لأبيها كان طبيباً وعائلتها من كبار عائلات الكونغو لكنها لم تلتق بهم فى حياتها، نظراً لبعد المسافات، تكتفى بحكايات أبيها عن أشقائه الذين يعيشون فى أكثر من مكان بالعالم: «معظمهم عايش فى أوروبا».
تعرفت على ثقافة وطنها الثانى من حكايات الأهل والأقارب، لم ينقصها سوى رؤية كل تلك الحكايات على الطبيعة، يعوض أبوها بعده عن بلده بالقصص المثيرة والإفراط فى الحديث عن والدته وأكلاتها الشعبية وحنانها، وغيرها من الكلمات التى لا تزال عالقة فى ذهنها حتى هذه اللحظة رغم تجاوزها سن الـ30، تعوض غياب العائلة بأهل والدتها: «إحنا عايشين فى بيت كبير مع أخوالى وخالاتى».
لديها طفلة واحدة تزرع بداخلها حب الوطنين رغم أنها مصرية خالصة لكن إكراماً لجدها الذى لا يزال يحن لذلك البلد الذى غادره منذ عام 1964، يحكى والدها كيتيكى جونجو جوزيف، صاحب الـ70 عاماً، أنه جاء مصر بعد ثورة الكونغو مع الرئيس لومومبا بمساعدة الزعيم جمال عبدالناصر للعيش هنا، وتزوج من مصرية وأنجب ثلاث فتيات وولداً، وأصبح جداً يلتف حوله الأحفاد.
«جوزيف» يؤكد أنه يشجع بمفرده نادى الزمالك ومنتخب الكونغو، بينما يشجع الأولاد والأم النادى الأهلى ومنتخب مصر: «فى كل ماتش لمصر والكونغو لازم أنا وزوجتى نتفرج عليه مع بعض»، يحرص على الذهاب للاستاد ومتابعة جميع المباريات التى تجمع الفريقين، لكن يبقى انتماؤه لبلده غالباً، متمنياً الفوز له فى البطولة: «ماكانش نفسى مصر والكونغو يكونوا فى مجموعة واحدة».
قبل 10 سنوات، جمع العمل بين الفتاة المصرية دانيا البرى، والشاب المغربى عادل، اقتربا من بعضهما أكثر، وكسرا الحواجز الناتجة عن انتماء كل منهما لبلد مختلف. ومع توطد العلاقة أكثر بينهما، تشجع عادل على طلب يد دانيا، التى لم تترد أبداً فى الزواج من رجل ينتمى لبلد آخر، خاصة أن عمله هنا فى مصر، وهو طمأن أهلها وتعهّد لهم بالإقامة الدائمة فى هذا البلد: «ماكانش فيه صعوبات، حتى أهله كلهم رحبوا وأهلى حبوه جداً».
أسفر الزواج عن إنجاب 3 أطفال ينتمون للبلدين، يشجعون منتخبَى مصر والمغرب بذات الحب والحماس، ويخبرون الجميع بأنهم يحملون الجنسيتين «المغربية» نسبة لأبيهم، و«المصرية» بحكم الميلاد فيها ونسب الأم.
العلاقة الجيدة بين دانيا وعادل عززت بداخل الأبناء ثقافة البلدين، ما عوّض قلة زيارتهم للمغرب: «واحنا رايحين نتفرج على ماتش المغرب فضلت أقول لهم دى بلدكم وإحنا رايحين نشجعها».
تقول دانيا قبل خروج المغرب من البطولة: «لو التقى المنتخبان معاً سأفرح للفائز وأواسى الخاسر، لكن فى النهاية لن أغضب، لأنى أعتبرهما بلدىّ وأحبهما بذات القدر وإن كان الحب الأكبر من نصيب مصر، بس فى الحالتين هكون مبسوطة، المهم الكأس ماتطلعش بره».
ذهبت السيدة المصرية لمتابعة مباراة المغرب مع زوجها ووالده، وشقيقه وخطيب أخته المصرى، وأطفالها، تجمعوا على حب المغرب ومساندتها ودعمها حتى الفوز بهدف دون رد على منتخب كوت ديفوار: «الأجواء كانت تحفة والفرجة فى الاستاد متعة غير التليفزيون، أطفالنا الثلاثة كانوا سعداء، خاصة أن منتخب المغرب هنا، فرحوا بالمنتخب اللى بحكيلهم عنه لما راحوا شافوه».
كانت تتمنى أن تشاهد مباريات مصر فى الاستاد، لكن بسبب الزحام ونفاد التذاكر لم تتمكن: «كان نفسى ولادى يشوفوا الاتنين فى الملعب».
تسافر المغرب كل عامين لأهل زوجها وتعرّف الصغار على أقاربهم والجزء الثانى الذى ينتمون له، فهى تحب هذا البلد لهدوئه وكثرة الأراضى الخضراء به ونقاء هوائه: «نضيفة وهادية جداً ومريحة ومناخها تحفة».
مع البطولة اكتشفت أن هناك عدداً كبيراً من المغاربة متزوجون من مصر: «أدهشنى العدد الكبير، ماكنتش أتوقع كل ده».
جمعتهما الصدفة خارج وطنهما، لتبدأ حكاية واحدة من «أسعد الزيجات»، كما تصفها «مها حفظ الرحمن»، ابنة موريتانيا، التى التقت زوجها المصرى إسلام سمير فى دولة الإمارات العربية، لتنشأ بينهما مشاعر محبة، توجت بالزواج، رغم صعوبة الأمر بالنسبة للسيدة، التى ترفض عادات وتقاليد أهلها وبلدها الارتباط بمن هو غريب عن وطنها، لكنها أصرت بعدما وجدت فيمن أحبته «زوجاً مناسباً وأباً جيداً لأطفالها».
لم يكن «إسلام» فقط على مستوى توقعات «مها»، لكن أهله أيضاً «محترمين وكرماء وبيخلقوا جو من الألفة»، ما جعل السنوات الـ6، التى قضتها معهم منذ الزواج حتى الآن، سنوات سعيدة.
«حماتى بتعاملنى كأنى ابنتها، وشقيقات زوجى يعاملوننى كأخت لهم، ويُفْرِطون فى حسن المعاملة، حتى لا أشعر بالاغتراب عن أهلى ووطنى، وزوجى أيضاً يحرص على أن أسافر إلى موريتانيا بين الحين والآخر، ليتعرف طفلانا على أهلهما هناك، ويعرفا عاداتنا وتقاليدنا»، هكذا قالت «مها».
وتضيف «إسلام يحب أن أحكى له عن ثقافة بلدى وعاداتها وأوجه التشابه بين موريتانيا ومصر دون ملل، بل يطلب منى أن أطيل الحديث ليستمتع بتفاصيل أكثر، ويحترم جميع طقوسى، وأنا أبادله ذات المشاعر، هو بينبسط جداً لما بحكى له عن بلدى وعايز يعرف أكتر، وأنا كمان بحب أعرف أكتر عن مصر».
تستعد «مها» للسفر إلى موريتانيا الشهر المقبل، لزيارة أسرتها، الأب والجدة والأعمام «هاخد أطفالى معايا عشان يتعرفوا على الجزء التانى من أهلهم».
المعاملة الطيبة التى تحظى بها الزوجة الموريتانية، لا تتوقف على زوجها وأسرته الصغيرة فقط، بل كل أقاربه «جميع أقارب إسلام يعاملوننى معاملة طيبة جداً، لدرجة تشعرنى بأننى أنتمى لمصر».
تحكى أن التوافق الشديد بينها وبين زوجها كان سر اكتمال العلاقة وتتويجها بالزواج، وإنجاب ملك، 5 سنوات، ومريم عامان ونصف، مضيفة «نتابع معاً مباريات بطولة كأس الأمم الأفريقية التى تنظمها مصر، خاصة أن موريتانيا تشارك فيها لأول مرة فى تاريخها».
تحمل مشاعر محبة وولاء للبلدين، تحكى لصغارها عنهما بالتساوى: «عمر ما حد قال لنا مصر أحسن من موريتانيا ولا العكس»، تتواصل مع أسرتها بشكل مستمر عن طريق المكالمات التليفونية يومياً، تتمسك بجميع طقوسها خاصة النزعة الدينية والملابس الموريتانية: «بحب الملحفة بتاعتنا واللبس الواسع وجوزى بيحترم ده فيا».
رغم أن أفراد عائلتها كانوا يتمنون زواجها من موريتانى لكنهم أحبوا «إسلام» وصار أحد أبنائهم لطيب خلقه وحسن معاملته لابنتهم: «رجالة موريتانيا بيحترموا الست جداً ويعتبر بيقدسوها فكانوا خايفين عليا، لكن إسلام طلع راجل محترم وراقى ومعدنه أصيل».
الزوج إسلام سمير يقول إن موريتانيا بلد جميل وشعبه طيب ومثقف وكريم ومتدين، مما جعله يتحمس للزواج منه دون تردد، فضلاً عن أنه رأى فى شريكة حياته «نعم الزوجة والأم التى تهتم بأولاده وترعى بيتها»، كما أن العادات والتقاليد بين البلدين متشابهة لحد كبير: «عمرى ما لقيت منهم أى تدخل فى حياتنا».
تعرفت التونسية هيفاء طاهر، على زوجها «إبراهيم» عن طريق مواقع التواصل، وتطورت العلاقة إلى أن قرر «إبراهيم» حجز تذكرة سفر إلى مطار قرطاج لطلب يد حبيبته من أهلها، وبالفعل عُقد القران وعاد العروسان إلى مصر. تحكى الفتاة العشرينية أنها وجدت فى زوجها صفات فتى أحلامها، خاصة حين تأكدت من صدق مشاعره، وسفره لها ثلاث مرات قبل الزواج، ما جعلها تتمسك به رغم رفض عائلتها وتمسكهم بزواجها من ابن بلدها: «أهلى كانوا رافضين خاصة أمى لكنها فى النهاية استسلمت للأمر الواقع».
«هيفاء وإبراهيم» تزوجا قبل عامين، وتعد هذه البطولة الأولى لأمم أفريقيا التى تقام على أرض مصر بعد زواجهما، تشجع بلدها ويساندها زوجها، وتدعمه. «هيفاء» أكدت أنه فى حال لقاء الفريقين ستشجع منتخب بلدها لكنها لن تغضب من فوز مصر، لافتة إلى أن العلاقات الإنسانية والاجتماعية التى تجمع البلدين والمحبة التى تربطهما من خلال حالات الزواج المتبادلة أو الروابط الدينية والثقافية، تجعلهما يحبان الخير لبعضهما ويذوب التعصب مقابل كل هذه الدلالات التى تعد أكبر وأعظم من مباراة داخل المستطيل الأخضر تنتهى بعد 90 دقيقة: «اللى بينا أكبر بكتير والحب بيدوّب أى خلاف».
وقعت فى غرام الأكل المصرى، من المحشى بأنواعه إلى اللحوم والفراخ وغيرها، تعيش مع حماتها التى علمتها طريقة طهيه وبدأت تنفذها حتى أجادتها بجانب المأكولات التونسية: «بقى فيه حاجات كتير بحبها». «هيفاء» تتواصل مع جميع التونسيين الذين يعيشون هنا، مؤكدة أن كثيراً من الفتيات متزوجات من رجال مصريين، لدرجة جعلتهم يدشنون مجموعة عبر «فيس بوك» للتواصل والتقارب لتعويض البُعد عن الوطن: «اكتشفت أنهم كتير هنا بعد سنة من جوازى».
تعليقات الفيسبوك