توت عنخ آمون اسم له وقع خاص، فبمجرد أن تنطق هذا الاسم أمام أحد الأجانب المهتمين بآثار مصر وتاريخها العظيم حتى تستحوذ على انتباهه ليفتح أمامك خزانة ذاكرته ودفتر ذكرياته مع هذا الملك الشاب الذى يمثل يوم اكتشاف مقبرته لحظة فارقة فى تاريخ علم المصريات.
كنت فى رحلة بحرية قبل نحو ثلاثة عشر عاماً مع مجموعة من الصحفيين الأجانب المهتمين بالسفر والسياحة وجُبنا فى رحلتنا شواطئ عدة بلدان تطل على البحر المتوسط، بدأنا الرحلة من لارناكا فى قبرص وأنهيناها فى بورسعيد بمصر، وفى ليالى الرحلة الخمس كانت جلسات السمر تمتد بيننا يحكى كل منا عن بلاده وأهم معالمها ويروى كل واحد منا عن رحلاته وأحب الأماكن إلى قلبه..
كانت معرفة الصحفيين الموجودين معى فى الرحلة بحاضر مصر متواضعة أشد التواضع حتى إن صحفياً أمريكياً سألنى عن اسم رئيس مصر ساعتها وقال لى: أنا أعرف الرئيس ناصر الذى قاد حركة الضباط وثورة يوليو، وأعرف كذلك الرئيس السادات الذى أبرم المعاهدة مع الإسرائيليين لكن اعذرنى فأنا لا أتذكر اسم الرئيس الحالى. واجتهد الرجل فى تذكر اسم الرئيس مبارك حتى ذكرته أنا فقال: نعم نعم تذكرت، لكنهم كانوا جميعاً يعرفون كثيراً عن آثار مصر وكانوا يحفظون اسم توت عنخ آمون جيداً بل يحتفظون بصوره وبعض المنتجات التى تحمل وجهه الذهبى الشهير. حتى هذه اللحظة لم أكن قد زرت مقبرة توت عنخ آمون التى اكتشفها عالم الآثار البريطانى هيوارد كارتر فى 4 نوفمبر 1922 ودخلها كأول إنسان تطأ أقدامه أرضها فى 16 فبراير 1923، لكنى حرصت بعد عودتى على ترتيب زيارة وتصوير المقبرة وبعد جهود نجحت محاولاتى ودخلت المقبرة البديعة وسُمح لى بالتصوير فيها وكانت لحظة تاريخية بالنسبة لى بكل تأكيد.
«خان الخليلى على يمينكم هداياه واحشانى
تبقوا تجيبوا لى توت عنخ المنقوش ف صوانى»..
هكذا غنت الفنانة صباح من كلمات حسين السيد وألحان محمد الموجى.
لكن هذه الأغنية ليست الأولى التى يرد فيها ذكر اسم هذا الفرعون المصرى الذى ما زالت فترة حكمه القصيرة وطريقة وفاته المثيرة تلهب حماس العلماء وتثير فضول المولعين بمصر وتاريخها، فقبلها بنحو خمسة عقود وبعيد اكتشاف مقبرة توت كتب الشاعر والأديب محمد يونس القاضى، صاحب نشيد «بلادى بلادى» والعديد من الأغانى الوطنية المهمة بل والعديد من الأغانى التى وصفت ساعة تأليفها بالهابطة، أقول قبلها كان القاضى قد وضع أغنية لتخليد لحظة الاكتشاف ووضع لحن الأغنية الموسيقار الفذ محمد القصبجى وغنتها سلطانة الطرب منيرة المهدية، وبعد إذاعة الأغنية حفظ المصريون اسم توت عنخ آمون جيداً ودخلت الأغنية والملك الشاب على خط مقاومة الاحتلال لتجسد إحدى لحظات الفخر لدى المصريين بتاريخهم وسعيهم نحو استقلال بلادهم.
كانت كلمات الأغنية البسيطة تقول:
«ما يجيش زيى إن لف الكون
وأنا أبويا توت عنخ آمون
اسأل التاريخ ينبيك
عن مجدنا وبعدين أماشيك
إنت تغر الناس حكاويك
وأنا أبويا توت عنخ آمون
وبعدها توالت الأبحاث واستمرت الدراسات فى محاولة سبر أغوار سيرة هذا الملك الشاب وما ارتبط بمقبرته من أحاديث لعنة الفراعنة والجن الذى يحمى مقابرهم ويذود عن آثارهم.
فى الأسبوع الماضى كان العالم على موعد مع «يوم أسود»، على حد وصف العالم ووزير الآثار المصرى الأسبق زاهى حواس، وهو اليوم الذى بيعت فيه رأس الفرعون المصرى الذهبى توت عنخ آمون فى إحدى صالات المزادات بالعاصمة البريطانية لندن.
أعتقد أن مقبل الأيام قد يحمل أخباراً سارة فى هذا المجال إذ إن التحركات المصرية مستمرة ولن يكون من الصعب إبطال عملية البيع وإعادة رأس توت عنخ آمون إلى مصر.