استكمالاً لسلسلة التطبيع التى تنتهجها سياسات بعض الدول العربية، وفى تحدٍ سافر لقرارات الجامعة العربية القاضية بعدم التطبيع العربى مع إسرائيل بأشكاله المختلفة، تأتى زيارة شخصيات إعلامية عربية إلى إسرائيل لإجراء مقابلات صحفية مع المسئولين، هذه الزيارة لبعض الإعلاميين العرب غير معزولة عن توجيه ودعم حكومات عربية اعتمدت على سياسات وخطوات منظمة للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلى والتى أتت فى سياقها تصريحات وزير الخارجية البحرينى ولقاؤه بنظيره الإسرائيلى على هامش ورشة البحرين الاقتصادية التى انعقدت نهاية الشهر الماضى وسط رفض فلسطينى واضح لما تحمله من دلالات مسيئة ومضرة بالقضية الفلسطينية، فلن يكون فى محصلة تلك الزيارات سوى الترويج للرواية الصهيونية وإشاعة مناخات التطبيع، خاصة فى مناخ أصبح مباحاً فيه الإعلان الصريح بالرغبة فى التطبيع مع إسرائيل والتعامل معها كصديق!.
عندما أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية، فى بيان أصدرته الأحد الماضى، أن وفداً إعلامياً عربياً يضم ستة صحفيين ومدونين من الأردن ومصر والسعودية والعراق، بعضها لا تربطها علاقات دبلوماسية بإسرائيل، سيزور تل أبيب والقدس وشمال إسرائيل وسيلتقى نواباً فى الكنيست ومسئولين فى وزارة الخارجية وأكاديميين، كانت تهدف من الزيارة إطلاع الصحفيين على مواقف إسرائيل إزاء مسائل دبلوماسية واجتماعية، لكنها لم تكشف عن أسماء الصحفيين واكتفت بالإشارة إلى أنها المرة الأولى التى يصل فيها الأراضى الإسرائيلية صحفيون من السعودية والعراق!!.
لم تكشف وزارة الخارجية الإسرائيلية عن هوية أعضاء الوفد خوفاً عليهم من أن يوضعوا فى ورطة حين عودتهم إلى بلادهم، رغم أن الزيارة التطبيعية تأتى بعلم الدول التى جاء منها أعضاء الوفد!! فما الهدف الحقيقى من هذه الزيارة؟ ولماذا الآن؟ إن الأكثر استفزازاً فى هذه الزيارة هو ما صرح به الإعلاميون خلال لقائهم مع وزير لجنة الشئون الخارجية والدفاع التابعة للكنيست «آفى دختر» بأن زيارة إسرائيل تشبه جولة فى بلد الأحلام! وأضافوا: «نتمنى أن نتمكن من إحضار مئات الأشخاص من بلداننا لإسرائيل حتى يروا ما نراه ويشعروا بما نشعر به هنا فى إسرائيل».
إن عجلة التطبيع العربية المتسارعة مع إسرائيل غير مفهومة وليس مرحباً بها فلسطينياً لأنها خطوة بالغة الخطورة تأتى ضمن الأجندة السياسية التى تنتهجها الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط لتمرير صفقة القرن، فضلاً عن التصريحات الاستفزازية التى أشاد من خلالها أعضاء الوفد العربى بإسرائيل، فخلال المقابلة التى أجراها الناشط السعودى «محمد سعود» لإذاعة الجيش الإسرائيلى عبر عن حبه لإسرائيل والإسرائيليين (لأنهم لطيفون مثلنا وهم من عائلتى وأحب هذه البلاد)، على حد قوله، «سعود» يحب الموسيقى والأغانى العبرية ويطرب لها! ويتمنى أن يكون اللقاء القادم فى السعودية، وعندما زار المسجد الأقصى بصحبة مستوطنين وفى حراسة إسرائيلية قابله الفلسطينيون بالسباب والبصق والشتائم ونعته بالخائن والمطبع مع دولة الاحتلال، إسرائيل تتخذ من العرب جسراً آمناً يمر على رقاب الفلسطينيين ويسحق وجودهم فى سبيل بقائها وأمنها، الفارق الآن أن هذا الوجود أصبح مشفوعاً بالرضا والحب العربى لها ولممارساتها القمعية ضد الشعب الفلسطينى. لقد بدأت لغة الخطاب العربى تتغير من الحذر والكره لإسرائيل وسياساتها الاحتلالية العدوانية تجاه الفلسطينيين إلى الحب والغزل بمناقب إسرائيل وجمالها وحسن معشرها وبهاء سلطانها فهى «بلد الأحلام»!!.
لم تكن زيارة هذا الوفد هى الأولى من نوعها كما قيل بل سبقتها فى فبراير من العام الماضى زيارة وفد إعلامى عربى يضم تسعة أعضاء منهم خمسة مغاربة ولبنانى ويمنى وكردى وسورى تلبية لدعوة وزارة الخارجية الإسرائيلية للتضامن مع ضحايا «الهولوكست»، وأثارت زيارة الإعلامى اليمنى «عبده جميل المخلافى» حينها موجة سخط عارمة وردود فعل غاضبة لدى الأوساط اليمنية والعربية، فقد كانت سابقة هى الأولى من نوعها أن يكسر إعلامى يمنى حاجز المقاطعة اليمنية للعدو الإسرائيلى، وتباينت ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعى بين غاضبة ومستهزئة بهذا العمل، واعتبر البعض أن زيارة «المخلافى» ضمن الوفد الصحفى العربى إلى إسرائيل هى «خطوة ممولة من بعض الدول العربية التى تسعى ومن وراء الكواليس للتطبيع مع العدو الإسرائيلى، بغرض كسب موقف مؤيد من الكيان الإسرائيلى لتمرير أجندتها السياسية»، أما أن تأتى زيارة الوفد الحالى بهذا الوضوح والجرأة، فهذا يعنى أن طريق التطبيع مع إسرائيل بات ممهداً دون أى عوائق.