ثمة اعتقاد عام شائع بأن المجتمعات المسلمة بوجه خاص والمجتمعات الشرقية بوجه عام تشكل البؤرة، التى يتدنى فيها وضع المرأة، وبحيث يتوجه إليها دائماً خطاب اللوم، وقد يعمد البعض -بسوء نية أو بدون سوء نية- إلى إظهار ظلم المرأة على أنه سمة المجتمعات المسلمة دون سواها. وثمة اتجاه سائد يرجع ذلك إلى أسباب دينية، متمثلة فى بعض الآراء من الفقه الإسلامى، التى تستند إلى فهم خاطئ أو تبنى لظاهر بعض النصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية، دون تمحيص أو محاولة الوقوف على أسباب نزول هذه النصوص، ودون تأويلها بما يتفق وحقائق العصر الذى نعيش فيه، وقد يرجع البعض تدنى عمليات إدماج المرأة فى التنمية المجتمعية إلى ما يطلق عليه الثقافة الذكورية السائدة فى المجتمعات الشرقية.
والحقيقة أن تمكين المرأة قضية عالمية، بحيث يمكن أن نجد العديد من مظاهر عدم المساواة بين الرجل والمرأة فى عدد غير قليل من المجتمعات الغربية غير الإسلامية، ويبدو أن ذلك ما استفز الصديق العزيز «أبوصالح لقمان»، وهو بالمناسبة هندى الجنسية محب للغة العربية الفصحى غيور عليها، معبراً عن ذلك بقوله: «لئن يسبنى أحدهم بالعربية الفصحى أحب إلىّ من أن يمدحنى بالعامية»، وفيما يتعلق بالمرأة، وتعليقاً على أحد مقالات هذه السلسلة عن تمكين المرأة، يقول أبوصالح لقمان: «السؤال الأهم عندى هو لماذا لم تتحقق هذه المساواة على أرض الواقع أبداً وفى أى مكان من العالم، بما فى ذلك فرنسا من حيث انطلقت حركة تحرير المرأة فى القرن السابع عشر وأمريكا حيث بلغت هذه الحركة أوجها، فلم تتول فيها المرأة حتى الآن ولا مرة واحدة منصب رئاسة الدولة مثلاً وما زالت تتقاضى أجوراً أقل من الرجل حتى فى هوليوود؟ مع احترامنا لمبدأ المساواة فى الكرامة والحقوق والواجبات إجمالاً، يبدو أن الواقع لا يسانده حتى فى أشد الدول تحرراً وأكثرها حماساً لتجسيد المساواة.. فلماذا لا ينظر القانون فى الأسباب الواقعية والعلمية لهذا الفشل فى تجسيد المبدأ.. ربما يرجع ذلك إلى الاختلاف المقصود بالفطرة فى القدرات والميول والخصائص الشخصية بين الجنسين والاختلاف ليس تمييزاً، وقد درس هذا الجانب موضوعياً العالم الأمريكى الحائز على جائزة نوبل فى كتابه الشهير (الإنسان ذلك المجهول) منذ مائة عام، ولكنى أرى كأن خبراء القانون وواضعى الدساتير بوعى أو بدون وعى يتجاهلون أخذ نتائج أبحاث ودراسات علمية كهذه فى الاعتبار عند سن التشريعات المتعلقة بمساواة الجنسين، ربما تحت ضغط توجه السياسة العالمية فقط دون تمحيص الواقع كما هو!!!».
وأتفق مع الصديق العزيز فى أن مظاهر عدم المساواة بين المرأة والرجل فى المجتمعات الغربية ظاهرة للعيان، وتكاد لا تختلف كثيراً عن المجتمعات العربية والإسلامية. وللتدليل على ذلك، يمكن أن نذكر العديد من الأمثلة، لعل أبرزها أن المرأة لم تتبوأ حتى الآن منصب رئيس الدولة فى كل من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية. وبمناسبة فشل «هيلارى كلينتون» فى الوصول إلى البيت الأبيض فى الانتخابات التى جرت بينها وبين الرئيس الحالى «دونالد ترامب»، قال البعض إن المجتمع الأمريكى الذى أصبح أكثر قبولاً لرئيس أسود لم يصل بعد لدرجة القبول بأن يرى امرأة فى منصب الرئيس. وفى فرنسا، لم تفلح «سيجولين رويال» فى الظفر بمنصب الرئاسة فى الانتخابات التى جمعتها بالرئيس الفرنسى الأسبق «نيكولا ساركوزى». كذلك، وكما أشرنا فى أحد المقالات السابقة، فإن فريق كرة القدم النسائية الأمريكى تقدم بشكوى قضائية رسمية ضد اتحاد اللعبة، مطالباً بالمساواة فى الأجر وشروط العمل مع لاعبى الفريق الأمريكى لكرة القدم للرجال. وفى سويسرا، وفى عام 1991م، لم تكن هناك امرأة سويسرية واحدة فى الحكومة، ولم تكن إجازة الوضع قانونية للنساء، وتحصل المرأة فى سويسرا على مرتبات أقل من الرجال بنحو 20 فى المائة، الأمر الذى استدعى قيامهن فى شهر يونيو الماضى بالإضراب عن العمل، وجاءت سويسرا فى المراكز الأخيرة فى استطلاع رأى أجرته منظمة العمل الدولية حول عمل المرأة فى شهر مايو 2019م، وهكذا، وكما يقول المثل المصرى الشهير: «لا تعايرنى ولا أعايرك الهم طايلنى وطايلك». والله من وراء القصد.