أسواق الإمام والجمعة والمدبح: "أغنام كتير والناس مابتشتريش"
أسواق الإمام والجمعة والمدبح: "أغنام كتير والناس مابتشتريش"
مع دخول عيد الأضحى تزدهر حركة بيع وشراء الأضاحى، وتزدهر معها أساليب الغش فى بيع الخراف والمواشى، حيث يتعمد بعض التجار إحداث تغييرات ظاهرية فى الخراف، لبيعها بما يزيد على ثمنها، مثل تناول المياه المخلوطة بالملح، أو التستر على العيوب الأخرى. الأسواق التى كانت تشهد إقبالاً كثيفاً من المواطنين على الشراء بدت هذا العام خالية من الزبائن، وذلك رغم انخفاض الأسعار بشكل كبير. «الوطن» تجولت داخل أسواق الإمام والجمعة والمدبح فى القاهرة ورصدت ركوداً فى تجارة الأضاحى بشكل كبير، ما دفع البعض إلى المضاربة بالأسعار لبيع أكبر عدد من الأضاحى، ليسجل سعر كيلو اللحم البقرى ٥٥ جنيهاً فى بداية السوق ويصل إلى ٥٣ جنيهاً عند الظهيرة، بانخفاض ١٠ جنيهات عن العام الماضى، فيما سجل سعر كيلو اللحم الجاموسى ٤٥ جنيهاً بانخفاض قدره ١٦ جنيهاً عن الموسم الماضى، بينما استقرت أسعار الأغنام عند ٥٥ جنيهاً، كما أكد بعض المواطنين أنهم سيقومون بشراء اللحوم بدلاً من الأضاحى نظراً لأسعارها المرتفعة.
"الأضاحى".. شوادر الغش والمضاربات ..ركود فى الأسواق رغم انخفاض الأسعار.. ومربّون: بيوتنا اتخربت
ترتفع حرارة الشمس ببطء فى سماء القاهرة، فيتجه إلى إحدى المقابر ليختبئ بأغنامه فى ظلال الأشجار القريبة من مقابر الإمام الليثى بمصر القديمة، أحمد مصطفى، ٢٨ سنة، الملقب بـ«الغنَّام»، هكذا يحب أن يناديه المقربون، فهو من قضى قرابة العشرين عاماً فى خدمة الأغنام والعمل على حمايتها من الأمراض التى تصيب قطعان الخراف، منذ نعومة أظافره وهو يعرف كيف يجب أن تعامل الأغنام، وما أحدث الوسائل التى يمكن من خلالها زيادة وزن قطيعه حتى يتمكن من تحقيق أقصى أرباح ممكنة.
مرت الأيام وتعلم الشاب العشرينى كيف له أن يختار من بين جميع الأغنام التى يراها فى الأسواق، الخراف التى تصلح للتربية أو الذبح: «فيه أصول للتربية لازم أبقى عارفها كويس، علشان لو فيه مرض ضرب نعجة واحدة، لازم أواجهه بسرعة لأنه هيتنقل للباقى، ده غير إنى لازم أفهم طبيعة كل مرض وأساليب علاجه الصح اللى ماتأثرش على طعم اللحم».
"مصطفى": الأسعار تراجعت عن السنة الماضية لكن الإقبال ضعيف
شادر كبير وقف أمامه «مصطفى» ينادى على رواد سوق الإمام، محاولاً جذب انتباه المارة لأغنامه كثيرة العدد: «خروف يا باشا معزة يا مدام، جزار عال وباقطَّع وأشفِّى، وممكن أوصل لحد البيت».
مع اشتداد أشعة الشمس قرر أحمد مصطفى ترك شادره الذى نصبه منذ ١٥ يوماً، والاتجاه بالأغنام إلى داخل المقابر للاختباء بها من الحرارة: «لازم أقعد بيهم فى مكان ضلة، دى روح برضه ولازم أحافظ عليها، باروح جنب أى مكان فيه شجرة وباقعد فى ضلها، لحد ما الشمس تخف شوية وأرجع تانى بيهم الشادر بتاعى».
يحكى الشاب العشرينى ذو الأصول الصعيدية أنه فى وقت سابق من العام كان يستطيع أن يبيع ١٠٠ خروف يومياً، ولكن الآن اختلفت الأوضاع كثيراً حتى أصبح الآن لا يمكنه بيع أكثر من ثلاثة خراف: «الخرفان مش مرتبطة بموسم لأن الناس بتحب لحمهم، خفيف على المعدة عكس البقر والجاموس، كان الإقبال فى أول السنة شديد، دلوقتى مابقاش حد يشترى رغم إن الكيلو بقى بـ٥٥ جنيه بعد ما كان بـ٦٥ السنة اللى فاتت وأول السنة دى».
"عزت": "الكيلو بـ٥٣ جنيه وفيه تجار بتبيع بـ٥٠ علشان تخلص من اللى عندها"
شارع طويل وممتد أوله شوادر أغنام يجلس أمامها أناس بملابس تدل على جذورهم الريفية، قرروا الخروج بعيداً عن السوق، ربما يتمكنون من جذب أحد المارة إليهم وخاصة أنهم يبدو عليهم الاهتمام بشكل الخراف وجاذبيتهم وذلك من خلال قيام أحدهم بغسيل القطعان بالخل، حتى يصبح لون فرائها جذاباً ولافتاً للانتباه، بعد تلك المجموعة وقف شاب بملابس مهندمة يرتدى «تيشرت وبنطلون» وفى قدميه حذاء جلدى يرتفع قليلاً عن الأرض حتى لا تتسخ ثيابه الأنيقة بروث الأضاحى وبجواره عدد كبير من العجول التى يسعى لتسويقها، والاستفادة من وجود عدد كبير من المشترين داخل السوق لاقتراب موسم الذبح ومعه يزداد الإقبال على شراء الأضاحى.. حسام عزت، ٣٥ سنة، من محافظة القاهرة، قرر أن يترك مجال الآثار فهو الذى درسها فى كلية الآداب، ولكنه قرر بعد تخرجه ترك المجال الذى تعلمه والاتجاه إلى تربية الأبقار، ومن أجل التأقلم مع مهنته الجديدة قرر أن يشترى كتباً خاصة بعلم الحيوان حتى يتمكن من التعامل بشكل صحيح معهم: «بقالى ٨ سنين شغال فى تربية العجول وربنا كرمنى وعملت مزرعة على قدى كده فيها كل الأنواع، وأنا مش باعتبر ده عيب، أنا حابب الموضوع ده جداً، وخصوصاً إنى باقدر أعمل تهجين بينهم، وبكده بقى عندى سلالات أبقار ممكن يوصل وزن العجل فيها لطن وربع».
وعن استعداداته لعيد الأضحى يقول «عزت»: «بقالى شهر هنا عشان السوق، لأنى عارف إنه يعتبر أشهر سوق فى القاهرة، والناس كلها عارفاه، علشان كده قلت أعمل شادر وأروح الأسواق عادى، بس أستقر هنا، وعلشان أأمّن نفسى عملت تصاريح من الحى، وجِبت نجار عمل لى الشادر وغطيته بمفارش من كل الجوانب والسقف برضه متغطى، علشان الشمس، وعملت علافة للمواشى، وبعد كده اشتريت كذا حتة من أسيوط، لأن الناس بتحب عجول أسيوط شوية، وعندى كمان أكتر من راس من كفر الشيخ، وخصوصاً الجاموس، وباقى البهايم متربية عندى»، ويتابع: «السوق النهارده زحمة عن كل جمعة، بس الناس مابتشتريش رغم أن الأسعار قلت عن السنة اللى فاتت أكتر من ١٠ جنيه للكيلو، وده مبلغ كبير، لأنه بيفرق فى الأوزان الكبيرة، يعنى لو عجل وزنه ٦٠٠ كيلو ده كان السنة اللى فاتت ٣٨ ألف، السنة دى بقى بـ٣١ ألف جنيه، ودى خسارة كبيرة، يعنى النهارده الكيلو القايم بـ٥٣ جنيه والموسم اللى فات كان بـ٦٦ جنيه، ورغم كده الناس بتسأل وتمشى».
أحد تجار الماشية يتحدث لـ «الوطن»
يتخذ «عزت» من شادره مقراً لتجارته، فجميع إنتاج المزرعة الخاصة به يأتى به أسبوعياً إلى السوق، لم يتعامل الشاب يوماً مع أبقاره بشكل سيئ بل تفنن فى أساليب الترفيه عنهم معتبراً أن الحالة النفسية للحيوان تساعد فى زيادة معدل تحويل الغذاء: «بتعامل بشكل علمى معاهم، بياكلوا ٣ مرات فى اليوم، أول مرة الصبح بدرى على ٦ كده، والعلفة بتكون تبن أسمر وذرة وفول صويا، وبعدها بـ٣ ساعات بيشربوا، وأستنى بقى عليهم لحد العصر وأديهم علفة كمان، وآخر علفة بتكون الليل على ٨ بالكتير، وبعدها بقفل عليهم النور علشان يناموا وده بيزود معدل التحول الغذائى عند العجل».
لم ينسَ حسام عزت يوماً أنه يتعامل مع «روح» معرضة للمرض، لذلك تعلم أساليب جديدة للعلاج تعتمد على المستحضرات الطبيعية خوفاً منه على صحة المواطنين: «لو دبيحة تعبت عندى بعمل لها حجر لوحدها عن باقى القطيع، مع العلم أن فيه تجار أول ما يحصل عنده مرض بيدبح على طول، ده غير إن فيه ناس ممكن تدى منشطات توقفها قدام الزبون ويبقى شكلها حلو قدامه، بس لحمتها مش هتبقى حلوة، أنا باتعامل مع زباينى بضمير علشان يثقوا فيا أكتر، مش باحب أدى العجول علاج كيميائى إلا فى الضرورة القصوى، أهون عليا العجل يموت ولا إنى أغش حد».
مربى ماشية: "خسرت كل حاجة.. والتاجر بيشترى على الجاهز من غير ما يخسر فى الأكل والعلاج"
ويشير التاجر إلى تفضيل الزبائن للأبقار عن الجاموس نظراً لسهولة هضم لحومها كما يقول: «غالبية الناس بتحب البقر، لحمه حلو ونسبة الدهون معقولة، ده غير إن عضمه مش كتير وكمان جلده مش سميك والزبون بيكره الموضوع ده، بيقول لى مانت كده هتزود الوزن عليا بالجلد ده، أنا عايز عجل بقرى مش عايز جاموسى».
ويقارن الشاب الثلاثينى بين الأسعار فى السوق هذا العام والعام الماضى: «مفيش وجه مقارنة، الأسعار السنة دى فى الأرض، الكيلو بـ٥٣ وفيه تجار بتبيع بـ٥٠ علشان تخلص من اللى عندها، لأنه بياكل ويشرب وكل ده بفلوس، السنة اللى فاتت الأسعار كانت غالية عن كده كتير، الكيلو أوقات كان بيعدى ٦٩ جنيه، والناس كانت بتشترى برضه».
مع دقات العاشرة صباحاً يصل التكدس فى السوق إلى ذروته، وتتعالى الأصوات، ويقف منادٍ على كل شادر يصفق وينادى، حتى يجذب المواطنين إليه، وبعضهم يعدد فى مزايا الشراء من شادره، وآخرون قرروا الجلوس والانتظار حتى يأتى الفرج من عند الله كما يقول محمد كشرى، ٢٥ سنة، من محافظة الجيزة، تاجر أغنام: «مش هاقعد أنادى على الزباين اللى عايز يشترى هييجى من نفسه»، ويفرق «كشرى» بين أنواع الأضاحى ويقول: «الأضاحى أنواع فيه الماعز وفيه الأغنام ده غير العجول، أنا هاتكلم عن الحاجة اللى بافهم فيها، وهى الأغنام ودى ٣ أنواع، الأبيض منها ده بييجى من الشرقية والأحمر من البحيرة، والأسود ده فى الغالب بيكون تبع الصعيد».
مع اقتراب صلاة الجمعة بدأت حركة السوق تشتد وحركة البيع والشراء تزداد، فالجميع يتنازل قليلاً عن جزء من أرباحه حتى يتمكن من مغادرة السوق سريعاً، سيارات الأجرة تسير بشكل سريع حتى يتمكن السائقون من نقل أكبر عدد من الركاب رغبة فى تحقيق أقصى استفادة مادية من السوق.
مع انتصاف الشمس وسط السماء يقوم التجار بتثبيت الأخشاب فوق المقابر، وتغطية السوق بـ«الشكاير» البلاستيكية، حتى يعم الظل السوق بأكمله ويمكن الجميع من السير دون عناء.
فى وسط حلقة كبيرة من المواطنين وقف أحد التجار ومعه «عجل»، يتجاوز وزنه ٣٠٠ كيلو، ويعدد مزاياه حتى أقبلت عليه سيدة وقالت: «بكام؟»، فرد عليها التاجر مسرعاً خوفاً من أن يظفر بها أحد التجار، فتلك السيدة تعد بمثابة كنز له بسبب عزوف المواطنين عن الشراء: «الكيلو بـ٥٣ جنيه»، لترد عليه قائلة: «وأنا شارية»، نادى التاجر على أحد السائقين المنتشرين بسياراتهم فى السوق، وبعد أن صعدت الذبيحة على السيارة قال السائق للسيدة الثلاثينية: «عايز ٥٠٠ جنيه» فسبب هذا غضب السيدة وقالت: «نزله مش راكبة معاك، ليه يعنى ٥٠٠ ده أنا رايحة مدينة نصر»، ظل الحديث دائراً بين الطرفين إلى أن تدخل أحد التجار وقرر أن يقترح أن تدفع السيدة ٣٠٠ جنيه فقط، رحبت السيدة بهذا المقترح وشكرته وصعدت هى والأضحية معاً أعلى السيارة».
لم يختلف الحال كثيراً فى المدبح الكائن بمنطقة السيدة زينب بالقاهرة، حيث بدا الإقبال ضعيفاً من المواطنين على الشراء، الجميع يسأل فقط عن الأسعار وينصرف بعدها دون عودة، بالقرب من مستشفى سرطان الأطفال، نصب التجار شوادرهم فى الشوارع الفرعية، أمام أحد الشوادر وقف رامى مراد، ٤٣ سنة، تاجر، محاولاً جذب انتباه المارة إليه: «ماحدش عايز يشترى، الكل بييجى يتفرج ويسأل ويمشى، بقالى ٣٠ سنة شغال، ودى أول سنة ألاقى فيها الناس مش عايزة تشترى، حاجة غريبة جداً، خصوصاً إننا داخلين على العيد، اللى هو أصلاً عيد اللحمة»، يبرر «مراد» السبب وراء عزوف المواطنين عن الشراء ويقول: «عندى أمل إن الدنيا تتحسن شوية، معظم الناس فى القاهرة ماعندهاش مكان للدبيحة، علشان كده تلاقى معظم الناس بتشترى قبل العيد علطول، علشان ما يشيلش هم الأكل والمكان».
وعن تربية الأضاحى يقول حسن عبدالراضى، ٥٣ سنة، من محافظة المنوفية: «التربية حاجة والتجارة حاجة تانية خالص، أنا خسرت كل حاجة، العجل بيفضل ياكل عندى فوق السنتين، والعلف غالى ولازم أحط له كل أنواع العلف علشان يسمن ويدينى وزن كويس، التبن الأسمر النهارده الحمل وصل تمنه لـ٩٥٠ جنيه بعد ما كان بـ٦٠٠ السنة اللى فاتت، وشيكارة الدرة ٥٠ كيلو بـ٢٢٠ جنيه بعد ما كانت بـ١٧٠، والأغلى من دول الفول الصويا اللى وصل سعر الكيلو فيه لـ٤٥ جنيه والردة الطن بـ٤٥٠٠، يعنى إحنا بنصرف كده على الفاضى، لحد ما اتخربت بيوتنا، الناس مش عايزة تشترى، والتاجر مالوش دعوة بخسارتى، كل اللى يهمه إنه يكسب من ورايا ومن ورا الزبون وخلاص».
تاجر يقف بجوار عدد من العجول فى سوق الإمام الليثى بالقاهرة
السيدات والأطفال يبيعون الأضاحى فى سوق الإمام