ورش سباكة المعادن فى "اللبان": 50 سنة "غازات سامة"
أحد العمال فى ورشة سباكة معادن بالإسكندرية
أدخنة ملوثة معبأة بالغازات السامة تتصاعد لتعكر هواء منطقة «اللبان» بحى الجمرك فى الإسكندرية، حيث تعمل 40 ورشة لسباكة المعادن منذ أكثر من 50 سنة، مما ترتب عليه إصابة العديد من الأهالى بأمراض الجهاز التنفسى، نتيجة استنشاق هواء ملوث بالغازات الضارة، الأمر الذى أثار استياء عدد كبير من سكان المنطقة، بعدما طالت تلك الأدخنة أطفالهم الذين أصيب معظمهم بأمراض صدرية خطيرة، دون تحرك حقيقى من قبَل الجهات التنفيذية بالمحافظة.
«الوطن» رصدت معاناة أهالى منطقة «اللبان»، من القاطنين بجوار ورش سباكة المعادن، واستمعت إلى شكاواهم، كما استمعت إلى شكاوى السباكين من مستأجرى وأصحاب ورش السباكة، الذين أجمعوا على ضرورة نقل هذه الورش إلى إحدى المناطق على أطراف المحافظة، بعيداً عن التجمعات السكنية، لما تنتجه من أدخنة سامة تسبب أضراراً صحية خطيرة على الأهالى، ولكن مع توفير وسائل مواصلات لمساعدتهم فى الوصول إلى أماكن عملهم بسهولة ويسر.
وبينما كانت «علية محمد»، 60 سنة، تحاول أن تجر قدميها أثناء خروجها من منزلها، مستندة على «عكاز» فى إحدى يديها، وممسكة بمنديل ورقى فى يدها الأخرى، أصابتها نوبة سعال شديدة جعلتها غير قادرة على التقاط أنفاسها، تحدثت لـ«الوطن» قائلة إن هناك ورشة لسباكة المعادن تجاور منزلها الذى تقيم فيه منذ فترة طويلة، وقد تسببت الأدخنة المتصاعدة من الورشة فى إصابتها بتهيج فى الجهاز التنفسى منذ ما يقرب من 15 سنة.
وتابعت السيدة الستينية بقولها: «إحنا خلاص تعبنا، ومابقاش فينا صحة، الأهالى هنا كلهم زى بعض، كلنا بنكح جبس، مابقيناش قادرين نستحمل، ولا عارفين نربى عيالنا فى المنطقة، وأصحاب الورش مش لاقيين لها مكان تانى»، مشيرة إلى أن زوجها يعانى هو الآخر من التهاب فى الرئة، حيث تنتابه نوبات اختناق وضيق فى التنفس وانقباض فى الصدر عدة مرات يومياً، دون أمل فى علاجه.
الأهالى: مهدَّدون بالأمراض الصدرية
«اللى ربنا بيفرجها عليه بيعزّل من هنا»، هكذا عبّر «حمدى عبدالعليم»، 55 سنة، أحد الأهالى، عن أمنيته التى يسعى إلى تحقيقها من خلال عمله كموظف فى إحدى الهيئات الحكومية، مشيراً إلى أنه يحاول حماية نفسه من التعرض لأزمات الأمراض الصدرية من خلال اتباع بعض الوصفات المنزلية التى نصحه بها طبيب متخصص، منها مداومة تناول شراب الزنجبيل بالعسل كل صباح، أو تناول حبات الثوم المهروس فى زيت الزيتون على الريق.
وأضاف: «إحنا كلنا هنا على وتيرة واحدة، والمرض واحد، وبيتوارثه الأجيال من الأجداد، ولازم نفكر فى حل ونبدأ فى تنفيذه، علشان ننقذ حياة الأهالى من مستنقع الأمراض اللى احنا عايشين فيه»، مشيراً إلى أن أكثر من 70% من أهالى المنطقة يعانون من الأمراض الصدرية المختلفة، وبعضها يسبب سرطان الرئة.
صاحب ورشة: موافقون على النقل
أما «حسين محمد»، 45 سنة، صاحب ورشة لسباكة المعادن، فاعتاد أن يقضى ساعات يومياً وسط لهيب النار، داخل ورشته الضيقة المليئة بالمعادن الملتحمة وغيرها المفككة، منذ أكثر من 30 سنة، تحدث لـ«الوطن» قائلاً: «أنا اتولدت على الشغلانة دى، واحنا نفسنا متأذيين، وبنطلب من زمان إننا نروح مكان بعيد، وفى نفس الوقت يبقى فيه ناس وحركة».
وطالب «محمد» محافظ الإسكندرية بالعمل على التوصل إلى حل يحافظ على حقوق الصنايعية وأصحاب الورش، وفى نفس الوقت يحمى صحة المواطنين ويمنع تعرضهم للأدخنة الضارة التى تنبعث منها، مشيراً إلى أنه يضطر إلى قطع مسافة كبيرة يومياً للوصول إلى ورشته بمنطقة «اللبان»، حيث يقيم فى «العامرية»، أقصى غرب الإسكندرية، كما أشار إلى أن العمل فى ورش سباكة المعادن غير مستقر، حيث يمكن أن تتوقف الورشة لأسابيع طويلة دون عمل.
"البيئة": لم نتلقَّ شكاوى
ومن جانبها أكدت مديرة إدارة الإعلام والتوعية بجهاز شئون البيئة بفرع الإسكندرية، وفاء علام، أن الجهاز لم ترد إليه أى شكاوى من أهالى منطقة اللبان بشأن ورش سباكة المعادن فى المنطقة، وقالت لـ«الوطن» إنه فى حالة وصول أى شكوى على منظومة الشكاوى الموحدة على الرقم المخصص 16528، يتم على الفور إرسال لجنة لفحص الشكوى وإعداد تقرير بشأنها، وعلى ضوء هذا التقرير يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة للقضاء على مصدر الشكوى.