طفرة متوقعة فى الاستثمار والتمويل والطلب الكلى.. والحكومة "الرابح الأكبر"
طفرة متوقعة فى الاستثمار والتمويل والطلب الكلى
وسط حالة من الترقب سادت مجتمع الأعمال فى مصر خلال الآونة الأخيرة، جاء قرار «المركزى» بخفض أسعار الفائدة بواقع 150 نقطة أساس متوافقاً مع توقعات وتطلعات السوق، حيث قررت لجنة السياسة النقديـة بالبنك المركزى المصـرى فى اجتماعهـا يـوم الخميس الماضى خفض كل من سعر عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى بواقع 150 نقطة أساس ليصل إلى 14.25% و15.25% و14.75% على الترتيب، فضلاً عن خفض سعر الائتمان والخصم أيضاً بواقع 150 نقطة أساس ليصل إلى 14.75%.
"البنوك" و"العقارات" و"البورصة" و"الصناعة" أبرز المستفيدين من القرار
وأرجعت لجنة السياسة النقدية قرارها بالخفض إلى أربعة عوامل رئيسية تمثلت فى احتواء الضغوط التضخمية، حيث انخفاض المعدل السنوى للتضخم العام والأساسى إلى 8.7% و5.9% على الترتيب فى يوليو 2019، وهو ما يتسق مع تحقيق معدل التضخم المستهدف والبالغ 9٪ (± 3٪) خلال الربع الرابع لعام 2020، واستقرار الأسعار على المدى المتوسط، فضلاً عن حالة التباطؤ التى شهدها معدل نمو الاقتصاد العالمى نتيجة التأثيرات السلبية للتوترات التجارية، وهو ما دفع عدداً من البنوك المركزية العالمية الاتجاه للسياسات التيسيرية وخفض معدلات الفائدة، وعلى المستوى المحلى استمر معدل النمو فى الارتفاع ولكن بمعدلات طفيفة، حيث سجل 5.7% خلال الربع الثانى من عام 2019 و5.6٪ خلال العام المالى 2018/2019، ليصبح بذلك أعلى معدل له منذ العام المالى 2007/2008.
7.5 % معدل البطالة بنهاية الربع الثانى
ويأتى السبب الثالث لقرار خفض أسعار الفائدة وفقاً للبنك المركزى، نتيجة استمرار تراجع معدلات البطالة لتسجل 7.5% خلال الربع الثانى من 2019، مقارنة بأعلى معدل لها عند 13.4% خلال الربع الرابع من 2013، أما عن السبب الرابع فيتمثل فى تراجع الأسعار العالمية للبترول مؤخراً، التى لا تزال عرضة للتقلبات نتيجة المخاطر الإقليمية بالإضافة إلى عوامل أخرى من جانب العرض.
"الاحتياطى النقدى" يدعم العملة المحلية
ومن المؤكد أن ينعكس هذا القرار على أطراف مختلفة سواء كانت قطاعات اقتصادية أو مؤسسات خاصة أو جهات حكومية أو حتى الأفراد، حيث إنه من المتوقع أن تستفيد القطاعات الاستثمارية وعلى رأسها قطاعات الصناعة والعقارات والاتصالات والقطاع المصرفى، حيث تشهد هذه القطاعات طفرات توسعية خلال الفترة الأخيرة بدعم من الدولة، فعلى مستوى قطاع الصناعة انتظر المستثمرون قرار التخفيض طويلاً حتى يتسنى لهم إيجاد حلول تمويلية من خلال البنوك بتكلفة مناسبة لتمويل التوسعات الجديدة لخطوط الإنتاج أو فتح مشروعات جديدة أو حتى تمويل العملية الإنتاجية وشراء مواد خام، الأمر الذى يسهم فى توفير السلع والخدمات بشكل أكبر فى الأسواق، وبالتالى خفض الاعتماد على الاستيراد، وزيادة المعروض وبالتالى تراجع الأسعار وزيادة الاستهلاك.
أما عن قطاع الاتصالات، فإنه يشهد طفرة تنموية كبيرة خلال الفترة الأخيرة، وذلك بالتزامن مع توجهات الدولة بنشر مفاهيم الشمول المالى الذى يعتمد فى الأساس على التكنولوجيا، فضلاً عن المدن والمجتمعات العمرانية الذكية، وتأسيس بنية تحتية تكنولوجية قوية، ويأتى قرار خفض الفائدة عوناً للمستثمرين فى هذا القطاع لتمويل هذه المشروعات الضخمة بتكلفة أقل.
ويأتى قطاع العقارات ضمن أكثر المستفيدين من هذا القرار، والذى من المتوقع أن يعود عليه بالنفع من جهتين، تتمثل الأولى فى توفير التمويل اللازم لتنفيذ مشاريع جديدة واستكمال مشروعات قائمة، خاصة مع دعم الدولة لتدشين مجتمعات عمرانية جديدة تستوعب حجم النمو السكانى الحالى، أما الجهة الأخرى فتتمثل فى القدرة الشرائية للمستهلك خاصة العميل الذى يبحث عن الشراء من أجل السكن وليس الاستثمار، حيث يحفز تراجع أسعار الفائدة المستهلكين للحصول على عقار من خلال تمويل بنكى بتكلفة منخفضة نسبياً، خاصة مع الحاجة الضرورية لشريحة كبيرة من المواطنين للحصول على سكن، وهو ما يؤثر على إنعاش حركة المبيعات فى قطاع العقارات.
وفيما يخص القطاع المصرفى، فمن المتوقع أن تشهد البنوك تغيرات على مستوى سياساتها الاستثمارية لأصولها أو أموالها الجارية، حيث إنه مع تراجع أسعار الفائدة قد تتجه المصارف إلى خفض حجم استثماراتها الآمنة فى أذون الخزانة التى تراجع معدل عائداتها، وتتجه إلى تنويع محفظتها الاستثمارية، وعلى صعيد آخر متوقع أن تحصد البنوك أرباحاً كبيرة من خلال زيادة إعادة دوران الودائع الكبيرة التى تمتلكها على هيئة قروض للعملاء سواء أفراد أو شركات.
وتتزامن هذه العوامل المحفزة لتوجيه استثمارات جديدة لأسواق المال، مع التوقعات باستئناف برنامج الطروحات الحكومية خلال الشهور المقبلة، بعد طرح واحد فقط عبارة عن حصة إضافية من أسهم الشركة الشرقية للدخان، وطرح حصة من أسهم شركة «فورى» الذى حرك شهية المستثمرين المفتوحة لاقتناص أى فرص جيدة عند ظهورها بالسوق، فضلاً عن الانتعاشة الملحوظة فى قيم التداول وأحجامه بالبورصة المصرية خلال الأسابيع الأخيرة.
وتُعد الجهات الحكومية والسياسات المالية أبرز المستفيدين من هذا القرار، سواء على مستوى المالية العامة التى من المقرر أن تتأثر إيجاباً من خلال خفض عجز الموازنة التى تتأثر بتراجع فوائد الديون التى تستقطع من مخصصات من الموازنة العامة للدولة تُقدر بـ569.1 مليار جنيه أى ما يمثل نحو 36.1% من مصروفات الموازنة، وذلك فى تقدير وزارة المالية أن أى زيادة بـ1% فى معدلات الفائدة تُكلف الموازنة عجزاً بـ8 مليار جنيه، وفى هذه الحالة متوقع أن يحدث العكس.
ومع الانتعاشة القوية التى من المقرر أن تحدث فى القطاعات الإنتاجية بالدولة وإقامة مشروعات جديدة، تؤثر هذه العوامل على امتصاص نسب كبيرة جداً من معدلات البطالة وتقليل أعداد العاطلين، وهو ما ينعكس بالتبعية على زيادة معدلات الإنتاج التى من شأنها أن تحسن من وضع الميزان التجارى سواء بخفض الواردات وإحلالها بالمنتجات المحلية أو بزيادة صادرات الإنتاج المصرى للأسواق الإقليمية.