رغم كثرة الإجراءات.. مواطنون وسماسرة وأصحاب عقارات: القانون فرصة العمر
انتظار المواطنين فى حى العجوزة لإنهاء إجراءات التصالح
أمام الطابق الأرضى لمقر حى العجوزة، بمحافظة الجيزة، يتناثر المواطنون فى أرجاء الساحة الصغيرة، بعضهم يجلس على مقاعد الانتظار والبعض الآخر يقف أمام المكاتب وشباك الاستعلامات، رغبة فى تقديم طلبات التصالح فى مخالفات البناء، التى جهزوا لها أوراقاً كثيرة داخل مكتب الإدارة الهندسية.
وطلب التصالح عبارة عن ورقة واحدة كتب فى بدايتها اسم المحافظة والوحدة التابع لها، ثم بيانات العقار المخالف، ثم بيانات الشخص المخالف، وقائمة بالمستندات الواجب توفيرها لإتمام عملية التصالح.
خلافات بين السكان وأصحاب عقارات تهربوا من المسئولية.. وسمسار: "إحنا على أبواب أزمة والناس مشتتة".. و80٪ من البنايات بعد الثورة مخالفة
يدخل صبحى أشرف، موظف حكومى فى العقد الخامس من عمره، إلى مقر الحى، لتقديم طلب التصالح فى مخالفة «طابق زائد» ببنايته الموجودة فى شارع الحسين بالمهندسين، بعدما سمع عن قانون التصالح فى مخالفات البناء، الذى أقر مؤخراً، ويقول «جيت أشوف قانون التصالح ما صدقت إن الحكومة قدمت المبادرة دى علشان نحل بيها مشاكلنا وننام مرتاحين من غير قلق إزالة أو حبس أو غرامة، بس بصراحة طلباتهم وأوراقهم كتيرة».
يشير «صبحى» إلى أنه فرح بالمبادرة لحل أزمته فى مخالفة هذا الطابق، لكنه شعر بأن الطلبات والأوراق، التى يتطلبها الأمر كثيرة، خاصة تقرير يثبت تاريخ المخالفة من إحدى كليات الهندسة بالجامعات المصرية، أو المركز القومى لبحوث البناء، وكذلك نسخ الرسومات المعمارية للمبنى المنفذ على الطبيعة، وتكون صادرة عن مكتب هندسى، ويضيف «أنا سمعت إن الرسومات كانت بتتعمل بـ5 آلاف و6 وإن دلوقتى بقت بـ12 و15 كمان وده استغلال»، موضحاً أنه مالك العقار وهو من سيتقدم ويتكفل بكل مصاريف التصالح، ويؤكد أنه لم يصادف أحداً من المواطنين تقدم بطلب التصالح، معلقاً: «ممكن الناس لسه مش عارفة تفاصيل القانون أو لأن القانون 6 شهور فالناس مكسلة».
مقاول مخالف: يا مرحب بالتصالح.. والسكان اتصلوا بى لمعرفة التفاصيل وإنهاء الإجراءات
أحمد منصور، مقاول بمنطقة أرض اللواء، جاء لينهى بعض تراخيص البناء، يقول إنه يتردد على الحى ويعرف الكثير من ملاك العقارات المخالفة، موضحاً أن خلافاً نشب بين ملاك الشقق وأصحاب العقارات حول من المسئول عن التقدم بطلب التصالح، ويضيف أن أصحاب العقارات لا يريدون التقدم بالتصالح بعد ما باعوا كل الوحدات السكنية والمحلات، بينما بعض أصحاب الشقق الموجودة فى الطوابق المخالفة يتبرأون من المسئولية، ويؤكد أن هذا الخلاف يمكن أن يضيع الفرصة عليهم وتنتهى المدة المحددة دون التقدم بالطلب، موضحاً «الناس فى حيرة مش عارفين يعملوا إيه مع أصحاب العمارات اللى باعوا كل حاجة ومشيوا، مين اللى هيقدم، وده سؤال مهم الناس بتسأله، وبعدين الورق والطلبات بتاعة الحى كتيرة قوى».
أحد الموظفين المسئولين عن إجراءات التصالح بالحى يقول «بالنسبة للمشكلة القائمة بين أصحاب الشقق وأصحاب العقارات، لازم تنتهى بأن طرف فيهم يتقدم بأوراق التصالح، والقانون بيسمح فى حالة غياب صاحب العقار، أن يتجمع السكان لتشكيل اتحاد شاغلين أو اتحاد ملاك زى ما بيسموها، والاتحاد يقدم الطلب»، مشيراً إلى أن صاحب العقار لن يكون عليه أى مشكلة لأنه باع ورحل، والمسئولية هنا على السكان، الذين اشتروا الشقق السكنية من دون أن يفحصوا موقفها القانونى وشهادة البيانات الخاصة بها»، ويضيف أن عقوبة الطابق المخالف، المنصوص عليها قانوناً هى الإزالة، والمتضرر هنا أصحاب الشقة وليس العقار، فعليهم أن يتقدموا لإنقاذ موقفهم قبل فوات الأوان.
المخالفون جاروا على "أراضى التنظيم" المخصصة لتوسعة الشوارع
لا يختلف الوضع كثيراً فى مقر حى إمبابة، حيث أغلب رواده جاءوا للاستفسار عن إجراءات التصالح، ومن بينهم أحمد شاهين، 46 عاماً، أحد سكان منطقة أرض عزيز عزت، الذين يقطنون فى طوابق مخالفة، يقول «المشكلة إن صاحب الشقة اللى قدامى مش موجود فأكيد مش هادفع لشقته، ومش عارف أتصرف إزاى، وصاحب العمارة مش بيرد وبيقول ماليش دعوة انتوا اشتريتوها بسعر إنها مخالف فتشيلوا ثمن التصالح بقى»، مطالباً بقوانين وتشريعات تعالج المشاكل الموجودة بين ملاك الشقق السكنية وملاك العقارات. واستنكر كثرة المستندات المطلوبة لإتمام التصالح.
وفى مركز خدمة المواطنين الملاصق لمجمع المصالح الحكومية بحى الجيزة، تبدو صالة الاستقبال فسيحة، إلا أنها لا تستقبل سوى أعداد قليلة ممن جاءوا ليسألوا عن الأوراق المطلوبة للتصالح.
ويؤكد عدد من المواطنين من ملاك الوحدات السكنية المخالفة، وأصحاب العقارات، والوسطاء، أهمية قانون التصالح، مشيدين بمبادرة الحكومة للتصالح مع المواطنين وإنهاء قلقهم حيال الشقق السكنية المخالفة، مشيرين إلى أن المشكلة قد تفاقمت فى السنوات الماضية، خاصة بعد ثورة 25 يناير وما تبعها من انفلات أمنى، حتى وصلت مخالفات البناء إلى أراضى «التنظيم»، التى خصصتها الدولة لتوسعة الشوارع والطرق، ويوضحون أن السوق العقارى به قطاع للشقق المخالفة، ولها زبائن يبحثون عنها لرخص ثمنها، لكن القانون سيعيد كل هذا القطاع المخالف إلى السوق الشرعى، وسيستفيد كل الأطراف منه، سواء أكانت الدولة التى ستجنى أموالاً من التصالح، أو البائع الذى سيبيعها بأسعار مرتفعة فيما بعد، وحتى المشترى الذى سيعيش فى وحدته السكنة مطمئناً وسيتمتع بالمرافق بصورة قانونية.
"خليفة": عدد المخالفات بعد 25 يناير أكبر من كل ما حدث فى عهد "مبارك"
خليفة زايد، 40 عاماً، سمسار بمنطقة أبراج «أغا خان» فى شبرا، يقول إن قانون التصالح فى مخالفات البناء فرصة رائعة لكثير من المواطنين وأصحاب العقارات، خاصة أن أغلبية العقارات الحديثة الموجودة فى منطقة شبرا الخيمة مخالفة، حيث إن الكثيرين استغلوا فترة الانفلات الأمنى، الذى حدث فى أعقاب ثورة يناير، فى البناء على الأراضى بدون ترخيص، مشيراً إلى أن مخالفات البناء كانت موجودة قبل الثورة، لكن ليس بالكثافة التى حدثت بعدها، ويؤكد «اللى حصل من مخالفات على مدار 30 سنة فى حكم مبارك، حصل فى أول 3 أو 4 سنين بعد الثورة، والصلح خير يعنى دى فرصة العمر وتاريخية فى سوق البناء والعقارات»، ويضيف أن المخالفات وصلت إلى أراضى التنظيم غير المصرح عليها بالبناء أساساً «أراضى التنظيم دى الأراضى اللى متروكة للشارع علشان يتوسع شوية لكن فيه ناس جبابرة بنوا عليها، ودول المفروض يتحبسوا مش يدفعوا غرامة بس»، موضحاً أن أغلبية المخالفات فى شبرا هى مخالفات فى عدد الطوابق، وأن هناك بعض السماسرة يعملون ويتاجرون فى الشقق بالطوابق المخالفة لأن سعرها أرخص.
"مرعى": يفيد كل الأطراف وسيقضى على أى تلاعب.. والدولة أصبحت أقوى من الأول وتستطيع فرض إرادتها على الجميع
ويشيد طه مرعى، سمسار بمنطقة شبرا بالقاهرة، بقانون التصالح كونه يفيد كل الأطراف، مشيراً إلى أن الشقق السكنية المخالفة فى منطقة شبرا تباع بـ300 أو 400 ألف جنيه، بينما قيمتها الحقيقية تصل إلى 700 ألف جنيه، والسبب فى خفض السعر إلى هذا الحد، هو أنها فى طوابق مخالفة، ويضيف أن نحو 80% من كل البنايات التى تم بناؤها بعد ثورة 25 يناير بها مخالفات، وأن المواطنين يحصلون على رخصة بناء طابقين أو ثلاثة، بينما يرفعون طوابق أكثر بهدف تحقيق ربح أكبر، من تأجيرها أو بيعها، مشيراً إلى أن القانون تمت صياغته بشكل جيد، فهو يمنح المتصالح وثيقة أو إيصالاً منذ تقديمه على طلب التصالح تمكنه من وقف أى دعاوى قضائية ضده، وهو الأمر الذى يعد مشجعاً لكل من تحررت ضدهم محاضر مخالفات بناء، وفى حالة إنهاء المخالفة تماماً يحصل الساكن على مستندات تمكنه من توصيل المرافق بشكل قانونى وليس بنظام «الممارسة»، وهو ما سيشجع الكثيرين، حتى الذين لم يحرر ضدهم محاضر، على تقنين أوضاعهم، من أجل تسهيل عملية توصيل المرافق، لكى يتمكنوا من بيع وحداتهم بسعر مربح، ويستطرد: «كده الزبون اللى كان بيشترى شقة مخالفة بـ300 ألف وبيتكتب فى العقد إنه المسئول عن أى عواقب تجاه الوحدة، هيشتريها بـ700 ألف ويورثها لأولاده وهى مترخصة وكل حاجة فيها تمام»، ويضيف «مرعى» أنه يعمل سمساراً منذ 22 عاماً، وطوال هذه السنوات كان يجد فى كل المحافظات سعرين للوحدات السكنية فى المنطقة الواحدة، والفارق هل الشقة مخالفة أم لا، موضحاً أنه فى العقود الماضية لم تكن الحكومة تعمل بقانون إزالة المبانى لوجود لوائح تمنع الهدم فى حالة وجود سكان، وكان أصحاب العقارات يلجأون إلى تأجيرها ووضع سكان فيها حتى إذا ما نزلت الحملة للقيام بمهامها لإخلاء المبنى تجد سكاناً فتكتب فى محضرها جملة «تعذرت الإزالة لوجود سكان»، لكن فى هذه الأيام أصبحت الدولة أقوى وعازمة على تنفيذ القانون أكثر من أى وقت مضى، ويضيف مرعى أن عدداً كبيراً من ملاك العقارات لم يقدموا طلبات التصالح، وهذا ما سبب قلة أعداد المتقدمين، لأن أغلبهم باع الشقق السكنية وباع المحلات وكل شىء فى العمارات التى بنوها مخالفة، وبالتالى فهم غير مضطرين لتقديم طلبات التصالح، بينما السكان يتجاهلون التقديم على العقار، لأن بعضهم لم يشكل اتحاد ملاك والبعض الآخر متكاسل، وهو ما سيهدد بكارثة، خاصة أن القانون له مدة محددة. ويقول «إحنا على أبواب أزمة داخلية بين أصحاب الشقق والمقاولين والناس مشتتة»، مشيراً إلى أن «كثيراً من ملاك العمارات باعوا الشقق للسكان، وأن بعض السكان أخبرهم ملاك العقارات أنهم ذهبوا وقدموا طلبات تصالح إلا أنهم عندما ذهبوا للتأكد من صحة الطلب فى الحى اكتشفوا الخدعة، ما يهدد بنشوب مشاكل بين الملاك والسكان».
ويقول محمد كمال المأذون، صاحب عقارات بحى الوراق فى الجيزة، إن لديه عدداً من العقارات بعضها صدر ضدها قرار إزالة، وأخرى لم يصدر ضدها قرار بعد، مرحباً بقانون التصالح فى مخالفات البناء لينهى جميع مشكلاته القانونية. ويوضح أن القانون لو حدد قيمة للمخالفات مناسبة فإنه سيرحب بدفعها لتقنين أوضاع البنايات التى لم تحصل على رخص لكامل أدوارها، ويشير إلى أنه قبل شهور نفذت الحكومة إزالات فى حى الوراق، وكان من بين البنايات التى تم هدمها وحدات سكنية، تم توصيل لها عدادات مياه قديمة وأخرى حديثة والحكومة تعترف بها، مضيفاً «إزاى الحكومة بتوصل ميه وكهربا وفى الآخر يهدوها، لكن بالنسبة لقانون التصالح يا مرحب بيه والتصالح ده حاجة كويسة ومبادرة حلوة من الحكومة علشان ما تتكررش كارثة إزالات الوراق، ودى فرصة جات لنا لحد عندنا»، ويوضح أن بعضاً ممن اشتروا منه شققاً سكنية أجروا اتصالات به منذ صدور القانون وسألوه عن الإجراءات المتبعة لإتمام التصالح، وأن السكان لا يمانعون التصالح لإنهاء المشاكل وللشعور بالراحة حيال وضعهم السكنى، ولإيصال كامل المرافق بعدادات من دون نظام «الممارسة»، التى تعتمد على التقدير الجزافى لمتوسط الاستهلاك.
ويقول إبراهيم المعداوى، 52 عاماً، سائق تاكسى يقطن بمنطقة عرب المعادى، إن خلافاً كبيراً نشب بينه ومالك العقار الذى يقيم فيه والمقاول الذى باع لهم الوحدات السكنية، لأنه رفض أن يشارك أصحاب الشقق فى إجراءات التصالح، موضحاً «الراجل قالها لنا بصراحة، أنا بعتلكم الشقق بسعر المخالف يبقى انتوا بقى اللى تكونوا اتحاد ملاك وتجروا تحلوا المشكلة مع الحكومة، وبصراحة أنا خايف لأن دى فرصة العمر وما ينفعش تضيع»، مشيراً إلى أن هذه المشاكل أجلت تقديم طلب التصالح على العقار.