أهالي غور الأردن يردون على نتنياهو عبر "الوطن": لن نترك أرضنا إلا بالموت
منطقة الغور
حيثما تُذكر منطقة "الأغوار" الفلسطينية يقترن باسمها مهنتي الزراعة ورعي الأغنام لكونها منطقة طبيعية دافئة يمكن استغلالها للزراعة طوال العام، إضافة إلى خصوبة التربة، وتوافر مصادر المياه فيها، فهي تتربع فوق ثاني أكبر حوض مائي في فلسطين، إلا أنها أضحت في السنوات الماضية فريسة بين مطرقة جيش الاحتلال وسندان عصابات المستوطنين يمارسون عليها أنواع شتى من الانتهاكات بحق أراضيها الخصبة وأهلها الذين لامورد لهم سوى الزراعة ورعي الأغنام.
وتعهد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الثلاثاء الماضي، بفرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن في الضفة الغربية المحتلة، إذا أعيد انتخابه في 17 سبتمبر الحالي.
معاناة تتنوع بين قتل الأغنام ومصادرة مصادر المياه الوفيرة في المنطقة، تصل إلى حد هدم البيوت واعتقال المعارضين من أهلها، يعيشها مزارعو "الأغوار الفلسطينية"، التي بدأ الاستيطان الإسرائيلي فيها مبكرا، لأسباب أمنية بالدرجة الأولى، ثم تحولت فيما بعد إلى سياسية واقتصادية، حيث تسارع مباشرة بعد حرب 1967، لفرض الأمر الواقع وفي محاولة لرسم الحدود الشرقية لدولة الاحتلال واعتبارها حدا فاصلا مع العرب، وفقا لتقرير وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا"، هَجَّر الاحتلال ما يزيد عن 50 ألفًا من سكان الأغوار منذ عام 1967، بالإضافة إلى تجمعات سكانية كاملة، بحجة إقامتهم في مناطق عسكرية.
تصاعدت حدة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على منطقة الأغوار الحدودية مع الأردن، والذي يرجع إلى عشرات السنين، إلى أن وصل الأمر لتعهد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، مساء الثلاثاء الماضي، فرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن في الضفة الغربية المحتلة، إذا أعيد انتخابه في 17 سبتمبر الجاري، قائلا في خطاب تلفزيوني، إن "هناك مكان واحد يمكننا فيه تطبيق السيادة الإسرائيلية بعد الانتخابات مباشرة"، مضيفا: "إذا تلقيت منكم تفويضا واضحا للقيام بذلك، أعلن اليوم نيتي إقرار سيادة إسرائيل على غور الأردن وشمال البحر الميت".
استطلعت "الوطن" أراء أهل الغور الفلسطيني والأردني بشأن تصريحات نتنياهو فما كان منهم إلا أن وصفوها بـ"وعود انتخابية" ولم يستطيع أحدا تهجيرهم من أراضيهم ولا يخرجهم إلا الموت.
"بشارات" أحد أقدم عائلات الغور الفلسطيني قدمت أكثر من 100 شهيد وتواجه مضايقات الاحتلال
في منزله البسيط بمنطقة حمصة التحتا، في الغور الفلسطينية، يعيش محمود بشارات، بصحبة زوجته وبناته الثلاث ووالديه وأخوته، يكتسب قوته من رعي الأغنام وزراعة الخيار والطماطم والقمح والشعير على أرضه التي يمتلكها، وحسب وصفه، يعيش أهل الغور جميعهم على الزراعة ورعي الأغنام، نظرا لطبيعة المنطقة التي يسيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي ولا يسلم أحدهم منه.
وبجانب مهنته الأصلية في الزراعة ورعي الأغنام التي توارثها من أجداده، يهتم "بشارات" بتوثيق انتهاكات الاحتلال متطوعاً لدى منظمة "بتسيلم" المستقلة، والمنوط بها رصد انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، تلتقط كاميرته الخاصة كل ما يقوم به الاحتلال من جرائم، ولذلك، وحسب حديث الرجل الثلاثيني لـ"الوطن" أضحت عائلة "بشارات" الشهيرة في الغور، هدفا دائما لدبابات الاحتلال وجنوده تهدم منازلهم وتقتل أغنامهم وتعرقل وصول الماء إلى أراضيهم الزراعية.
بشارات: الاحتلال هدم بيتي 5 مرات ويمنع الماء عن أراضينا.. لن نترك الغور إلا بالموت
5 مرات على فترات متفاوتة، تعرض منزل محمود للهدم على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، لأسباب وهمية منها عدم الحصول على تراخيص، وتم اعتقاله من قبل لمدة شهر كامل بحجة اختراق القانون، وعلى الرغم من ذلك أبت الأسرة الاستسلام، ويقول راعي الغنم الفلسطيني، إنه في كل مرة كانت تقضي أسرته عدة ليال في خيام تابعة للصليب الأحمر بجوار أنقاض منزلهم لحين الانتهاء من إعادة بناءه مرة آخرى ويعودون إليه وكأن شيئاً لم يكن، "هاد شي تعودنا عليه، هم يهدموا ونحن نبني".
هدم المنازل والاعتقال ليست المضايقات الوحيدة التي تواجهها عائلة بشارات، التي ترجع جذورها إلى عام 1945 في الغور، فكثيرا ما يضطر محمود إلى شراء الماء من بئر يمتلكه أحد الفلسطينيين هناك، بعد أن يغلق عليه الاحتلال موارد الحصول على الماء لري محاصيله الزراعية، وهو ما يكبده نفقات عالية، حيث يبلغ سعر الكوب من 20 إلى 25 شيكل إسرئيلي، وهي العملة الرسمية هناك، حتى الأغنام هي الآخرى لم تسلم من انتهاكات الاحتلال، "يتم دهسها بدبابات الاحتلال وأحيانا يتخلصون منها بوضع السم لها"، حسب تعبير ابن الغور الفلسطيني.
تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي"نتنياهو" الأخيرة بشأن ضم الغور استقبلها راعي الأغنام والمزارع الفلسطيني بتجاهل شديد معبرا عن ذلك بقوله: "نحن عائلة قدمت أكثر من 100 شهيد والاحتلال سارق كل شيء من المياه والأرض.. أكتر من هيك شو بدو يعمل فينا؟.. لا يستطيع أن يخرجنا من أرضنا إلا القبر".
"أحمد" فرّ من ويلات الاحتلال في الغور لكندا: بدنا العالم يساعدنا
وقعت تصريحات نتنياهو على مسامع أحمد بشكامي، بمشاعر سخط وغضب متضاربة، انتشرت بين أبناء قريته "بيت حسن" في محافظة نابلس بالأغوار الوسطى، رغم أنها لم تكن تلك هي المرة الأولى التي تعلن فيها قوات الاحتلال مساعيها لضم الغور، "هما طول الوقت حاطين نظرهم عليها"، على حد قوله، ولكنه كان تعهدا سافرا هذه المرة.
الغور هي منطقة هابطة بالوادي الذي يربط الأردن بفلسطين، وشهد عدة أحداث وانتهاكات من القوات الإسرائيلية، ولكنه أهله صمدوا بشدة أمامه، رغم بساطتهم وبُعدهم عن السياسة، ولكن حسهم الوطني وحبهم لفلسطين ظل حساسا بشدة لذلك، وفقا لأحمد، الذي يمكث حاليا بكندا، حيث فرّ من ويلات الاحتلال أخيرا.
"كنا طول الوقت مهددين من الاحتلال، مرة يضربوا الناس في وسط العتمة، ومرة تانية يجوا بالجرارات ليهدموا البيوت ويدهسوا الحيوانات". معاناة متكررة عايشها أهالي الغور وأسرة "بشكامي" منذ احتلال فلسطين، دون أي رحمة أو مراعاة للسكان، آخرها اعتقال أحد أبناء عمومته الذي تصدى لهم في إحدى المرات، "من ساعتها ما بنعرف عنه شي، من حوالي 10 سنين اخدوه وما رجعوه تاني".
ورغم حملات اعتقالات متعددة كان يجريها الاحتلال بين الحين والآخر بين أهالي الغور، إلا أنهم ظلوا يتناقلون همهمات ومحاولات للمقاومة للحفاظ على أراضيهم التي يطمع في خيرها الإسرائيليون، حيث يقول الشاب العشريني: "لو حصل هيدا الضم، برجع فورا على الغور، لأفدي أرضي بدمي.. مو مكفيهم القدس بدهم ينهبوا كل أراضينا الفلسطينية.. بدنا العالم يساعدنا هي المرة، نحنا عرب وما نقبل نكون إلا عرب فلسطينيون، وهذه أرضنا نحن مو أرض نتنياهو أو إسرائيل".
"حسام" من الغور الأردني: تصريح نتنياهو مجرد وعود انتخابية ولن نعترف بإسرائيل
على الناحية الأخرى من الغور الفلسطيني، يعيش نحو 400 ألف شخص بالغور الأردني الشمالي، التابع لمحافظة أربد، يفصلهم عن الأراضي الفلسطينية فقط قناة الملك عبدالله، حياتهم تعتمد في المقام الأول على الزراعة يحملون الجنسية الأردنية وهوياتهم تابعة لسلطة المملكة لديهم أقارب عدة في الغور الفلسطيني، إلا أنهم لم يتمكنوا الدخول إليهم بالأراضي الفلسطينية من قبل.
حسام اللاجئ، أحد سكان الغور الأردني اعتبر تصريحات "نتيناهو" الأخيرة بشأن ضم الغور للكيان الإسرائيلي ماهو إلا مجرد وعود انتخابية يضمن بها أكبر نسبة من الأصوات ولن يستطيع أن ينتزع أرضهم منهم ما داموا أحياء عليها، وحسب تعبيره، اعتادوا على تهديدات المسؤولون الإسرائيليون بشأن الغور على مدار عشرات السنين الماضية.
بحلول عام 2014، وبعد تأثر اقتصاد الدول العربية اختلفت شكل الأراضي بالغور الأردنية عما كانت عليه في السابق، فحسب رواية الشاب الثلاثيني الأردني لـ"الوطن"، كانت الأراضي قبل هذا التاريخ عبارة عن قطع خضراء بالكامل تملؤها أشجار الموالح ولكن بعد أن عانى المزارعون من نقص في مصادر الحصول على المياه اضطر بعضهم إلى بيع أرضه أو قطع أشجار الموالح واستبدالها بأنواع لا تحتاج لمياه كثيرة ولكن هذا لن يجعلهم يتنازلون عن أرضهم مهما لوح الاحتلال بذلك، "الغور أرضنا ولن يأخذها أحد منا".
اختلاف الجنسية والحواجز الفاصلة لم يمنع أهل "الغور الأردني" من التواصل مع أقاربهم من حاملي الجنسية الفلسطينية والمقيمين بالغور الفلسطيني، وحسب وصف الشاب الأردني، يتواصلون معهم على فترات متفاوتة عبر الهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي حتى لو لم يتمكنوا من عبور الحدود إليهم بسبب الاحتلال، "كل شعبنا وملك الأردن داعمين دائما لفلسطين وأهلها ولن نعترف يوما بدولة إسرائيل".
العدوان: إحنا أفقر شعب بالأردن.. بس بدنا نحارب مع أهالينا بفلسطين
بالغور الأردنية أيضا، سادت مهنة الزراعة بين المواطنين، الذين أزعجهم بشدة ذلك الإعلان الإسرائيلي، لا سيما فارس العدوان، الذي ينتمي لبلدة "الباقورة" والتي لها تاريخ مع الصراع العربي الإسرائيلي، حيث إنها إحدى البلدات الأردنية الحدودية، حيث تقع شرق نهر الأردن ضمن لواء الأغوار الشمالية التابع لمحافظة إربد، لذلك كانت ضمن بنود النزاع بين الأردن وإسرائيل منذ عقود لوقوعها على الحدود، ووردت في الملحق الأول من اتفاقية "وادي عربة" بأنها تابعة للأردن.
ورغم تلك الاتفاقية والسيادة الأردنية على المنطقة، ولكنها تخضع لنظام خاص يحق للإسرائيليين به التملك والزيارة وبدخول شرطتهم إليها بسلاحها في الكثير من الأحيان لفترات طويلة، على حد قول "العدوان"، مؤكدا أن ذلك خلف خرابا وآلما كبيرا بين الأهالي.
ويصف المزارع الأردني أهالي الأغوار، بأنهم أفقر شعب بالأردن، "فحياتهم قاصرة على الزراعة ورعاية الغنم، ورغم ذلك فهي سلة الغذاء للأردن"، وتنتج العديد من أنواع الفاكهة والخضروات، ل اسيما الموز والحمضيات، كما يشببها المزارع الأردني بأن أجوائها تشبه "صعيد مصر"، نظرا لارتفاع درجات الحرارة بها والتي تتجاوز أحيانا 50 درجة مئوية.
"نحنا والغور الفلسطيني واحد، رغم الحواجز اللي بينتنا بس هما أهلنا وأصولنا، وكل ليلة نسمع أصوات آلامهم ووجعهم"، هكذا يرعى "العدوان" منطقة الغور، التي بدأت عائلته أصلها منها، لتكون موطنا آخرا له، متسائلا عن سبب الصمت العالمي لتلك الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية، قائلا: "بدنا كلنا هون نروح نجاهد مع أهالينا بالغور ضد لاحتلال"، لذلك يوثق كل ما يتعلق بأراضي الغوار، حتى يظل محتفظا بعروبته.