صورة تخيلية للخليفة هارون الرشيد
انتشرت سيرته في الكتب التاريخية الأجنبية قبل العربية، فعرف في كتاب "الحوليات" الألمانية التي كتبت في عهد الإمبراطور شارلمان باسم "أرون"، وعرف في الحوليات اليابانية والصينية باسم "ألون"، أما في التاريخ العربي الإسلامي فعرف باسم خليفة المسلمين هارون الرشيد بن محمد المهدي بن عبدالله المنصور بن عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب.
لطالما نسجت حول شخصية هارون الرشيد خليفة المسلمين الكثير من القصص التي مزجت بين الواقع والخيال، فصوره كتاب "ألف ليلة وليلة" بأنه الملك المسرف الذي يعيش حياة الترف والبذخ والملذات، وأنه لا يفعل شيء سوى اللهو والخمر والرقص مع الغانيات، وهو ما تنفيه الكتب التاريخية جملة وتفصيلا، فقد سُمي عصره بـ"العصر الإسلامي الذهبي" الذي تميز بالحضارة والازدهار، الثقافي والديني.
واليوم 13 سبتمبر، تحل الذكرى 1233 لتولي ذلك الخليفة حكم الأمة الإسلامية، فما هي قصته ..
هارون الرشيد ليس ولي العهد
كان هارون الرشيد الذي ولد عام 149 هـ الابن الأصغر للخليفة محمد المهدي من زوجته الخيزران بنت عطاء، وكان له شقيق أكبر منه، يُدعى موسى الهادي، وهو ولي العهد لتولي خلافة المسلمين.
تربى الرشيد مع أبناء الأمراء والقادة في الدولة العباسية، وتتلمذ على يد كبار العلماء، فعلمه النحو على بن حمزة بن عبدالله الأسد الكوفي، المعروف باسم "الكسائي"، الذي صار معه حتى وفاته، وصار فيما بعد معلمًا لابن الرشيد "محمد الأمين".
وأثبت الرشيد في سنواته الأولى نبوغ في تعلم الفروسية وعلوم اللغة، فقال عنه محمد بن علي الخراساني: "الرشيد أول خليفة لعب بالصوّالجة والكرة، ورمى النشاب في البرجاس، وأول خليفة لعب بالشطرنج من بني العباس"، وفقا لكتاب تاريخ الخلفاء.
هارون الرشيد .. قائدًا للجيش
لم يكن تجاوز الخامسة عشر عندما عينه والده قائدًا لجيش يضم عدد كبير من الأمراء وكبار الدولة، وخرج الجيش عام 163 هـ إلى أراضي الروم فأظهر براعة في القيادة، وحاصر قلعة رومانية 38 يوما حتى انتهى الأمر بفتحها، وعاد بالجيش منتصرًا محملاً بالغنائم، فاستقبله أهل بغداد، وكافأه والده بتولي حُكم أذربيجان وأرمينية.
الخلاف على الحكم
كانت الخيزران امرأة ذات حكمة، وكانت تميل للرشيد أكثر من الهادي لتولي الحكم، فرغبت أن يقوم زوجها بتقديم هارون على أخيه، وكان الخليفة المهدي يحب زوجته فوافقها الرأي وعزم أن يستدعي الهادي، وأن يطلب منه التنازل عن ولاية العهد.
لكن الهادي أدرك الأمر فرفض الحضور، فغضب والده وخرج مع الرشيد في جيش وتوجه إلى جرجان حيث يوجد، لكنه توفي في الطريق، فصلى عليه الرشيد ودفنه، وأرسل لشقيقه خاتم الخلافة وهنأه بالخلافة، فعاد الهادي إلى بغداد وأخذ البيعة من الأمراء وقادة الجيش والشعب بنفسه، وتسلم أمر الخلافة عام 168.
خلع هارون الرشيد
على الرغم من أن الرشيد لم يكن أول ولي عهد، لكنه كان خليفة لأخيه وفقًا لوصية أبيهم، لكن ذلك الأمر لم يرق للهادي، فأراد أن يخلع أخاه، فأصبح ينتقد تصرفاته بشدة، ويُبدي عدم رضاه، وطلب منه أكثر من مرة التنازل عن ولاية العهد لابنه جعفر، لكنه رفض.
وفاة الهادي
بعد أن تولى الخلافة بسنة و3 أشهر فقط، توفى خليفة المسلمين موسى الهادي، ويرى البعض أن وفاته كانت طبيعية، فيما يرى البعض الآخر أنه قُتل على يد والدته الخيزران بنت عطاء، التي أمرت جواريها أن يقتلنه، بسبب ميلها للرشيد.
تولى هارون الرشيد الخلافة
بويع هارون الرشيد بالخلافة ليلة الجمعة التي توفى خلالها أخوه موسى الهادي في (14 ربيع الأول 170 – 14 سبتمبر 786)، وكان عمره وقتها 22 عاما فقط، وكانت الدولة العباسية مترامية الأطراف متباعدة، تمتد من وسط آسيا حتى المحيط الأطلسي مُعرضة للثورات والفتن، ومع توليه بدأ الإزدهار، حيث ارتقت العلوم، وسمت الفنون، وعمّ الرخاء ربوع الدولة الإسلامية، ورزق يوم خلافته بابنه "محمد الأمين" من زوجته ابنة عمه "زبيدة بنت جعفر".
تعليقات الفيسبوك