السباق إلى "قرطاج" جولة ثانية خارج "توقعات التوانسة"
السباق إلى "قرطاج" جولة ثانية خارج "توقعات التوانسة"
حتى الثانية عشرة من ظهر الأحد 15 سبتمبر الجارى، لم يتجاوز عدد المشاركين فى التصويت بالانتخابات الرئاسية 7%، كانت النسبة صادمة توحى بأن ثمة أمراً لدى التونسيين حيال مرشحى الرئاسة، ثمة عقاب لهم فيما يبدو بالعزوف عن التصويت، خصوصاً لدى فئة الشباب، ومع المحاولات الحثيثة لحشد الناخبين ارتفعت النسبة نهاية اليوم إلى ما فوق 40%، وهى نسبة لم تكن مرضية. ظن كثيرون أن الأمر انتهى، لكن حسب مراقبين ومتابعين جاء الدرس الثانى بوصول المرشح المستقل قيس سعيد الذى أتى من بعيد ليكون أولاً بنحو 18%، والمفاجأة كانت حلول نبيل القروى، الذى يقبع خلف القضبان على ذمة قضايا تهرب ضريبى وتبييض أموال، فى المرتبة الثانية، بعد أن كانت التوقعات تذهب جميعها إلى عبدالكريم الزبيدى، وزير الدفاع السابق، ويوسف الشاهد، رئيس الحكومة، ومرشح حركة النهضة الإخوانية عبدالفتاح مورو.
ويعتقد كثيرون أن الجولة الثانية سيكون عنوانها التصويت العقابى كذلك، فالمنظومة التى خرج منها «القروى» ربما تصوت ضده كون الأصوات التى حصل عليها أطاحت بفرصهم فى الرئاسة، وهناك من يرى أن التيار المدنى العلمانى سيصوت لـ«القروى» ضد قيس سعيد صاحب الآراء المحافظة، وتبقى خيارات الشعب صاحبة القول الفصل بعد ما حدث فى الجولة الأولى.
أوضاع الاقتصاد وصراعات النخبة تعصف بـ"الإخوان" وشركائهم
كانت نتائج الانتخابات التونسية موضعاً لكثير من التحليلات بعد أن أتت بنتائج مفاجئة، تمثلت فى حلول المرشح المستقل قيس سعيد أولاً، ونبيل القروى ثانياً، رغم وجود الأخير خلف القضبان، وذهابهما إلى جولة ثانية، وبالتأكيد سيكون لتلك النتائج انعكاسها الواضح على ماراثون الانتخابات التشريعية التى ستجرى 15 أكتوبر المقبل.
"فرانس برس": نتائج الجولة الثانية غامضة بين "زهد سعيد وبهرجة القروى"
ورغم الوعود المستمرة بتحسن الحالة الاقتصادية وتعاقب نحو 8 أو 9 حكومات منذ الإطاحة بنظام زين العابدين بن على، لا تزال البطالة تطال أكثر من 15% من القادرين على العمل، بينهم كثير من الشبان خريجى الجامعات، ويقضم التضخم المداخيل المتدنية أصلاً، كما غذى تدهور متواصل للخدمات العامة مشاعر النقمة على السلطات المتعاقبة منذ ثورة 2011، وفق تحليل لوكالة أنباء «فرانس برس»، وزاد من تفاقم هذا التململ طبقة سياسية تشهد انقسامات لا تنتهى وصراعات زعامة، بين حركة «نداء تونس» التى تحولت إلى أكثر من حزب، بعضهم تحالف مع حركة «النهضة»، التابعة لتنظيم الإخوان الدولى، الذين تشاركوا فى السلطة، ومع حكومة يوسف الشاهد، الذى خسر السباق الرئاسى بنتيجة ضعيفة. فى هذا السياق، قالت صحيفة «لوكوتديان» اليومية الناطقة بالفرنسية: «قال التونسيون كلمتهم»، معتبرة أن الناخبين صوتوا للمرشحين اللذين قاما بحملة انتخابية ضد النخب السياسية، وأضافت: «لقد فضلوا القفز فى المجهول بدلاً من مد اليد مرة أخرى لمن خانوا تطلعاتهم».
مراقبون: الانتخابات الرئاسية تعرقل الماراثون التشريعى
وأعاد وصول المرشح الرئاسى قيس سعيد إلى الجولة الثانية فتح الجدل التقليدى فى تونس بين التيارين المحافظ والمدنى، إذ اعتبر كثير من السياسيين أنه لا بد من تدارك التيارات الليبرالية المدنية ذلك بالعمل على الحيلولة دون وصول «سعيد» إلى الرئاسة للحفاظ على مدنية الدولة.
وفى هذا السياق قالت فاطمة المسدى، عضو مجلس نواب الشعب، فى اتصال هاتفى لـ«الوطن»، إن «نبيل القروى الذى جاء ثانياً دليل كان متوقعاً صعوده، نتائج الانتخابات دليل أن المساعدات التى قام بها لمدة 3 سنوات أثرت فى الشعب ووجوده فى السجن حوله إلى سجين سياسى، حسب رأى مؤيديه»، وأضافت: «وهذا درس لليبراليين والطبقة الوطنية أن الانشقاقات تخدم الشعبوية والتيارات المحافظة، ويجب أن نأخذ ذلك بعين الاعتبار، وأن يكون التمثيل فى البرلمان لليبراليين له وجود قوى لخلق حالة من التوازن، ما يتطلب تقديم تنازلات متبادلة»، وبسؤالها حول أسباب عدم التصويت للمرشح الإخوانى عبدالفتاح مورو، إذا كان الأمر مسألة تصويت لتيار محافظ، أجابت «المسدّى»: «مورو جزء من الطبقة الحاكمة، والمواطنون الغاضبون من الطبقة الحاكمة قرروا معاقبتها ككل، رأوا حتى معاقبة يوسف الشاهد، رئيس الحكومة، ولم يمنحوه أصواتهم، وهذا دليل على أن الشعب فى واد والحكومة فى واد، التصويت كان حالة من التمرد الشعبى على الطبقة الحاكمة وقطيعة لها، هذا التمرد وهذه القطيعة كانت سبباً فى وصول قيس سعيد صاحب الخلفية المتشددة»، على حد قولها. وعن توقعاتها بشأن التصويت فى الجولة الثانية، قالت عضو البرلمان التونسى: «أعتقد أن التيار المحافظ سيصوت لقيس سعيد، وتيار الإسلام السياسى بما فى ذلك النهضة الإخوانية والمستقلون والتيار الديمقراطى سيصوت لنبيل القروى رغم تحفظه».
ورغم حديث النائبة البرلمانية عن أن «النهضة»، التابعة لتنظيم الإخوان الدولى، ستدعم «سعيد»، أعلن الأخير، أمس الأول، رفضه التحالف مع أى حزب، فى موقف يأتى قبل 3 أسابيع من الانتخابات التشريعية، التى ستعيد رسم المشهد السياسى فى البلاد. وقال «سعيّد» للصحفيين: «ليس هناك تحالف بين أحزاب سياسية أو مع حزب أو ائتلاف أحزاب، هناك مشروع»، مضيفاً: «كل من يريد الانضمام إليه حر فى القيام بذلك». فى المقابل، دعا حزب «قلب تونس» بزعامة نبيل القروى، إلى التعبئة للانتخابات التشريعية المقررة فى 6 أكتوبر المقبل، وقال حاتم المليكى، المتحدث باسم «القروى»: «نأمل أن تسمح الجولة الثانية للتونسيين باختيار ممثليهم فى البرلمان ورئيس الجمهورية». وتبقى نتيجة المواجهة بين «سعيد» و«القروى» غامضة، وذلك لأن المرشحين يعتمدان على خزّان انتخابى «من خارج النظام»، بالرغم من اختلافهما الشديد، فقيس سعيد أقرب إلى الزهد ومنفصل عن النخب، بعكس «القروى» المحب للبهرجة والقريب من تلك الأوساط.
من ناحيته، دعا زعيم حزب النهضة الإخوانى، راشد الغنوشى، الذى يخوض للمرة الأولى الانتخابات التشريعية، أنصاره للإقبال بأعداد كبيرة على صناديق الاقتراع حتى تكون لـ«النهضة» حصة وازنة فى التشكيل الحكومى المقبل، وقال «الغنوشى» إن الأمر يرجع إلى مجلس شورى الحزب لتحديد أى من المرشحين سيؤيد فى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية. وكان مرشّح حزب النهضة للانتخابات الرئاسية عبدالفتاح مورو قد حلّ فى المركز الثالث فى الجولة الأولى بحصوله على 12.9% من الأصوات، فى صفعة للحركة التى تتراجع قاعدتها الانتخابية مع كل اقتراع يجرى، ولم يتمكن أى من ممثلى معسكر الوسط، المنبثق من حزب «نداء تونس» الذى فاز بالانتخابات الرئاسية والتشريعية عام 2014، من الحصول على 11%، لكن جمع نسب هؤلاء يفوق النسبة التى حصل عليها قيس سعيد، ولكن لا يعرف مدى قدرة هذه العائلة السياسية المتشرذمة على توحيد صفوفها فى الاقتراع التشريعى.
ودعا «القروى» من سجنه أنصاره إلى منح حزبه «قلب تونس» مكانة محورية فى البرلمان.
وإزاء تشظى المعسكرات السياسية، قالت «مجموعة الأزمات الدولية» فى تقرير قبل الاقتراع إنه «قد لا تنبثق أى غالبية لتشكيل حكومة فى الآجال المحددة فى الدستور».