الغياب عن المدرسة.. ظاهرة مرَضية تسيطر على "طلاب الشهادات"
بدء الدراسة
بمجرد أن يبدأ عامهم الدراسى الجديد يخاصمون المدرسة، غير مهتمين بشىء سوى البحث عن بديل لها يساعدهم على تحصيل أكبر قدر ممكن من الدرجات فى هذه السنة الدراسية «المهمة»، فهم فى سنة «الشهادة»، إعدادية كانت أم ثانوية، وكان الغياب عن المدرسة أمراً مسلماً به عند أغلبهم، حتى ولو كانوا غير راضين عنه، وهو ما شكّل ظاهرة وصفها الخبراء بأنها «مرَضية» وتحتاج تدخلاً حاسماً من الأسرة لإنهائها لخطورتها على أبنائهم.
"شهد": "معروفة إن المدرسين مابيشرحوش فى السنين دى ومش هنستفاد حاجة"
شهد على، طالبة فى الصف الثانى الثانوى، تسكن فى منطقة الهرم، قررت عدم الذهاب إلى المدرسة، وبررت ذلك بالقول: «معروفة إن المدرسين مابيشرحوش فى السنين دى، ولو رُحنا هنضيع وقت على الفاضى ومش هنستفاد حاجة».
طرق بديلة تلجأ إليها «شهد» لتعوض بها غيابها عن المدرسة، أبرزها الدروس الخصوصية، فضلاً عن الاستفادة بعدد الساعات التى لن تذهب فيها إلى المدرسة فى المذاكرة بالمنزل، هكذا قالت، قبل أن توضح بعض الحيل التى تلجأ إليها هى وصديقاتها حتى لا يتعرضن للفصل من المدرسة: «عشان مانتفصلش بسبب الغياب ممكن نروح يوم واحد فى الأسبوع نكسر به الغياب وبعد كده نغيب تانى»، وتوضح أن هذا الاتجاه كان حصيلة نصائح زملائها الأكبر سناً منها.
نظرة الطلاب لسنة «الشهادة» قد تختلف بعد الانتهاء منها، كما كان الأمر بالنسبة لـ«عمر المرسى»، صاحب الـ18 عاماً، والذى أنهى تجربته فى الثانوية العام الماضى، وكان واحداً من بين كثيرين لم يروا المدرسة خلال هذا العام إلا مرات معدودات، على حد قوله: «رغم إنى السنة اللى فاتت فى مدرستى لو كنت رحت كنت بلاقى المدرسين بتشرح، وكان فيه ناس زمايلى بتحضر، بس هو كده إننا مانحضرش فى الثانوية بقى شىء متعارف عليه، بقت حاجة شبه إلزامية مش عارفين بدأت ازاى وإيه سببها».
لم تكن الدروس الخصوصية هى البديل الأمثل عن المدرسة بالنسبة لـ«عمر»، فهو لم يرَ فيها الحل لتحصيل ما يريد من معلومات: «طول السنة كنت بذاكر لوحدى، لأنى لو هقارن بين المدرسة والدروس الخصوصية المدرسة أهون 100 مرة»، وجهة نظر «عمر» حول الحضور فى المدرسة، بعد أن قارب على بداية عامه الأول فى الجامعة، تغيرت، فلو عاد به الزمن لن يكون هذا هو اختياره، على حد قوله: «لو هنصح حد لو المدرسة كويسة يحضر فيها، المدرسة حل أفضل مليون مرة من الدروس الخصوصية، لأن القصة مش مجرد مادة بدرسها، الموضوع فيه تربية وتعود على الالتزام بمواعيد واحترام المدرس».
لم تكن مسألة الغياب أو الحضور إلى المدرسة فى سنوات «الشهادة» تقتصر على الطلاب فحسب، وإنما كان لأولياء أمورهم دور فى اتخاذهم هذا القرار، الأمر الذى عاشته الخمسينية ريم علاء، مع طفليها العام الماضى، حيث كان أحدهما فى الصف الثالث الإعدادى، وهذا لم يأخذ قرار حضوره فى المدرسة حيزاً من تفكيرها، على العكس من ابنها الثانى، مصطفى عمر، الذى كان فى الصف الثالث الثانوى وقرارها بشأنه كان مغايراً، فقد اتفقا معاً على عدم الحضور والاعتماد على الدروس الخصوصية: «ماكانش بيبقى فيه عدد كافى فى فصله فى المدرسة وماكانش فيه مدرسين بيشرحوا، ولما فى الأول كنت بقول له روح شوف كانوا بيقولوا لهم انتو جايين ليه، انتو مالكوش فصول».
ويقول الدكتور حسن شحاتة، الخبير التربوى وأستاذ المناهج بكلية التربية جامعة عين شمس، إن ظاهرة غياب الطلاب فى الصف الثالث الإعدادى والثانى والثالث الثانوى، فيما يُعرف بسنوات «الشهادة»، ما هى إلا ظاهرة مرَضية يجب علاجها من خلال «روشتة» تضمن انتظام الطلاب فى المدارس، لخصها فى مجموعة من النقاط الهامة، كان على رأسها إعادة هيكلة الحصص الدراسية التى يحصل عليها الطالب فى المدرسة خلال هذه الأعوام الدراسية، من خلال إلغاء الحصص الدراسية للمواد التى لا امتحان فيها واستبعاد هذه المواد، إضافة إلى اختيار معلمين على قدر عالٍ من التميز يجعلهم محبوبين من الطلاب، فضلاً عن عمل مراجعات وامتحانات أسبوعية.
ويقول كمال مغيث، الخبير التربوى، إن هذه الظاهرة موضوعية وترتبط بالظروف المحيطة بالعملية التعليمية، وهى ظروف متعددة، من بينها ضعف المرتبات التى يتقاضاها المعلمون، والتى لا تسمح لهم بـ«حياة كريمة»، ما دفعهم إلى اللجوء لأى طريقة لزيادة دخولهم حتى لو على حساب أولياء أمور هؤلاء الطلاب من خلال الدروس الخصوصية، ولكى توضع قيود عليهم، وفق «مغيث»، تطلب منهم عملاً حقيقياً وجهداً وانتظاماً وانضباطاً فى المدارس، لا بد أولاً أن يتقاضى المدرس مرتباً يسمح بذلك.
"عبير": لابد من عودة الانضباط مرة أخرى
وقالت عبير أحمد، مؤسس اتحاد أمهات مصر للنهوض بالتعليم، إن أحد أسباب عدم حضور طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية فى المدرسة أغلب أيام العام هو غياب الدور الحقيقى للمدرسة وغياب دور المعلم، فضلاً عن عدم وجود رقابة على الحضور والغياب، وطالبت بإعادة النظر فى كل هذه الأمور ومعالجتها وإعادة الدور الحقيقى للمدرسة وإعادة الانضباط مرة أخرى.