مدير "الدفاع الوطني" الأسبق: وضعنا "المُحتل" تحت ضغط الحرب كل يوم حتى تحقق النصر
اللواء دكتور محمد الغبارى، مدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق وأحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة
أكد اللواء دكتور محمد الغبارى، مدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق وأحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة، أن مصر نجحت فى تنفيذ أضخم وأكبر وأسرع عملية تجميع للقوات المهزومة عقب نكسة يونيو 1967، لتبدأ فى وضع العدو فى ضغط «الحرب كل يوم» فى أهداف مُخططة تمثل تدريباً للقوات على مهامهم أثناء «حرب التحرير»، وذلك بهدف استعادة الثقة وزرع الرعب فى نفوس العدو، وهو ما تحقق بالفعل.
اللواء محمد الغبارى لـ"الوطن": أحداث أكتوبر "غير متوقعة" وحساباتها دقيقة.. والنصر كان "شبه مستحيل".. وقتال المصريين كان يفوق قدرات البشر
وأضاف «الغبارى»، فى حوار لـ«الوطن»، أنه عقب النكسة كان يتسابق رجال القوات المسلحة ليلاً على عبور قناة السويس، ويتسللون ويأخذون أحد أغراض العدو، الذى أصيب أفراده بالتوتر الدائم، وبدأنا بتسلل أفراد، حتى وصلنا لعبور كتيبة كاملة قبل حرب أكتوبر، لافتاً إلى أنه كان يتم استهداف النقاط الحصينة للعدو بالدبابات والمدفعية وقت الغروب، لاستغلال أن الشمس تأتى من ظهرنا وتكون فى مواجهة أعين العدو فلا يتمكن من الرؤية بسهولة فيصيبه الارتباك ومن ثم تم إحداث أكبر خسائر فى أفراده.. وإلى نص الحوار:
نسمع عن تغيير حرب أكتوبر للعلوم العسكرية والتكتيكات القتالية العالمية.. كيف حدث ذلك؟
- حرب أكتوبر 73 كانت وما زالت كنزاً ثميناً من كنوز الدروس المستفادة التى نتعلم ويتعلم منها العالم، وذلك لأن أحداثها مفاجئة وغريبة وغير قابلة للتوقع وحساباتها دقيقة بدرجة مذهلة، لأنها تعالج قضايا شبه مستحيلة وأعمال قتال المصريين فيها كانت مفاجئة وتفوق القدرات البشرية المنظورة، وكذلك وسائل ومعدات الحرب المبتكرة والمطورة، ما أدى بعد النصر إلى تغيير الفكر الاستراتيجى الدولى والإقليمى فى كثير من المجالات، خاصة التى تأثرت تأثيراً مباشراً بالحرب ونتائجها، فقد تم تعديل الفكر الاستراتيجى لإعداد مسارح العمليات وطرق ووسائل الدعم، حيث جاءت فكرة التعاون الاستراتيجى مع الحلفاء بإنشاء مخازن الطوارئ على تلك المسارح المنتظر حدوث عمليات فيها، والدرس المستفاد هنا هو تعويض ضعف الإمداد والدعم اللازم من الجانب الأمريكى للخسائر الكبيرة فى جانب إسرائيل وزيادة حجم المطالب عن قدرة الإمداد والدعم الذى تم دفعه من قواعد حلف الناتو فى أوروبا جواً ولجميع المعدات حتى الثقيلة مثل الدبابات، كما تغير الفكر الغربى لتأمين الإمدادات بالبترول وتخزين احتياطات استراتيجية تكفى لمدد كبيرة زمنياً، كما أن «معارك الأسلحة المشتركة الحديثة» أصبحت هى السائدة والتى تشترك فيها جميع عناصر القوات المسلحة بأفرعها الرئيسية، وكذلك ربط خطط «الخداع الاستراتيجى» بـ«المستوى التعبوى».
تتحدث عن «مهمة شبه مستحيلة».. فكيف تحققت؟
- نتائج حرب أكتوبر ما كانت تتحقق بهذا القدر العظيم على أرض المعركة إلا بجهد وتدريب وتجارب كثيرة وعظيمة مع استمرار التطوير فى هذه الجهود والتجارب، وأعتقد أن حرب الاستنزاف كان لها الأثر الأكبر فى ذلك، وإذا جاز لى أن أتحدث عن تلك الحرب فالحديث سيكون عن الإعداد للثأر من الهزيمة واسترجاع الأرض والحقوق فى أقرب فرصة، وتم العمل على إيجاد هذه الفرصة وتم التخطيط لها، حيث قررت القيادة المصرية أنه لا يجب أن يهنأ العدو باحتلال سيناء، ويجب وضعه تحت ضغط الحرب يومياً، وذلك بما عرف بعد ذلك بحرب الاستنزاف بمراحلها الثلاث، كذلك تم الإعداد سواء للقوات أو مسرح العمليات الجديد تحت ساتر هذه الحرب.
استهدفنا النقاط الحصينة بدبابات ومدفعية وقت الغروب لاستغلال أشعة الشمس فى أعين الإسرائيليين.. وأوقعنا فيهم خسائر كبيرة لم يستطيعوا إصلاحها
وكيف تمكنا من تحقيق ذلك؟
- عبر تنفيذ أكبر عملية إعادة تجميع قوات مهزومة وتنظيمها فى ميدان المعركة وتحت ضغط العدو، حيث تم احتلال وحدات وتشكيلات موجودة للقطاعات والمناطق الدفاعية لها على المحاور الرئيسية والمهمة غرب القناة، بالإضافة إلى تشكيل وحدات وتشكيلات جديدة وإعادة التسليح للجميع فى ميدان المعركة، منطقة القناة، وتم تجهيز مسرح العمليات لذلك أيضاً بالجهود والإمكانيات المحلية، حتى وصول الدعم بالمواد والتجهيزات الهندسية من القيادة العامة للقوات المسلحة بعد توفرها من الدولة، وتبع ذلك وصول معدات المهندسين اللازمة للتنفيذ لاستكمال إعداد المسرح هندسياً.
الجنود تسابقوا فى العبور ليلاً لأخذ أمتعة العدو وهذا زرع الرعب فى قلوبهم.. ورجالنا اعتادوا العبور قبل الحرب
وكيف تمكنا من عبور الهزيمة إلى النصر؟
- بعدة وسائل، منها التدريب القتالى، حيث تم ضغط العام التدريبى للقوات المسلحة من عام كامل إلى 6 أشهر فقط، وتم تدريب القوات على الدروس المستفادة من الحروب السابقة، وأساليب فتح الثغرات فى السواتر الترابية، والموانع الهندسية، وكيفية اقتحام مانع مائى، ومهاجمة نقط حصينة، وأسلوب صد وتدمير الاحتياطيات المدرعة والميكانيكية المحلية والتكتيكية، وغيرها، كما تم تجهيز مناطق تدريب مشابهة للقطاعات التى سيتم الهجوم عليها، نهاراً وليلاً، مع فرض مواقف طائرة حتى تكون فى ذهن القوات حال حدوثها، فالعرق فى التدريب يوفر الدم فى المعركة.
وكيف أسهم التدريب فى «غرب القناة» على تحقيق الانتصارات؟
- كان يتم التدريب على مهام دفاعية فى غرب القناة بهدف رفع الروح المعنوية للجيش والشعب، وتمت دورياً حتى اعتاد العدو الإسرائيلى عليها باعتبارها «روتين»، ما أسهم فى تنفيذ خطة «الخداع الاستراتيجى» للحرب، عبر كثرة التحركات للقوات وفى اتجاهات مختلفة وتحت ساتر هذه التدريبات كان يتم تدريب آخر لعناصر من الوحدات المدافعة عن القناة مباشرة اختيرت بمسمى «الفدائيين» بمهمة التدريب على العبور لقناة السويس ذاتها ليلاً فى البداية وكانت تتم كمسابقة بين المقاتلين على من سيعبر الليلة للقناة دون إحداث أى صوت، فى عرض مائى يتراوح بين 100 متر و200 متر، حيث كان رجالنا يخترقون الموانع بمفردهم، وتسللوا لأطراف النقطة الحصينة، ثم يفتحون ثغرة، ويستولون على أى متاع للجنود الإسرائيليين، حتى يفاجأوا صباحاً بضياع أحد أمتعتهم، وبالبحث يجد آثار تسلل من قناة السويس، وهو ما نجحنا فى فعله أكثر من مرة، ما زاد الرعب فى قلوبهم وجعلهم «متوترين» بشكل دائم، ثم زاد الأمر حتى اعتاد المقاتلون المصريون عبور القناة، وقتل وأسر جنود معادية، أو زرع ألغام للدوريات الإسرائيلية، أو عمل كمائن لها، ووصل التدريب حتى عبرت سرية مشاة كاملة، ثم عبرت كتيبة مشاة كاملة، وعبرت واخترقت موقعاً حصيناً فى «القنطرة شرق» لتسيطر عليه وتعزله عن الإمدادات 6 ساعات كاملة، ثم تعود للغرب بخسائر لا تذكر، لذا تم فك رهبة العبور وأسطورة الموانع التى لا تخترق لنزرع الثقة بأن النصر قادم لا محالة فى أنفس رجالنا وقواتنا المسلحة، وكان يتم تدريب حى على تدمير نقاط حصينة على محاور الهجوم المنتظرة بواسطة الدبابات والمدفعية، وكنا نختار توقيت الغروب بحيث يبدأ التنفيذ وينتهى مع نهاية الغروب، نظراً لأن الشمس ستكون فى مواجهة المعدات البصرية للإسرائيليين؛ فيحدث عدم وضوح رؤية بالنسبة لهم، ليصعب عليهم الرد، وكان لى شرف تنفيذ عمليات فى النقط الحصينة فى موقع «الدفرسوار»، وكنا نتفوق ونسيطر وننفذ مهامنا، والدليل هو ما وقع من خسائر لهم وبعد إيقاف إطلاق النار ومحاولات السلام لم ينجح العدو فى استعادة كفاءتها لشدة التدمير الذى لحق بها.
وهل تلك الأسلحة فقط هى التى اشتركت فى هذا التدريب؟
- تم هذا المنهج التدريبى لجميع تخصصات الأسلحة بالقوات المسلحة وتوصلت هذه القوات إلى الدرجة التى أبهرت العالم فى حرب 6 أكتوبر 1973 حيث أخرجت للعالم نموذج معركة الأسلحة المشتركة الحديثة فى أروع صورها العلمية والمبهرة، وأعتقد يقيناً أن حرب الاستنزاف التى لم تأخذ نصيبها من الإعلام أنها هى البوتقة التى انصهر فيها الفكر والعرق والدم لمقاتلى القوات المسلحة المصرية، والتى أنتجت هذا النصر العظيم.