"العمارة الخضراء".. بديل الحياة في "بيوت مسمومة"
العمارة الخضراء
بينما تتمدد العمارة الأسمنتية فى كافة أنحاء مصر، بمدنها وريفها، وتنتشر فى جسدها كالسرطان، يدق الخبراء، من كافة التخصصات، ناقوس الخطر حول أضرار تلك العمارة، وخطورة مواد البناء المستخدمة فيها على البيئة وصحة المواطنين، وسط مؤشرات تربط بين استخدام هذه المواد وزيادة نسب التلوث البيئى.
مواد البناء الحديثة تسبب السرطان وأمراض الجهاز التنفسى والدم والنخاع الشوكى
فمن الناحية الطبية، يؤكد أطباء أن مواد البناء الحديثة، وعلى رأسها الدهانات والأسمنت، ينتج عنها أضرار صحية خطيرة، من بينها أمراض الجهاز التنفسى، فضلاً عن أنها تتسبب فى أعراض أشبه بالتسمم، هذا فضلاً عما يلقونه من علامات استفهام حول تأثير هذه المواد على صحة الدم والنخاع الشوكى، ولا تتوقف الخطورة فقط على المنزل الذى يعيش فيه الإنسان، وإنما تمتد إلى المنطقة التى يحيا فيها الناس ككل، وما إذا كانت تشهد حركة بناء نشطة أم لا.
هذه التأكيدات الطبية، تقابلها تأكيدات أخرى من جانب الأكاديميين المتخصصين فى مجال العمارة ومواد البناء، بأن غالبية مواد البناء الحديثة غير المتوافقة مع البيئة، تنتج عنها أضرار بيئية وصحية بالفعل، مشيرين إلى أن هناك بالفعل ما يعرف بـ«أمراض المبانى»، بل إن أنواع السرطانات التى باتت منتشرة بمعدلات غير مسبوقة الآن، ربما ترجع أيضاً لهذه الأسباب.
فى المقابل، تأتى «العمارة البيئية الخضراء» بموادها الطبيعية، كحل بديل ورخيص أيضاً، وسط جهود تمت على أرض الواقع بالفعل لتطوير هذه العمارة للوصول بها إلى مستويات مرتفعة من الحداثة التى تستوعب أحدث التجهيزات وأعلى معدلات الجمال والنظافة، مع تقليل نسب التلوث ومعدل استهلاكات الطاقة.
المبانى الأسمنتية ضارة بالصحة وملوثة للبيئة.. و"مساكن الفقراء" الحل
من واقع عملها وخبرتها التى اكتسبتها على مدار السنين، تدرك الدكتورة هنا أبوالغار، أستاذ طب الأطفال بجامعة القاهرة ومستشفى أبوريش للأطفال، أن مواد البناء المستخدمة فى المبانى والبيوت الأسمنتية السائدة فى مصر الآن، وعلى رأسها الدهانات، لها آثار سلبية خطيرة على صحة الأطفال بشكل خاص، وهو الأمر الذى قد يمتد للكبار أيضاً بطبيعة الحال.
"هنا": الدهانات تسبب أمراض الحساسية وتخلق أعراضاً أشبه بالتسمم لدى الأطفال
فالدهانات، وفقاً لأبوالغار، يمكن أن تُفاقم من حالة الأطفال الذين يعانون من الحساسية، كما أنها يمكن أن تولّد الحساسية لدى بعض الأطفال الآخرين، وهناك دهانات تسبب أعراضاً أشبه بالتسمم، خاصة لو تعرّض الطفل لها لمدة طويلة، أو كان المكان المدهون بها «لسة ما اتهواش كويس».
وتشير «هنا» إلى أن الآثار الصحية السلبية تظل قائمة بالنسبة للأطفال طالما ظلت رائحة الدهان منبعثة، وأحياناً تظهر حتى بعدما تختفى رائحته، وبحكم تمرّسها فى المهنة تسأل «أبوالغار» أهالى الطفل إذا ما وجدت هذه الأعراض «انتوا بيّضتوا قريب.. يقولوا آه».
ومن بين مواد البناء التى تؤدى لنتائج صحية خطيرة على الأطفال، والكبار أيضاً، وفقاً لأستاذ طب الأطفال، هو الأسمنت، هذا فضلاً عن «الأسبستوس» الذى يؤدى إلى أمراض مزمنة على المدى الطويل، خصوصاً فى الجهاز التنفسى، حيث يصاب الأطفال بالحساسية، التى تتطور فيما بعد لأشياء أخطر.
الخطر لا يقتصر على البيوت بل يحدث إذا كنا نعيش بمنطقة بها حركة بناء
ولا يقتصر الأمر على التأثر سلباً بمواد البناء، سواء الأسمنت أو الدهانات أو غيرهما من مواد البناء، على البيت الذى يسكن به الطفل، وإنما يشمل، وفقاً لأستاذ طب الأطفال: «العيش فى منطقة بها مبانٍ، ومن بينها المدن الجديدة».
تقول «أبوالغار»: «المناطق والمدن الجديدة التى يلجأ الناس إليها للبعد عن التلوث بعوادم السيارات مثلاً، يمكن أن تكون ملوثة بأشياء مختلفة، حيث إن بها حركة بناء نشطة، حتى إن مدارس بعينها هناك وجدنا أطفالاً مختلفين فيها يعانون من المشاكل الصحية نفسها، وعندما نبحث عن السبب فى إصابة أطفال هذه المدرسة بالتحديد، نجد أن المنطقة الموجودة بها منطقة بناء، وظلت فترة طويلة الهواء بها معبأ بمواد البناء.
وإذا كانت أمراض الصدر وحساسية الأنف، هى الأبرز، وفقاً لأستاذ طب الأطفال، إلا أنه «بالتأكيد ينبغى أن يكون هناك قلق على النخاع الشوكى أيضاً، والبحث فى مدى تأثره سلباً بهذه المواد، هذا فضلاً عن كرات الدم البيضاء والحمراء».
وتشير فى هذا السياق إلى أن المواد الضارة الموجودة فى مواد البناء المختلفة، إذا ما تراكمت فى الدم على مدار سنين طويلة يمكن أن تتطور إلى سرطانات، كما أنها يمكن أن تجعل مكونات الدم، منخفضة جداً، بما يخلق مشكلة «أنيميا حادة» أو نقصاً فى الصفائح الدموية وفى المناعة، وهى أشياء يمكن تخيل أنها تحدث، وإن كانت تحتاج لمزيد من البحث لإثباتها.
وتمتد المخاطر الصحية لمواد البناء إلى ما وراء البيوت التى تحت التجهيز أو التشطيب ومواقع البناء، بحسب «أبوالغار»: «فلا بد أيضاً أن نبحث أين تذهب مخلفات مواد البناء أو بواقيها، وهل تنتهى فى الأرض التى نزرعها، أو النيل الذى نشرب منه أو أى من المجارى المائية، لأن تأثير هذه المواد الضارة لن يتلاشى أو يختفى، ما لم يتم التخلص منها بطرق آمنة، وهو الأمر الذى لا بد أن تكون هناك رقابة عليه».
"الدميرى": هناك ما يُعرف علمياً باسم "أمراض المبانى"
وطبقاً للدكتور إبراهيم الدميرى، مدير معهد العمارة بمركز بحوث الإسكان والبناء، فإن «معظم مواد البناء المستخدمة فى العمارة الأسمنتية، بما فيها الأسمنت والدهانات الحديثة غير المتوافقة مع البيئة والسيراميك، لها تأثيرات سلبية على البيئة والصحة، قد تؤدى فى النهاية للإصابة بما يعرف علمياً باسم «أمراض المبانى» Syndrome buildings، وهى الأمراض التى يصاب بها الأشخاص، صغاراً وكباراً، نتيجة لوجودهم فى المبنى بدون أى عدوى خارجية، وربما يدخل فيها السرطانات التى تنتشر دون سبب واضح بين الناس.
معظم المواد غير البيئية المستخدمة لها تأثيرات سلبية على صحة الإنسان والبيئة المحيطة به
لا يعتمد هذا الكلام على انطباعات عامة، وإنما يستمد من قياسات بأجهزة وتحاليل متخصصة، بحسب «الدميرى»: «فالأسمنت مثلاً به نسبة من الإشعاعات التى تؤثر على الصحة والسلامة الخاصة بمستخدمى المبنى، وكذلك الدهانات والتشطيبات، ومن بينها دهانات البلاستيك الحديثة، التى قد تشع مواد كيميائية تؤثر على صحة الإنسان، هذا فضلاً عن السيراميك والبورسلين، وهناك أجهزة يمكن أن تقيس نسبة الإشعاع بالنسبة لهذه المواد فضلاً عن تحاليل كيميائية معينة».
ويمتد الأمر طبقاً لمدير معهد العمارة، لطبيعة الأثاث ودهاناته والإضاءة الموجودة داخل المنزل: «ممكن دهانات وتشطيبات الخشب نفسه والأبواب تكون لها تأثيرات صحية سلبية، وكذلك الأمر بالنسبة للإضاءة الصناعية الحديثة (الليد) التى ينتج عنها نسبة إشعاع أيضاً».
كذلك يأتى «التكييف المركزى» الذى أدت أساليب البناء السائدة فى العمارة الأسمنتية، جنباً إلى جنب مع زيادة درجات الحرارة، لزيادة انتشاره، وطبقاً لـ«الدميرى» فإنه: «لو ما اتعملوش صيانة للمعدات والفلاتر الخاصة به بصفة دورية، وهو ما لا يحدث لدينا، فإن ذلك يؤدى لتكون أنواع من البكتيريا وانتشار أمراض معينة، خاصة أنه يسحب الهواء الموجود فى الغرفة ويضخه مرة أخرى وهو ما يؤثر على صحة الإنسان على المدى الطويل، وقد لا يظهر بشكل لحظى.
ومن واقع تخصصه، يؤكد الدكتور طارق السكرى، مدير معهد بحوث الخامات وتكنولوجيا صناعة مواد البناء بمركز بحوث الإسكان والبناء، أن هناك مواد بناء ملوثة للبيئة بالفعل، ومؤثرة على صحة الإنسان بالسلب، قائلاً: «هناك شركات تُصنع مواد بناء مش مظبوطة، وشركات بتصنع وخلاص، وشركات أخرى زى الفل».
يستعيد «السكرى» تجربة مر بها من خلال عمله، عندما لجأت شركة بترول أمريكية لمركز بحوث الإسكان والبناء للبحث عن سبب إصابة موظفيها بالصداع وضعف قدراتهم الإنتاجية بالتالى، حينها توجه المركز بأجهزته وأخذ قياسات من الأرضيات والدهانات، إلى أن اتضح له أن هناك نسبة إشعاع قوية تخرج من الدهانات نتيجة لوجود عنصر «الرادون» المشع بها، وهو العنصر الذى يسبب صداعاً، وعلى المدى الطويل يمكن أن يؤدى للإصابة بسرطانات.
الجرعات التراكمية "مؤثرة"
ويضيف مدير المعهد الذى يعتمد فى عمله على تحليل مواد البناء بأجهزة قياس دقيقة وتحاليل كيميائية معينة: «هناك أنواع من السيراميك والبويات يمكن أن ينتج عنها نسبة ملوثات وإشعاع، وإذا كانت هذه النسبة فى حدود المسموح به، إلا أن هناك أيضاً شيئاً اسمه الجرعات التراكمية، بمعنى أن تراكم الجرعات البسيطة على مدار وقت طويل يمكن أن يُحدث أثراً ويؤدى لفشل فى الجسم»، حسب تعبيره.
"السكرى": أنواع من السيراميك والبويات يمكن أن تنتج عنها نسبة ملوثات وإشعاع
يتوسع «السكرى» فى توضيح الأمر قائلاً: «قد تكون نسبة الإشعاع الخارجة من بعض أنواع السيراميك ناتجة عن الفلسبرات أو الكلاى الذى يصنع منه، طبقاً للمصدر الذى اعتمدت عليه الشركات المصنعة، حتى الطوب الأحمر إذا تم استخدام أنواع غير سليمة من الطفلة به يمكن أن يصدر عنه إشعاعات بمرور الوقت».
وهناك مواد بناء أخرى، مثل الأسبستوس الذى كان يتم استعماله فى يوم من الأيام، وكشفت الدراسات أنه يؤدى إلى سرطانات وأصبح محظوراً استعماله».
ويشير مدير معهد الخامات فى هذا السياق إلى أن المعهد انتهى من عمل خريطة بأماكن مواد البناء الآمنة والصالحة للاستخدام فى كافة أنحاء مصر، تشير إلى أماكن الطفلة الجيدة الصالحة لصناعة الطوب الأحمر بدون آثار ضارة والتى لا يصدر منها نسبة إشعاعات كبيرة، ونفس الأمر بالنسبة لـ«الفلسبار» الذى يستخدم فى صناعة السيراميك، وغيره من مواد البناء، مشيراً فى الوقت نفسه إلى أنه حتى الآن لم يتم الاستفادة من هذه الخريطة.
وفى هذا السياق، يربط الدكتور محمود عبدالرازق، أستاذ تقييم أداء الطاقة فى المبانى وبحوث طبيعة المنشآت والعوامل البيئية المحيطة، بمعهد فيزيقيا المنشآت بمركز بحوث الإسكان والبناء، بين المبانى الأسمنتية السائدة، وبين مشكلة بيئية وصحية أخرى ألا وهى ارتفاع استهلاكات الطاقة، ومن ثم زيادة نسبة ثانى أكسيد الكربون الذى يدمر البيئة ويؤثر بالتالى على الصحة العامة.
"عبدالرازق": "التشطيبات الداخلية" يمكن أن ينتج عنها ثانى أكسيد الكربون وارتفاع نسبته يؤثر على الأنشطة ويؤدى للكسل
يقول «عبدالرازق»: «المشكلة الأساسية الآن أن هناك استهلاكات عالية للطاقة، وانبعاثات عالية جداً من ثانى أكسيد الكربون، زادت الأحمال الحرارية ودرجة حرارة كوكب الأرض، وهذا ما جعل العالم كله يتجه ناحية ترشيد وخفض استهلاك الطاقة، وبالتالى تخفيض انبعاثات ثانى أكسيد الكربون الناتجة عن محطات الطاقة ومن تصنيع مواد البناء ووجودها داخل المبنى الأمر الذى يؤثر على الصحة العامة بشكل أساسى».
يضيف «عبدالرازق»: «هناك شىء اسمه البصمة الكربونية لكل مادة بناء، وهى تعنى كم نسبة ثانى أكسيد الكربون التى تنتج عن هذه المادة بداية من استخراجها، ومروراً بتصنيعها»، وفى هذا السياق فقد أثبتت البحوث أن الخراسانات ينتج عنها أكبر نسبة انبعاثات لثانى أكسيد الكربون، سواء الذى يخرج منها مباشرة، أو الذى يحدث نتيجة لأنها موصل جيد للحرارة وبالتالى تزيد الأحمال الحرارية على المبنى وتؤدى لمزيد من الاعتماد على التكييف الذى يستهلك قدراً كبيراً من الطاقة.
يستعيد أستاذ طبيعة المنشآت، فى هذا السياق، دراسة أجراها عام 2012 عن «جودة البيئة الداخلية فى قاعة الطعام بمركز بحوث البناء والإسكان، باستخدام جهاز يقيس درجات الحرارة والرطوبة وأول وثانى أكسيد الكربون، ودرجة الندى، وذلك لمدة 48 ساعة، وذلك لرصد جودة الهواء داخل القاعة، حيث أثبت وجود انبعاثات لثانى أكسيد الكربون أثناء الليل، وفى ظل عدم وجود موظفين، وهو ما كان يعنى بالنسبة له أن «مصدره هو التشطيبات الداخلية»، مؤكداً فى الوقت نفسه أن ارتفاع نسبة ثانى أكسيد الكربون تؤثر على الأنشطة، وتؤدى للكسل، وهو أحد الأسباب وراء تراجع الإبداع ونسبة المبدعين، على حد قوله.
ويتفق «عبدالرازق» كذلك مع ما سبق وذكره «الدميرى» عن أن التكييف فى حد ذاته يعتبر أحد المؤثرات السلبية على الصحة، قائلاً: «الهواء اللى جاى من جهاز التكييف غالباً لا يحقق الشروط المنصوص عليها فيما يتعلق بنقاء الهواء، لأنه يعيد الهواء الموجود بالغرفة مرة أخرى، حيث تأخذ معظم أجهزة التكييف ومنها التكييف المركزى نسبة تتراوح بين 10 لـ15% هواءً جديداً فقط، والنسبة الباقية يعاد تدويرها، ولو أن أحداً من الموجودين داخل الغرفة مثلاً لديه «نزلة برد» مثلاً، فإن التكييف يأخذ الفيروس ويعيده للحجرة بما ينقل العدوى لآخرين، ولا يستطيع فلتر التكييف سوى الحيلولة دون «شوية أتربة» بينما لا يقى من الملوثات الرئيسية.
هنا يقارن أستاذ طبيعة المنشآت بين عمارة الأجداد الطينية القديمة والعمارة الأسمنتية الحديثة ودرجة الحرارة داخل كل منهما، قائلاً: «زمان لما كنا ندخل أى مبنى كنا بنحس براحة حرارية داخل المبنى، والإضاءة داخل المبنى متحققة، وتشعر براحة نفسية نتيجة إن المبنى كان من الطبيعة والطين، وكانوا يزيدون عرض الحيطة، بما يزيد المقاومة الحرارية للحائط ويمنع دخول الحرارة، هذا فضلاً عن أن مسطح الفتحات كان قليلاً، على عكس مسطح الفتحات المتسع فى المبانى الحديثة، والذى يزيد حرارة المبنى، ويؤدى بالتالى لمزيد من استخدام التكييف، وهو الأمر الذى زاد من استهلاكات الطاقة، ويعتبر أحد الأسباب الرئيسية التى أدت لزيادة الأحمال».
وينتهى «عبدالرازق» من ذلك إلى أن العمارة الأسمنتية كانت أحد الأسباب الرئيسية وراء زيادة نسب التلوث فى مصر، قائلاً: «إذا نظرنا لمؤشر استهلاكات الطاقة فى مصر من سنة 70 حتى الآن، ورأينا كم التضخم الذى حدث فى استهلاكاتها، فهذا معناه أننا نبنى محطات لإنتاج الطاقة، وهذه المحطات تخرج عنها انبعاثات ثانى أكسيد الكربون التى تلوث البيئة».
وبعبارات أخرى يقول: «إذا ما بنينا منزلاً بأساليب الجدود، وبنينا آخر بالأساليب الحديثة، سنجد أن المبنى المنشأ وفقاً للأساليب القديمة استهلاكه للطاقة 30% بينما المبنى الحديث استهلاكه 100%، وذلك نظراً لوجود مواد البناء الموصلة للحرارة المستخدمة فيه ومسطحات الزجاج الكبيرة، التى تزيد الأحمال الحرارية على المبنى».
وأمام هذه السلبيات والآثار البيئية والصحية الضارة للمبانى الحديثة ومواد البناء المستخدمة بها، يتحدث الخبراء عن عدد من الحلول من بينها ما يشير إليه الدكتور إبراهيم الدميرى، مدير معهد العمارة، عن ضرورة المزج بين أساليب العمارة القديمة التى تبناها وطورها المعمارى الراحل حسن فتحى، والعمارات الحديثة التى نضطر لبنائها بارتفاعات شاهقة أو بين التكنولوجيا الحديثة والتقنيات التقليدية، مثل الاعتماد على التهوية الطبيعية وملاقف الهواء وأن تكون الإضاءة طبيعية قدر الإمكان، بزيادة مساحات الزجاج، وعمل معالجات للزجاج بحيث لا يؤدى لدخول حرارة، أو عمل معالجات للواجهات، من خلال ما يعرف بـ«كاسرات الشمس».
وإلى جانب ما سبق يشير «الدميرى» إلى ضرورة الاعتماد على مواد التشطيبات الصديقة للبيئة التى تدخل عليها معالجات تقلل من نسبة المواد الضارة بها أو تزيلها تماماً، كالدهانات الصديقة للبيئة التى تستخدم فى أوروبا الآن، والتى بدأ الاعتماد عليها لدينا وإن كانت ما تزال محدودة، لافتاً إلى أن مركز بحوث الإسكان والبناء يُجرى بحوث الآن للتوصل لدهانات للأخشاب بدون آثار سلبية على صحة الإنسان.
ويشير الدكتور طارق السكرى، مدير معهد الخامات وتكنولوجيا صناعة مواد البناء، فى هذا السياق إلى «خريطة مواد البناء الآمنة والصالحة للاستخدام»، التى أعدها المعهد، التى تشير إلى أماكن مواد الخام الجيدة التى ليس لها آثار بيئية أو صحية ضارة، لاستخدامها، مشيراً فى الوقت نفسه إلى أنه حتى الآن لم يتم الاستفادة بها.
غير أن الحل الأكبر من وجهة نظر «السكرى» يتمثل فيما يسمى بـ«العمارة الخضراء»، الصديقة للبيئة بجميع أساسياتها وضوابطها، أو العمارة المبنية بالمواد الطبيعية على غرار تلك التى استخدمها الأجداد، والتى يوضح الدكتور السكرى أنها اتجاه ظهر فى العالم خلال الخمسين سنة الأخيرة، ولكنه زاد فى الآونة الأخيرة، وبدأت مصر مؤخراً اللحاق بقاطرته، بعد أن سبقتنا أوروبا كثيراً فى هذا المجال.
ويشير «السكرى» فى هذا المجال إلى أن هناك مواد صناعية صديقة للبيئة بدأ استخدامها مؤخراً، ومن بينها نوع معين من الزجاج باستخدام تكنولوجيا النانو، يسمح بدخول إضاءة، ولا يؤدى لدخول حرارة، وبدأنا نستخدم مواد من العمارة الخضراء، ومن ذلك تريند «الجيوبوليمر الجديد»، وهو بديل الأسمنت، وعلى عكس الأسمنت التقليدى المستخدم الآن، لا نستهلك طاقة لإنتاجه كما لا ينبعث عنه ثانى أكسيد كربون أو تلوث، وهو عبارة عن مواد جديدة بيئية يتم خلطها مع بعضها.
وإلى جانب ما سبق تأتى العمارة المبنية بالمواد الطبيعية التى كان المعمارى الراحل حسن فتحى رائدها، والتى يتمنى «السكرى» أن تصبح هى النمط المنتشر فى مصر الآن، قائلاً: «نتمنى بيوتنا تصبح مثل بيوت حسن فتحى، والبناء يكون بنفس المادة الطبيعية الموجودة فى البيئة، مع التوسع الأفقى. وعن التوسع الأفقى الذى يتناسب مع العمارة المبنية بالمواد الطبيعية يضيف «السكرى»: «التوسع الأفقى ممتاز، ففيه سيتم تعمير صحارى ورقعة صفراء كبيرة، كما أنه نمط أكثر جمالاً مقارنة بالعمارات والأبراج الشاهقة، تماماً كما هو الحال فى الولايات المتحدة الأمريكية»، مشيراً إلى أن هذا النمط ملائم للمدن الجديدة، ومحاور التنمية الجديدة.
الوفيات والتلوث
7.2 % نسبة مساهمة الأسمنت فى إجمالى التلوث.
90 % من الوفيات من أصل 7 ملايين حالة سنوية جراء التعرض للجسيمات الدقيقة فى الهواء الملوث.
52 % من الوفيات الناجمة عن الأمراض السارية بسبب تلوث الهواء
انبعاثات حرق الوقود فى أنشطة "النقل والزراعة والصناعة" أكبر ملوثات الهواء
"المنازل البيئية" ترحب براغبى الجمال: لا تحتاج إلى تكييف.. وتكلفة المنزل 85 ألف جنيه