في نهاية إحدى حواري المعز، يجلس متخذا من "الشارع وناسه" ورشة، وضوء الشمس مصباحا، يهدي يدين لم تكلّا من تشكيل النحاس على مدار عقود طويلة، بالرغم من استحداث ماكينات التشكيل والزخرفة إلا أنه لا يزال يجد في الشغل اليدوي عشقه الأول الذي يحكي التاريخ لكل مار.
"بشتغلها محبة كدة بقالي 45 سنة" يقولها محمد أبو فليك لـ"الوطن"، بعد أن قضى قرابة النصف قرن بين القطع النحاسية، يقضي 12 ساعة يوميا، يصفها بـ"نص اليوم عيني مبتشوفش غير نحاس وفضة"، وبالرغم من طول المدة التي قضاها بين الخامات نفسها إلا أن شغفه بكل منها يتجدد كل يوم فمع كل قطعة جديدة يحرص على إخراج شكل مختلف واستحداث تقنية جديدة في الزخرفة للحفاظ على عبارة "شغل عم محمد معروف" بين جميع رواد الورشة.
محمد معروف: 12 ساعة عيني مابتشوفش غير النحاس كل يوم
يأخذ قطعة النحاس مبهمة المعالم وبرفقتها صورة عليها الشكل المراد نقشه، ثم يبدأ بتجهيز أدواته من "البرجل" والخيوط ليمكنه ضبط المقاس بدقة لكل شكل هندسي فـ"السنتيمتر بيفرق"، فيسير بفنه في خطوات أولها النحت، ثم الرسم وإعداد مجاري عميقة لسكب الفضة فيها وصولا إلى التطعيم حيث يسكب كميات الفضة بدقة فتصبح متساوية، وبنهاية مراحل التشكيل والزخرفة يبدأ في تلميع قطعه النحاس وتنظيفها لتصبح جاهزة للعرض والبيع.
بالبرجل والخيوط.. يخرج من قطعة نحس تحفة
"بفرح لما السياح يشوفوا شغلي حتى لو مش هيشتروا"، فيروي عم محمد أنه يقاسم كل معجب بعمله شغفا تملكه منذ كان طفلا صغيرا عاشقا لهذا الفن فيحكي لهم تاريخ فنه الذي يعتبر مزيجا بين الفرعوني والإسلامي مع حفنة من العصرية التي يضفيها لتلائم أذواق الجيل الحالي.
وعلى النقيض من ولعه بحرفته، لا ينصح عم محمد أي شاب بالعمل في النحاس لما عاناه من ضعف بصره، كما لم يوفر له النحاس دخلا مرضيا، مبررا بأن شباب اليوم لا يملكون القدرة على المواصلة على عمل شيء معين يستنزف نصف يومهم ويتطلب طاقة ذهنية وبدنية، فهي "حرفة حلوة للي هاوي بس".
تعليقات الفيسبوك