القوى الناعمة على طريق الوعي.. ونقاد: "صلاح الدين" و"الممر" أثرا في وجدان المتلقى
أحد مشاهد فيلم «الممر»
من «مسرح القرية» مروراً بالسينما والدراما وصولاً إلى عروض الأوبرا، يظل الفن أقرب الطرق لتشكيل وعى المواطن والتأثير فيه، وظهر ذلك مؤخراً بعد عرض فيلم «الممر»، الذى نال قدراً كبيراً من الإشادات، بعد عرضه التليفزيونى الأول، تزامناً مع إحياء ذكرى انتصارات أكتوبر، إذ تفاعل الجمهور معه بشكلٍ ملحوظ، وظل مستحوذاً على «تريند» مواقع التواصل، لأيامٍ متواصلة، فقد عمل على تنشيط وإحياء ذاكرة الأجيال الجديدة بهذه النوعية من الأفلام، التى غاب إنتاجها لأكثر من عقدين، حيث يلعب الفن بأشكاله المُختلفة، دوراً بالغ الأهمية، فى تشكيل وعى المواطن، منذ مئات السنين، وبشكلٍ يؤثر على سلوكياته وآليات اتخاذه للقرارات، وكذلك طريقة تفكيره.
"عبدالشكور": العمل الفنى له تأثير قوى على الجمهور.. وإحدى نتائج مشاهدة الأعمال الدرامية المعرفة وزيادة الوعى
الناقد محمود عبدالشكور، قال إن الفن أقرب وأسهل الطرق لتشكيل وعى المواطن والتأثير فيه بمختلف أشكاله، سواء كان من خلال السينما أو الدراما أو عروض الأوبرا والمسرح، وأضاف لـ«الوطن»، أن أحد أهداف عرض الأفلام هو بث الوعى لدى الجماهير، خاصة أن الأجيال الجديدة معلوماتها غير كافية وتحتاج إلى نوع من التثقيف المُستمد من الأعمال الفنية، وما يحدث من محاولة إعادة بث الوعى ليس مُستحدثاً فهو موجود منذ وجود مسرح القرية وبداية الخطوات الأولى للأعمال السينمائية والدرامية على الشاشات.
وعن الأعمال التى أثرت فى المصريين ووعيهم إيجابياً، قال «عبدالشكور»، إن فيلمى «الناصر صلاح الدين» و«جميلة بوحيرد»، كان لهما تأثير كبير على وجدان المتلقى، إضافة إلى عدد آخر من الأعمال لا يزال تأثيرها موجوداً فى وعى الجمهور، فأى فيلم يؤثر فى وعى المشاهد حتى الأفلام الرديئة، ولكن الأخيرة يكون تأثيرها فى اتجاه آخر، وظهر ذلك أيضاً بصورة واضحة فى السينما الأمريكية، باعتبارها أكبر مؤثر فى الوعى العالمى للترويج لصورة أمريكا ومكانتها، وظهر ذلك بموجة من الأفلام أعقبت الحرب العالمية الثانية، فالفن كان له دافع كبير فى دخول الأمريكيين الحرب، وهذه الأفلام الأمريكية كانت مُدعمة من وزارة الدفاع، التى شاركت بالدعم التقنى والفنى، وتابع: «أى عمل فنى رسالته غير مباشرة يكون تأثيره أقوى بكثير من أى عمل آخر، وبعد فترة نكتشف ذلك بصورة واضح، وتظهر زيادة الوعى من خلال الأعمال الوطنية الحربية تحديداً، لأن من أهم أهدافها هو بث الوعى، وهذا ما حدث مؤخراً بعد عرض فيلم (الممر) على الفضائيات، فقد عمل على إثارة الوعى لدى الجماهير، وأثبت أن المشاهد بحاجة لمشاهدة تلك النوعية من الأفلام، وبالتالى باكورة الإنتاج فى الوقت الحالى اتسعت بشكل ملحوظ لتسع عدداً أكبر من نوعية الأعمال الفنية المختلفة، وفتح المجال لأفلام أخرى، فإن إحدى نتائج مشاهدة الفيلم هى المعرفة وزيادة الوعى، وهذا لا نعتبره الجانب الأساسى لأننا نشاهد وجبة درامية متكاملة تتضمن مشاهد اجتماعية، وإذا قدمنا الفن كما ينبغى أن يكون سوف تصل الرسالة الأساسية».
وطالب الناقد محمود قاسم، بضرورة توجيه الفن لتشكيل وعى المواطن والتأثير فيه، خاصة أن عدداً كبيراً من الأعمال الدرامية والسينمائية تسهم فى التأثير فى وجدان المتلقى، ولم يكن ذلك بالصورة الإيجابية فقط وأحياناً يتحقق بالصورة السلبية، لذا يجب على شركات الإنتاج أن تراعى المحتوى الذى تقدمه من خلال الشاشات، لأنه يؤثر بشكل مباشر على المشاهد، وعلى سبيل المثال بعد حدوث النكسة تفاعل أهل الفن مع الأحداث من خلال أعمال فنية تبُث روح المقاومة والوعى الوطنى لدى الجماهير، والأمر ذاته بعد انتصارات أكتوبر 1973، حيث أسهم الغناء فى الاحتفال بانتصارات أكتوبر، وأضاف «قاسم» أن الأعمال الفنية لها قيمة كبيرة فى تشكيل وعى المواطن، وهذا الأمر ممتد إلى البلاد العربية والأجنبية، فمن الممكن أن نتعرف على ثقافات الشعوب الأخرى من خلال فنهم، سواء كانت أعمالاً وطنية أو درامية واجتماعية وبصورة مخصصة كانت تلك الأعمال تقدم بعد الأحداث التاريخية الهامة فى مصر، سواء بعد حرب أكتوبر، أو بعد نكسة 67، إضافة إلى أعمال السير الذاتية التى اهتمت بتوضيح جوانب شخصية معينة، مثل جميلة بوحيرد والناصر صلاح الدين، وأغنيات أم كلثوم، وأفلام إسماعيل ياسين، وسعاد حسنى، فكل هذا ساعد فى تشكيل وعى الجماهير وزيادة معلوماتهم الشخصية عن تلك الشخصيات التى ما زالت عالقة فى أذهان الجميع، وأشار إلى أن الأمر لم يتوقف عند الأعمال المصرية، ولكن امتدت ساحته إلى هوليوود التى تعتبر أكبر مؤثر فى الوعى العالمى، والتى تشكل من خلال أعمالها وعى الجماهير سواء داخل أمريكا أو خارجها، ما أسهم فى تصدير صورة أن أمريكا لها هيبتها ومكانتها وسط الدول الأخرى، إضافة إلى الأعمال الفنية العربية سواء من خلال مجال الغناء أو المسرح أوالدراما، التى ظهرت بصورة واضحة من خلال الدراما التركية، التى نقلت ثقافة ووعى جماهيرها إلى البلاد الأخرى، وساعدت فى تشكيل وعى إيجابى واضح تجاه تلك البلاد من خلال أعمالهم. وترى الناقدة خيرية البشلاوى، أن الفن من أهم القوى الناعمة لتشكيل وعى المواطن، لذلك يمكن اعتباره سلاحاً ذا حدين، ومن الوارد استغلالها فى تشويه أفكار وسلوكيات المشاهد بطرق غير مباشرة: «بعض الدول عملت على ترسيخ فكرة وجود دولة مستقلة للكيان الصهيونى، من خلال الصورة السينمائية منذ مطلع القرن العشرين»، وقالت «البشلاوى» إن أفلام الفنان إسماعيل ياسين، وفيلم «بداية ونهاية» من أبرز الأعمال السينمائية التى ارتبط بها الجمهور وأسهمت فى تشكيل وعيه، لافتة إلى أن غالبية الأفلام التى خرجت على مدار العشرين عاماً الماضية ابتعدت عن فكرة الوعى والثقافة والانتماء، إلا أن الأمر بات يشهد اهتماماً مؤخراً، والدليل إنتاج فيلم مثل «الممر»: «نأمل فى إنتاج أعمال سينمائية ودرامية عن الشخصيات المؤثرة فى المجالات المختلفة، ورصد قصصهم للأجيال الجديدة، بشكل يسهم فى تطوير طرق التفكير وكذلك إمكانية اتخاذهم قدوة، وكذلك إنتاج أفلام عن حرب أكتوبر، وغيرها من الأحداث المهمة التى عاشتها مصر، وتعزيز روح الوطنية والانتماء».