"الوطن" في منزل منتحر السلام.. فصول من حياته لم تذع خلال البث المباشر
منزل المتوفي إسلام علي
في الطابق الثاني من بناية قديمه في شارع مساكن النيل، بحي السلام أول، كتبت نهاية الشاب إسلام علي، بعدما قرر يكتب الفصل الأخير من حياته وحيدا داخل غرفته مثلما عاش منعزلا عن عالمه طيلة 26 عاما؛ وليعلن قبل دقائق من كلمة النهاية رغبته في الانتحار بكلمات ممزوجه بمشاعر الحزن والاكتئاب: "الموت دلوقتي مش بيخوف، الدنيا دلوقتي بتخوف أكتر من الموت"، ويشهد الآلاف في بث مباشر عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" الدقائق الأخيرة في حياته دون أن تشفع تحركات جيرانه لإنقاذه من أن تفارق الروح الجسد.
إيقاع الدقائق السريعة والمتواترة والمتناقضة مع باقي فصول حياته لم يشعر بها أقرب الأقربين إليه، وهو شقيقه الذي كان يرقد نائما في الغرفة المجاورة لغرفته، دون دراية لما يحدث لـ"إسلام"، فلم يخبره بقراره أو يودعه كما فعل مع رواد التواصل الاجتماعي في آخر منشوراته التي قال فيها: "استودعكم الله وربنا يعلم أني بحبكم كلكم"، لتحل عليه الصدمة بعدما اقتحم أهل الشارع شقتهم في محاولتهم اليائسه للإنقاذ، ليحول استجوابه أمام جهات التحقيق في الواقعه التي هزت مصر، مساء أمس، دون لقائه ومعرفه الأسباب الحقيقية وراء انتحار أخيه، لتبقى شهادات شباب المنطقة وجيران الشقة تؤكد على الحياة النمطية الهادئة التي عاشها الفقيد.
طلال: "قعدنا ننادي على أخوه اللي كان نايم برة في الصالة.. ولما فتحلنا الباب قولناله أخوك شنق نفسه"
إدمان الشاب المنتحر الذي كشفته جهات التحقيق خلال الساعات الماضية، بأنه تناول مخدر "الاستروكس" قبل إقدامه على شنق نفسه، لم تؤكدها أو تنفيها شهادات أهالي المنطقة حول الشاب: "الناس بتقول إنه كان شارب ومات، بس لما طلعنا علشان ناخد الجثة ونوديها للمستشفي كان باين عليه أنه سليم 100%".. كلمات بدأها الشاب طلال أحمد، أحد جيران المتوفي أثناء وصفه لحالة المتوفى فور علمه بما حدث له، موضحا أن "علي" قد قام بربط "ملاية السرير" أعلى الغرفة ومن ثم قام بشنق نفسه دون علم شقيقة الأكبر "معتز": "قعدنا ننادي على أخوه اللي كان نايم برة في الصالة ولما فتحلنا الباب قولناله أخوك شنق نفسه وبعدين قصينا الملاية من فوق وخدناه وروحنا للمستشفي يمكن نلحقه".
باءت محاولات الشباب بالفشل في إنقاذ "علي" وذلك لصعود روحه إلى بارئها قبيل وصولهم إلى المستشفى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه: "مكنش يبان عليه إنه ممكن يعمل كده، وكان بيساعد الناس كلها، ومحدش أبدا لاحظ أنه كان بياخد مخدرات، وهو وأهله بيتمتعوا بسيرة طيبة بينا كلنا".
أم هاني: "اللي حصل مفاجأة لينا وأحنا منعرفش هو زعلان من إيه ولا حصله إيه"
"العيال محترمين وخدومين وعمرنا ما سمعنا عنهم إنهم بياخدوا مخدرات، وأمهم ست محترمة وكويسة وبتراعي أمها في حدائق القبة وبترجع لولادها تاني".. كلمات قالتها أم هاني، إحدى جارات القتيل لسنوات عديدة، أثناء قصها ما حدث لـ"علي"، تضيف أن ما حدث كان مفاجأة للجميع حيث إنه لم يعلم أحد سبب ما أقدم عليه من الأساس: "اللي حصل مفاجأة لينا وإحنا منعرفش هو زعلان من إيه ولا حصله إيه".
من جانبها، قالت أم سيد، إحدى جارات إسلام منذ 6 سنوات، إن المتوفي لم يكن يشكو من أي شيء قبل وفاته؛ حيث عملت والدته جاهدة على توفير فرصة عمل له بشرائها لـ"توك توك" حتى يعمل عليه، إلا أنه وبعد فترة ليست بالطويلة نجح في الالتحاق بأحدى شركات الاتصالات وعمل بها: "أمه جابتله توكتوك يشتغل عليه وبعد فترة باعه وراح اشتغل في أحدى شركات الاتصالات من شهرين، ومكنش بيعاني من مشكلات مادية أو غيره".
"أنا قابلته أمبارح الصبح وهو محترم وعمري ماشوفت منه أي سوء أدب، بس دايما كان بيقعد في مدخل العمارة مع نفسه أو في الشارع لوحده ومبيختلطش مع حد كتير".. كلمات أوضحت بها المرأة الثلاثينية الحالة النفسية لـ"علي" قبل إقدامه على الانتحار، تضيف: "هو شخصيته قوية ومسيطر في البيت عن أخوه الكبير، وواعي وفاهم، وفيه ناس بتقول إنه شارب بس إحنا مشوفناش منه حاجة تدل أنه بياخد مخدرات".
فيما قال حمو، أحد جيران المتوفى، إنه وفور رؤيتهم لما كتبه "علي" عبر صفحته الشخصية على موقع "فيس بوك" والفيديو المباشر هرع عدد من الموجودين بالمقهي لاستبيان حالته ولكن الوقت قد تأخر في الحيلوله دون وفاته مشنوقًا: "الشباب جم جري وكسرنا الباب بعد ما شوفنا على الفيس بوك علشان نلحقه بس كان الوقت اتأخر وتوفي".
يضيف حسين، أن "علي" كان يتمتع بشخصية انطوائية إلى حد ما؛ حيث أنه لم يكن ليختلط بالجيران كثيرا: "هو مالهوش صحبة؛ شوية قاعد هنا وشوية هنا؛ وأهله دلوقتي استلموا جثته من مشرحة زينهم وهيدفنوه والعزاء بالليل في المسجد جنب البيت".