بدءاً من إعلان القدس عاصمة إسرائيل، مروراً بضم هضبة الجولان السورى لإسرائيل وصولاً إلى الاعتراف بشرعية الاستيطان! هكذا تتجلى سياسة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب العدائية تجاه الفلسطينيين منذ توليه الرئاسة، لا يألو جهداً فى دعم إسرائيل وسياستها الاستعمارية الاستفزازية أينما حلت، لكن قرارات «ترامب» لا تعدو كونها خطوطاً عريضة تكشف عن عنصريته وتحيزه الأعمى لإسرائيل، حتى فى ظل وجود معارضة لسياساته داخل الكونجرس الأمريكى نفسه، وهو الذى يواجه قراراً بالعزل من منصبه على يد الديمقراطيين بعد اتهامه بممارسة ضغوط على أوكرانيا لفتح تحقيق فى ملف فساد طال شركة أوكرانية يعمل بها نجل جو بايدن، المرشح الديمقراطى المحتمل فى انتخابات 2020، للتأثير على سمعة «بايدن» وأسرته فى الانتخابات المرتقبة، فهل يأتى هذا الاعتراف فى سياق تقوية جبهته الداخلية بمساندة اللوبى الصهيونى، ودعمه ضد ما يواجهه من اتهامات؟
سارعت الأمم المتحدة إلى الإعلان بأن التغيير فى السياسة الأمريكية ليس له أى تأثير على الوضع القانونى للمستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، مؤكدة أن المستوطنات تنتهك القانون الدولى. وهذا فى حد ذاته يعطى مؤشراً إيجابياً على عدم قيمة الإعلان الأمريكى بشرعية المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية المحتلة، حيث يعيش غالبية المستوطنين الإسرائيليين فى مستوطنات تعتبرها المحاكم الإسرائيلية قانونية، ويتعارض قرار واشنطن مع موقف بقية دول العالم، كما أنه ينتهك قرارات مجلس الأمن التى تقضى بأن المستوطنات غير قانونية، لأنها مبنية على أراضٍ محتلة، وفى ذات الوقت ينفى عن الولايات المتحدة التفرد بالقرارات بحسب الأهواء والمصالح السياسية كيفما شاءت ومتى أرادت من منطلق استبدال القانون الدولى بقانون الغاب.
السلطة الفلسطينية دعت لانعقاد جلسة طارئة لجامعة الدول العربية لمناقشة القرار، فماذا ستفعل الجامعة العربية؟! وهل لديها القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة؟ وما أهمية انعقادها، ونحن نعرف مسبقاً بالنتائج التى ستخرج عنها والمحصورة بالشجب والإدانة؟! وهل ينجح رياض منصور، السفير الفلسطينى لدى الأمم المتحدة، الذى بدأ بالتشاور مع دول أخرى فى مجلس الأمن فى حشد موقف دولى موحد فى مواجهة الإعلان الأمريكى غير القانونى بشأن المستوطنات؟ فى الوقت الذى سارعت فيه حكومة إسرائيل اليمينية للاستفادة من دعم واشنطن للمستوطنات الإسرائيلية، رغم تنديد الفلسطينيين والزعماء العرب بهذه الخطوة بوصفها تهديداً لسيادة القانون الدولى، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو لم يضيّع وقتاً للاستفادة سياسياً من هذا الإعلان، خاصة أنه يواجه صعوبة للبقاء فى السلطة بعد جولتى انتخابات غير حاسمتين.
وإن كان هذا الإعلان ليس له تأثير يُذكر على الأرض بشكل فعلى، إذ إن بناء المستوطنات قائم بالفعل فى ظل الحكومة التى يقودها نتنياهو، مثلما كان الحال فى ظل الحكومات الإسرائيلية السابقة منذ احتلال المنطقة فى حرب عام 1967، إلا أن المستوطنات تعرّض هدف الفلسطينيين للخطر بإنشاء دولة فلسطينية فى الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية، ومن شأن قرار كهذا أن يدفع جحافل المستوطنين الإسرائيليين إلى ممارسة المزيد من العنف والوحشية ضد السكان الفلسطينيين، فهل يستطيع العرب مواجهة هذا القرار دون اللجوء إلى الشجب والاستنكار والإدانة؟ لا أعتقد ذلك وسط غياب الإرادة والفوضى التى تعيشها معظم الدول العربية، التى أثرت بشكل مباشر على مكانة القضية الفلسطينية ووضعتها فى ذيل قائمة الاهتمام العربى.