دينا عبدالفتاح تكتب: "الصناعة".. روشتة الحلول السريعة!
دينا عبدالفتاح
حققت مصر نمواً اقتصادياً ملحوظاً وتطوراً كبيراً فى أغلب المجالات، لكن ما زالت الصناعة المحلية تواصل نموها المحدود فى الاقتصاد المصرى، وتواجه الكثير من الصعوبات التى تؤثر بالسلب على تنافسيتها فى السوقين المحلية والأجنبية.
وما زالت الواردات تواصل زيادتها فى مصر، رغم تراجعها فى أغلب الأسواق الناشئة، وتتّسع مبيعاتها فى السوق المصرية على حساب الصناعة المحلية.
فى المقابل، تواجه الصادرات الصناعية الكثير من المشكلات، جانب منها يعود إلى السياسات الوقائية التى تتبعها الدول المختلفة لتعزيز تنافسية صناعاتها المحلية، بينما الجانب الآخر يعود إلى تكنولوجيا التصنيع المتأخرة فى مصر، ومدى قدرة الشركات على إنتاج سلعة بمواصفات عالية وبسعر تنافسى، فيما يعود جانب ثالث إلى تكلفة الإنتاج، ومدى توافر العمالة الماهرة فى مصر.
الأمر الذى دفع لزيادة محدودة قُدرت بنحو 10% تقريباً فى صادرات مصر الصناعية خلال عام 2018، ثم بدأت فى التراجع فى أول 9 أشهر من العام الحالى، لتسجل 19 مليار دولار تقريباً، وهذا الأمر يُشكل خطورة كبيرة، نتيجة تعثر الصناعة المصرية فى اختراق السوق العالمية، ومن ثم صب اهتمامها خلال الفترة المقبلة على السوق المحلية، التى ستجد منافسة كبيرة فيها من قبل الواردات العالمية.
الأوضاع الحالية للصناعة المحلية لا تتناسب مع الخطة التنموية الطموحة، التى وضعتها الحكومة خلال الفترة الماضية، والتى تستهدف فيها رفع معدل النمو الاقتصادى إلى 6% فى العام المالى 2019 - 2020، ثم إلى 7.2% فى العام المالى التالى.
ومن غير المنطقى أن تنمو الصناعة المحلية بأقل من معدلات نمو الاقتصاد، فى ظل أنها أكثر القطاعات الاقتصادية فى تحقيق القيمة المضافة، فقد سجل معدل النمو الصناعى فى مصر خلال العام الماضى 5% تقريباً، فى مقابل نمو اقتصادى بنحو 5.2%.
وأكدت تقارير دولية أن الصناعة هى المفتاح الأول للتنمية فى البلدان النامية والناشئة، وأنها الضمانة الأولى لاستدامة النمو المرتفع لفترات زمنية طويلة، باعتبار أن القطاع الصناعى أقل عرضة للتأثيرات السلبية الناجمة عن التقلبات الاقتصادية الدولية والمحلية، مقارنة بالكثير من القطاعات، مثل السياحة والنفط والتجارة.
هذا الوضع يفرض علينا وضع خطة سريعة للمعالجة، وتحسين أوضاع الصناعة المحلية على كل المستويات، بهدف تقييد الخسائر التى تلحق بالاقتصاد، نتيجة تأخر الصناعة المحلية، وعدم استغلال الفرص المختلفة، التى توافرت لتنميتها خلال الفترة الماضية.
ويبدو أن الحكومة والبنك المركزى المصرى يدركان مدى خطورة الوضع الحالى، لذا أطلقا عدة مبادرات لدعم تمويل النشاط الصناعى بمعدلات فائدة منخفضة، وتعزيز قدرة المصانع المتعثّرة على العودة للتشغيل، وبالتالى قد تكون تلك المبادرات بمثابة حلول مناسبة لمشكلة التمويل وارتفاع تكلفته نسبياً، نتيجة ارتفاع الفائدة فى مصر، لكن تبقى هناك محاور أخرى لا بد أن تتم مراجعتها، حتى ننتقل من النمو المتباطئ الحالى للصناعة، إلى نمو سريع يقود الاقتصاد ككل إلى الأمام.
ويتمثل المحور الأول من هذه المحاور فى ضرورة مراجعة عناصر التكلفة الإنتاجية للصناعة المحلية، من أسعار أرض، وأسعار طاقة، ورسوم ترخيص وتشغيل، وأسعار المواد الخام، حسب طبيعة كل صناعة، وتقييد أى زيادة فى هذه التكاليف مستقبلاً، بما سيترتب عليه مزيد من التراجع للصناعة المحلية، كما ينبغى أن يتم وضع سيناريوهات لتخفيض تكلفة التصنيع وتمكين الشركات من وضع سعر تنافسى لمنتجاتها، يغطى التكلفة من ناحية، ويضمن تحقيق هامش ربح مناسب من ناحية أخرى.
المحور الثانى؛ أن يتم دراسة وضع السوق المحلية بشكل جيد، وهيكل وارداتها، وتحليل السلع الوطنية المهدّدة من النمو المطرد للواردات، واستهداف بنود الواردات التى يتم استخلاصها بالسياسات الوقائية المختلفة، على نحو لا يضر بالمستهلك المصرى، ولا يمكن الشركات المحلية من رفع الأسعار بشكل غير مبرر، ولا يتعارض كذلك مع السياسات الدولية، التى تلتزم بها مصر فى اتفاقياتها المختلفة.
المحور الثالث؛ أن يتم تعزيز نفاذية الصادرات المصرية للأسواق المختلفة، حتى نمكن الشركات الصناعية المحلية من الانتقال من السوق المحلية الضيقة إلى السوق العالمية المتسعة بالمستهلكين، وينبغى أن يتم التركيز فى هذا المحور على عدد من الإجراءات التى يتصدّرها توفير المعلومات للمصدرين المصريين حول الأسواق المختلفة وإجراءات التصدير إليها، واتجاهات الطلب فى كل منها، وتفضيلات المستهلكين فيها، يأتى هذا بالإضافة إلى ضرورة انتظام صرف الحكومة للمساندة التصديرية، وزيادتها بقدر المستطاع، واتخاذها كآلية مباشرة لصناعة مصدّرين جدد، من الشركات الصناعية العاملة فى السوق المحلية، فضلاً عن تعزيز صادرات المصدرين الحاليين.
هذه الإجراءات أصبحت بمثابة مطلب رئيسى للمرحلة الحالية ولا تحتمل التأجيل أو الدراسة الطويلة، خاصة أن الأوضاع العالمية تنتقل من صعب إلى أصعب، بينما تنفذ مصر خطة تنموية واضحة تحتاج فيها إلى كل دولار يتولد عن تصدير منتج معين أو يتم توفيره عن طريق إحلال المنتج المحلى محل الأجنبى.