«امتلكت الجرأة للاعتراف بأنها ما زالت تحبه، أما هو فلم يمتلك الجرأة للاعتراف بأنه لم يعد يهواها».
قالها ثم نظر إليها مبتسماً:
تفتكرى كان لازم يعترف لها بأنه «لم يعد يهواها»؟
أربكها السؤال الذى لم تتوقعه، وحاولت عبثاً البحث عن إجابة فلم تتمكن حتى من تحريك شفتيها.
- إيه.. مابترديش ليه؟
- لا أبداً.. بس....
- بس إيه... بسألك كان المفروض يقول لها؟
- الحقيقة كان لازم يقول لها... المفروض اللى يحب حد لازم يعترف له، وطبعاً اللى يوصل لمرحلة إنه ما بقاش يحب حد لازم يبلغه.
- انتى بريئة قوى يا...صمت قليلاً وكأنه يحاول تذكر اسمها.
- حياة يا فندم، هو حضرتك نسيت اسمى ولا إيه!
قالتها وهى تحاول إخفاء ارتباكها بابتسامة مصطنعة.
- لا طبعاً، فاكر اسمك كويس يا حياة.
- على العموم كفاية كده النهارده...انتى هتروّحى ولا هتباتى هنا؟
- الوقت اتأخر، متهيألى أبات هنا النهارده وبكرة الصبح بعد إذنك أروّح لو حضرتك مش محتاجنى.
- لا مفيش مشكلة... أنا آسف إنى أخرتك فى الويك إند، تصبحى على خير.
- وحضرتك من أهل الخير.
دخلت حجرتها وهى تحتضن اللاب توب. كانت شاردة الذهن تفكر فيما كتبت، وفى الحوار الذى دار بينها وبين العجوز، وفى سؤاله المباغت لها ووصفها بأنها بريئة.
وضعت جهاز اللاب توب على المكتب، وبدأت فى تغيير ملابسها وهى تنظر لنفسها فى المرآة.
اعتادت أن ترتدى بيجاما أقرب للزى الرجالى منها إلى ملابس النساء أثناء إقامتها فى منزل العجوز، ثم تعودت على الأمر وأصبحت لا ترتدى قمصان النوم النسائية، لا فى منزل العجوز ولا فى منزلها.
فى هذه الليلة استغربت شكلها فى البيجاما، وحين وضعت رأسها على المخدة وجدت نفسها تنظر إلى الجانب الآخر وكأنها تبحث عن رجل يؤنس وحدتها.
لم يدم زواجها طويلاً، كان زوجها رجل أعمال شاباً ووسيماً، التقته فى أحد المؤتمرات الاقتصادية، حيث كانت تقوم بالترجمة الفورية.
غازلها بطريقة فاضحة، فنهرته بجرأة ولقنته درساً فى كيفية التعامل مع النساء.
بعدها بأسبوع تلقت تكليفاً من الشركة التى كانت تعمل لصالحها للقيام بالترجمة فى اجتماع مهم يضم رجال أعمال مصريين وأجانب.
فى الموعد المحدد للاجتماع وجدت نفسها فى مكتبه.
مد يده لمصافحتها، فترددت قليلاً قبل أن تمد يدها.
صافحها ثم قبّل يدها برفق وقال:
- أرجو أن تقبلى اعتذارى عن سوء التفاهم اللى حصل بيننا الأسبوع اللى فات.
- لا أبداً حصل خير...حضرتك عاكستنى بطريقة سخيفة وأنا رديت عليك بطريقة محترمة، وانتهى الموضوع.
- يعنى لو كنت عاكستك بطريقة محترمة ماكنتيش هتزعلى؟
- من فضلك الموضوع انتهى، وأنا جاية هنا فى شغل يا ريت نتكلم فى الشغل.. ها الاجتماع هيبدأ إمتى؟!
- الحقيقة مفيش اجتماع، أنا طلبت من الشركة إنك تشرفينى هنا بس عشان أقابلك وأعتذر لك، ونتكلم شوية مع بعض.
- بس الحقيقة أنا جاية هنا فى شغل وماعنديش استعداد اتكلم مع حد ماعرفهوش، على العموم اعتذار حضرتك مقبول، وانا هبلغ شركتى إن مفيش اجتماع ولا حاجة.
قالتها وهى تهم بمغادرة المكتب، فأمسك بيدها قائلاً: أرجوك أنا بجد معجب بيكى وعايز اتعرف عليكى أكتر وهكون سعيد لو قعدتى. ربع ساعة مش أكتر، ولو ماعجبكيش كلامى تقدرى تمشى.
كان ما زال ممسكاً بيدها، فرمقته بنظرة أربكته.
فقال: أنا آسف، اتفضلى اقعدى بقى، مش هنتلكم واحنا واقفين.
امتدت هذه الجلسة لأكثر من ساعتين، ثم امتدت لمأدبة غداء فى واحد من أفخم المطاعم المطلة على النيل.
بعدها بشهر تزوجا وأمضيا شهر عسل طويل تجولا خلاله فى عدة بلدان أوروبية.
ومثلما كان الزواج سريعاً جاء الطلاق سريعاً لأنه كما أخبرها بعد لقاء حميم.. لم يعد قادراً على الاستمرار معها.
كان كريماً معها لأبعد حد، فكتب باسمها الفيلا التى أمضيا فيها فترة زواجهما القصيرة، والسيارة التى اختارتها لنفسها بعد عودتهما من شهر العسل، ووضع فى حسابها مليون جنيه، هذا بخلاف الهدايا الثمينة التى أهداها إياها.
حمدت الله لأنهما لم ينجبا، لكنها بقيت لأكثر من عام فى حالة حزن، فقد أحبته وعاشت معه أسعد لحظات حياتها.
كان أكثر ما يؤرقها هو الطلاق المفاجئ، رغم أنهما كانا فى غاية الانسجام أو هكذا كانت تظن، وبقى رغم الطلاق حاضراً فى تفاصيل حياتها.
حين قرأت خبر زواجه فى الصحف فقدت الأمل فى إمكانية أن يعود إليها.
فى تلك الليلة استرجعت ذكرياتها معه وهى تردد: «امتلكت الجرأة للاعتراف بأنها ما زالت تحبه، أما هو فلم يمتلك الجرأة للاعتراف بأنه لم يعد يهواها».