بعد إقرار البرلمان التركى إرسال قوات لدعم «الوفاق» فى ليبيا، والكشف عن إرسال الأتراك مرتزقة سوريين هناك، دعا الرئيس التركى، فى بيان له مع الرئيس الروسى، إلى ضرورة وقف إطلاق النار الفورى فى ليبيا، وجلوس الفرقاء على طاولة المفاوضات.
تصريحات أردوغان هذه لافتة، خصوصاً أنها تأتى بعد فترة وجيزة من إقرار إرسال قواته إلى ليبيا، فهل اكتشف أردوغان فجأة أنه ليس بمقدور قواته فعل الكثير، بحكم الجغرافيا والإمكانيات؟ أم أن أردوغان، وقبله الوفاق، وجدا أن الواقع على الأرض عسكرياً بات ليس بمصلحتهم؟ أم أن أردوغان صُدم بالرفض الأوروبى للتدخل التركى، ويخشى عواقبه؟ أم أن أردوغان صُدم بتصريحات الرئيس الروسى الرافضة لإرسال مرتزقة سوريين إلى ليبيا؟
أسئلة مشروعة، لكن يبقى السؤال الأهم هنا، وهو: هل كان تدخل أردوغان فى ليبيا أصلاً خدعة؟ بمعنى أن الرئيس التركى تدخل عندما شعر بضعف موقف «الوفاق» على الأرض، وبالتالى أراد من تدخله هذا أن يضمن لتركيا مقعداً على أى طاولة مفاوضات مستقبلية حول ليبيا برعاية دولية، أوروبية كانت أو روسية، ليضمن أن تكون لأنقرة كلمة بمستقبل ليبيا؟ فعل أردوغان ذلك تقريباً عندما شنت قواته ما عُرف بـ«نبع السلام» بحجة خلق مناطق آمنة، وخلافه من الشعارات، التى لم نرَ لها أثراً يُذكر غير جلوس أردوغان على كرسى الحوارات الخاصة بسوريا مع الروس والإيرانيين، والأمريكيين بالطبع.
وعليه فيبدو أن تدخل أردوغان مؤخراً فى ليبيا هدفه ضمان كرسى على طاولة مفاوضات ليبية، ومحاولة لشرعنة نفوذه فى ليبيا المستقبل.
ولذا فإن البيان المصرى الصادر حول ليبيا، قبل أمس الأول، كان مهماً، ومكتوباً بدقة، حيث «أعلنت مصر ترحيبها بوقف إطلاق النار»، مؤكدة «دعمها لحل شامل يحفظ أمن ليبيا وأمن دول جوارها ودول حوض البحر المتوسط، ويحفظ وحدة ليبيا وسلامة أراضيها». كما شددت مصر على «ضرورة الاستمرار فى مكافحة التيارات المتطرفة على الساحة الليبية، وأهمية إبداء الحزم اللازم فى التعامل مع كل تدخل خارجى يُقدم الدعم لتلك التيارات، ويرسل الميليشيات الأجنبية إلى الأراضى الليبية، مذكرة بأن نجاح العملية السياسية يقتضى الالتزام بما تم التوافق عليه من ضرورة تفكيك الميليشيات بالتوازى مع وقف إطلاق النار، وهو الأمر الذى ستحرص مصر على تأمينه بالتعاون مع الشركاء، لا سيما أنه يحقق مصالح جميع الأطراف على الساحة الدولية». ويختم البيان المصرى مؤكداً «أهمية احترام دور مجلس النواب ضمن اتفاق الصخيرات، ومسئولية الجيش الوطنى فى حماية أمن ليبيا وتحقيق استقرارها».
وعليه فالأقرب أننا أمام خدعة أردوغانية جديدة، ولذا فإن هذا البيان المصرى يستحق أن يكون بياناً عربياً، لأنه يدعم استقرار ليبيا، ويقطع الطريق على أردوغان الذى يريد لعب دور فى مستقبل ليبيا، التى كان على أردوغان احترام سيادتها، والتعامل مع طرابلس عبر القنوات الدبلوماسية، وليس عبر طرق التهريب، والاكتفاء بإرسال سفير، بدلاً من إرسال المرتزقة!