فى الثالث من يناير هذا العام، قتلت القوات الأمريكية قائد فيلق القدس والميليشيات الإيرانية، قاسم سليمانى، وبعد أربعة أيام من مقتله زار الرئيس الروسى دمشق! وهى زيارة مفاجئة، فى توقيتها، ومؤشراتها.
مفاجئة كونها جاءت بعد مقتل «سليمانى»، ولافتة لأن «بوتين» التقى «الأسد» فى مقر القيادة الروسية، وليس فى القصر. وعن الزيارة، يقول ديفيد ليش، الخبير بالشئون السورية، لـ«رويترز»: «أعتقد أن بوتين هناك لتعزيز وضع روسيا فى سوريا، ولدى الرئيس السورى بشار الأسد شخصياً، خاصة بعد أن أصاب الضعف وضع إيران، لأن (سليمانى) كان بمثابة إيران فى سوريا». ويقول لى مصدر مطلع على الأوضاع فى سوريا، وطريقة تفكير حلفاء «الأسد» بالمنطقة، إن توقيت الزيارة: «رسالة إلى إيران بأن (الأسد) خارج معادلة الرد، وتثبيت لـ(الأسد) بمواجهة الضغط الإيرانى، وتطمين للإسرائيليين بأن الأمر تحت السيطرة فى الجبهة السورية، ورسالة إلى أمريكا بأننى أملك قرار (الأسد)». وهذا تحليل منطقى، ومقبول، حتى لدى بعض حلفاء «الأسد» فى لبنان، والتابعين لإيران، لأن مصادرى تشير إلى «صمت مطبق» بين حلفاء «الأسد»، المحسوبين على إيران، فى لبنان. صحيح أن زيارة «بوتين» إلى دمشق كانت مقتضبة، واشتملت على زيارة مقر القوات الروسية، وجولة فى دمشق، إلا أنها أيضاً انطوت على موقف التقطته جل وسائل الإعلام على أنه «مزاح» بين «بوتين والأسد»، دون الخوض فى تفاصيله، فهل هناك وقت للمزاح فى سوريا؟
القصة كالتالى: نقلت وكالة «تاس» الروسية أنه خلال زيارة «بوتين» إلى سوريا، تحدث «الأسد» عن الرسول بولس، وقصة الاهتداء على طريق دمشق. وقال «الأسد» لـ«بوتين» مازحاً: «إذا سافر (ترامب) إلى هذا الطريق، فسيكون على ما يرام»، حينها قال له «بوتين»: ادعُ «ترامب»، مضيفاً أن الرئيس الأمريكى «سيتعامل مع ذلك»، ثم قال «بوتين»: «ادعوه وسيأتى». على أثر ذلك أعرب «الأسد» عن استعداده لدعوة «ترامب»، فقال «بوتين»: «سأبلغه بذلك»! وربما يقال إنها مزحة لا تحتمل أكثر من ذلك، أو كما قالت بعض وسائل الإعلام إنها واحدة من المزحات التى يواجهها «ترامب» من قادة مختلفين، لكن علينا أن نتذكر هنا ما عُرف بـ«زلة لسان كيرى» بعد أن رسم «أوباما» الخطوط الحمراء لـ«الأسد» فى حال استخدم الأسلحة الكيماوية ضد السوريين. وبعدما ارتكب «الأسد» جريمته بالفعل، وكان على «أوباما» التصرف، حينها سُئل وزير خارجيته جون كيرى إذا ما كان بمقدور نظام الأسد فعل شىء لتجنب الضربة العسكرية؟ فقال «كيرى» إن على «الأسد» تسليم أسلحته الكيماوية بظرف أسبوع، وبعدها لن يكون هناك حديث عن أى ضربة عسكرية، لكن هذا مستحيل، حسب «كيرى»! وعلى الفور، وقتها، التقطت موسكو حديث «كيرى»، وتحولت «الزلة» إلى المبادرة الروسية التى أنقذت «الأسد» حينها، وأدت إلى تدخل روسى بعدها قلب الموازين فى سوريا. فهل نحن الآن أمام «طريق دمشق» سياسى جديد؟ أم هى مجرد محاولات روسية؟ فلا أعتقد أن هناك وقتاً للمزاح فى سوريا، خصوصاً مع «بوتين»، وفى ظل الأحداث المتلاحقة والمتصاعدة منذ مقتل «سليمانى».