منازعات الوزارات.. دعاوى لتحصيل "ملاليم"
مجلس الدولة
«ألف مُكاتبة يا عويجة أفندى فى 6 آلاف إمضا بـ500 يوم عمل علشان تحصل 44 مليم».. مشهد «الشنكل» الشهير للراحلين فؤاد المهندس وحسن مصطفى، فى فيلم «أرض النفاق» 1968، تتكرر أحداثه فى دواوين محاكم مجلس الدولة، التى تنظر دعاوى منازعات بين الهيئات الحكومية على مدار سنوات طويلة، بسبب تحصيل أموال زهيدة ربما لا تكفى ثمن الحبر الذى تكتب به الدعاوى القانونية.
محافظ الشرقية لجأ للقضاء لاستعادة 120 جنيهاً من مواطن بعد 30 سنة، وهيئة النظافة والتجميل اختصمت بنك ناصر بسبب إتلاف 4 شجرات أمام البنك، ونزاع ثالث استمر 5 سنوات بين وزارة المالية وهيئة البريد، لتحصيل ضرائب 528 جنيهاً، وغيرها كثير من النزاعات التى كانت سبباً فى تكدس المحاكم ولجان الفتوى والتشريع بها، مما أرهق الجهات القضائية، خاصة أن هذه النزاعات قد تأخذ سنوات للفصل فيها.
ميناء الإسكندرية يختصم "السكة الحديد" بسبب "2 متر طوب" و"الداخلية" من أجل "7 أشجار"
ترصد «الوطن» أبرز تلك النزاعات، وتحاول من خلال طرح القضية على خبراء القانون أن تجد حلولاً تضمن عدم إهدار حق المواطنين والجهات الحكومية فى اللجوء للقضاء باعتباره حقاً كفله الدستور، وفى ذات الوقت إيجاد وسيلة لإنهاء هذه النزاعات على وجه السرعة، دون إهدار وقت المحاكم.
قضايا بالجملة ترهق "مجلس الدولة".. والقضاة: أقل من قيمة الحبر
فى أروقة محاكم مجلس الدولة، العديد من الوقائع الغريبة التى تكشف عن نزاعات بين الوزارات وبعضها البعض أو بين الوزارات والأفراد، على مبالغ زهيدة، تظل لسنوات حتى يتم الفصل فيها.
محافظ الشرقية يسترد 120 جنيهاً بعد 30 عاماً
ورصدت «الوطن» نماذج للأحكام والفتاوى الصادرة من مجلس الدولة، منها لجوء محافظ الشرقية لمقاضاة أحد المواطنين وإلزامه بدفع 120 جنيهاً، عبارة عن قرض حصل عليه عام 1988، وتم تداول القضية فى المحاكم لسنوات، لتنتهى بالحكم برفض القضية.
ثم أصرت المحافظة على استكمال طرق التقاضى، للحصول على هذا المبلغ التافه، وفقاً لنص الحكم، بأن أقامت طعناً أمام المحكمة الإدارية العليا لإلزام المواطن برد المبلغ المذكور.
وطالبت المحافظة فى دعواها بإلزام المواطن المطعون ضده برد 120 جنيهاً، لكن المحكمة الإدارية العليا فى فبراير ٢٠١٨ قضت برئاسة المستشار أحمد منصور نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين ناصر رضا عبدالقادر والدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائبى رئيس المجلس، برفض الطعن المقام من محافظ الشرقية.
رفض طعن أقامه محافظ شمال سيناء بمبلغ 124 جنيهاً
لم يكن هذا هو الحكم الوحيد، فقد أصدرت المحكمة حكماً مماثلاً، برفض طعن آخر أقامه محافظ شمال سيناء ضد أحد المواطنين لمطالبته بمبلغ 124 جنيهاً. وأكدت المحكمة فى حكمها على أنه لا يجوز اتخاذ ظاهر القواعد القانونية ستاراً غير عاقل لتحقيق مصالح قليلة القيمة، وأنه لا يليق بأن تستهلك المحافظة وقت الدولة الثمين لاسترداد مبلغ تافه 120 جنيهاً وأمامها مسئوليات لحل مشكلات المواطنين، لمواجهة تحديات العصر، وأن فكرة إساءة استعمال الحق ليست من دواعى الشفقة، وإنما لاعتبارات العدالة والتوازن بين الحق والواجب، وأن مطالبة المحافظة لمواطن بـ120 جنيهاً غير جدير بالعرض على أعلى محكمة بالبلاد.
ولم تهدر المحكمة حق الدولة فى استرداد حقها، ولكنها أوضحت وفقاً لحيثياتها «أنه من المقرر أن حق الالتجاء إلى القضاء وإن كان من الحقوق العامة التى تثبت للكافة، إلا أنه لا يسوغ لمن يباشر هذا الحق الانحراف به عما شرع له إذا كانت المصالح التى يرمى إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها، كما أنه لا يجب على المحافظين والمسئولين إهدار وقت المحكمة فى أمور أقل قيمة من الحبر الذى كتبت به، فهناك مهام كبيرة تقع على عائق المحافظات لا بد من الالتفات لها»، وذلك وفقاً لما ذكرته فى الحيثيات نصاً.
هيئة النظافة تختصم بنك ناصر بسبب 4 شجرات
أما فيما يخص قسم الفتوى والتشريع فقد كان مليئاً بالعديد من المنازعات بين الهيئات والوزارات على مبالغ ضئيلة تارة أو أشجار أو حتى جدران، ومن بين هذه الفتاوى، فتوى تتعلق بنزاع بين كل من هيئة نظافة وتجميل القاهرة، وبنك ناصر، حول من المتسبب فى تقليم 4 أشجار أمام بنك ناصر ملك للهيئة العامة لنظافة وتجميل القاهرة، ووصل النزاع إلى لجنة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، حيث طالبت الهيئة العامة للنظافة والتجميل، البنك بسداد مبلغ 2000 جنيه نظير إتلاف 4 شجرات من نوع «فيكس» أمام البنك فقررت لجنة الفتوى إعفاء بنك ناصر من سداد هذه المبالغ استناداً إلى عدم إثبات هيئة التجميل أن البنك هو المتسبب فى إتلاف هذه الأشجار.
بدأ النزاع القضائى مع اتهام الهيئة للبنك بتقليم 4 أشجار أمام مقره بطريقة جائرة، ما اعتبرته الهيئة إتلافاً للأشجار، فلجأت إلى ساحات القضاء لتحصل على تعويض من البنك بقيمة 2000 جنيه، وبعد عامين من تداول القضية فى المحاكم، حسم مجلس الدولة الأمر لصالح البنك، ورفض الدعوى المطالبة بالتعويض نظراً لعدم قدرة الهيئة على إثبات أن البنك هو المتسبب فى هذا التقليم.
المحكمة: لا يليق بالجهة الحكومية استهلاك وقت الدولة الثمين لاسترداد مبلغ تافه
وتعود تفاصيل القضية إلى محضر حررته هيئة تجميل ونظافة القاهرة برقم 837 لسنة 2017 جنح حلوان، ضد مدير بنك ناصر الاجتماعى، حيث اتهمته بتقليم 4 أشجار «فيكس» مملوكة لها، وقدّرت الجهة الفنية التلفيات التى لحقت بممتلكات الهيئة بـ2000 جنيه، وفى 15 فبراير 2017، طلبت من البنك دفع قيمة التلفيات، لكن الأخير لم يحرك ساكناً، فوجهت الهيئة إنذاراً رسمياً على يد محضر للخصم، لكن البنك أصر على رفضه دفع المبلغ محل النزاع.
كما فصلت الجمعية فى نزاع استمر ما يقرب من 5 سنوات بين وزارة الداخلية والهيئة العامة لميناء الإسكندرية على مبلغ 5 آلاف جنيه قيمة التلفيات التى سببتها إحدى السيارات التابعة لوزارة الداخلية والتى تمثلت فى إتلاف «5 أشجار جردينيا» و«شجرتين سيكاس» داخل المنطقة الرابعة بالميناء وذلك خلال عام 2013، وطالبت الهيئة وزارة الداخلية بقيمة التلفيات المذكورة آنفاً إلا أن الوزارة لم يتحرك لها ساكن مما حدا بها لعرض النزاع على الجمعية.
وبعرض الأمر على الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، ألزمت الجمعية وزارة الداخلية بسداد مبلغ 5434 جنيهاً قيمة التلفيات التى تسببت فيها السيارة التابعة للوزارة، باعتبارها صاحبة السيطرة الفعلية عليها وقت الحادث، ولم يثبت من الأوراق أن ثمة سبباً أجنبياً أدى إلى ذلك، مستندة فى ذلك إلى نص المادة (174) من القانون المدنى والتى تضمنت أن «يكون المتبوع مسئولاً عن الضرر الذى يحدثه تابعه بعمله غير المشروع، متى كان واقعاً منه حال تأدية وظيفته أو بسببها، كما تقوم رابطة التبعية، ولو لم يكن المتبوع حراً فى اختيار تابعه، كما أن الوزارة لم تقم أى دليل على خلاف ذلك، ومن ثم تضحى الوزارة مسئولة عن تعويض الهيئة الطالبة عن الضرر الذى لحق بها، مما يقتضى إلزام الوزارة بسداد قيمة إصلاح التلفيات المذكورة آنفاً مضافاً إليها قيمة الضريبة العامة على المبيعات.
واقعة أخرى تتعلق بنزاع على 2 متر مربع من الطوب المتداخل، حيث ألزمت الجمعية العمومية برئاسة المستشار يسرى الشيخ النائب الأول لرئيس مجلس الدولة الهيئة القومية لسكك حديد مصر أداء مبلغ مقداره 612 جنيهاً و7 قروش إلى الهيئة العامة لميناء الإسكندرية، مقابل التلفيات التى سببها القطار رقم 3900 على مساحة 2 متر مربع من الطوب المتداخل أثناء سيره بالمنطقة الرابعة بالهيئة العامة لميناء الإسكندرية.
الفتوى استندت إلى نص المادة 178 من القانون المدنى: «كل من تولى حراسة أشياء تتطلب حراستها عناية خاصة أو حراسة آلات ميكانيكية يكون مسئولاً عما تحدثه هذه الأشياء من ضرر، ما لم يثبت أن وقوع الضرر كان بسبب أجنبى لا يد له فيه».
وترجع وقائع النزاع إلى 3 مارس 2016 حيث تسبب القطار رقم 3900 فى إتلاف 2 متر مربع من الطوب المتداخل أثناء سيره بالمنطقة الرابعة بالهيئة العامة لميناء الإسكندرية، وتحرر عن الواقعة محضر الشرطة رقم 686 لسنة 2016 إدارى الميناء، حيث إن القطار المتسبب فى إحداث تلك التلفيات فى حراسة الهيئة القومية لسكك حديد مصر، باعتبارها صاحبة السيطرة الفعلية عليه وقت الحادث.
كما أن الهيئة العامة لسكك حديد مصر قعدت عن إقامة الدليل على الحادث بسبب أجنبى، ومن ثم تكون مسئولة عن تعويض الهيئة الطالبة عن الضرر الذى لحق بها، وتلتزم بسداد قيمة إصلاح التلفيات، والتى قُدّرت بالمبلغ المشار إليه، مضافاً إليه قيمة الضريبة العامة على المبيعات دون ما زاد على ذلك من مصروفات إدارية، أو مصروفات أخرى تخرج عن التكلفة الفعلية لإصلاح التلفيات التى تسبب فى إحداثها القطار التابع لهيئة سكك حديد مصر.
أما آخر تلك الوقائع فكان نزاعاً بين وزارة المالية وهيئة البريد، حيث فصلت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع فى نزاع استمر ما يقارب 5 سنوات بين وزارة المالية ممثلة فى مصلحة الضرائب العقارية، وهيئة البريد على 528 جنيهاً كضريبة عقارية مستحقة على مكتب بريد حانوت التابع لمنطقة بريد الغربية.
وحسمت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع برئاسة المستشار يسرى هاشم الشيخ، النائب الأول لرئيس مجلس الدولة، النزاع بإعفاء مكتب البريد من دفع الضرائب على سند من أن هذا المكتب أنشئ فى الأصل على سبيل التبرع وقبل العمل بأحكام القانون الذى كان أساساً للمطالبة بالمبلغ محل النزاع، مما يعفى المكتب من الخضوع للضريبة العقارية.
وتعود وقائع النزاع -وفقاً لما عرض على الجمعية من مستندات- أنه بتاريخ 22 فبراير 2015، ورد إلى الهيئة القومية للبريد كتاب مأمورية الضرائب العقارية بزفتى متضمناً المطالبة بسداد مبلغ خمسمائة وثمانية وعشرين جنيهاً ضريبة عقارية مستحقة على مكتب بريد حانوت التابع لمنطقة بريد الغربية فتظلمت الهيئة من هذه المطالبة تأسيساً على أن مكتب برید حانوت مقدم للهيئة على سبيل التبرع بقيمة إيجارية اسمية جنیه واحد سنوياً لمدة خمسین سنة منذ عام 1994، وهو مخصص لغرض ذى نفع عام وهو إدارة مرفق البريد، وتتمثل فى أداء الخدمات البریدية وصرف المعاشات لكبار السن، إضافة لسبق إنشاء المكتب على القانون 196 لسنة 2008 بشأن الضريبة العقارية، ولا يخضع للضريبة العقارية.
وبتاريخ 7 نوفمبر 2017، صدر قرار لجنة الطعن الضریبی برفض التظلم، فقامت الهيئة بتاريخ 28 يناير 2018 بإقامة طعن أمام محكمة القضاء الإداری بطنطا حمل رقم 7874 لسنة 25 قضائية، وبتاريخ 8 أبريل 2018، صدر حكم المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الطعن تأسيساً على أن النزاع يختص بنظره للجمعية العمومية لقسمى الفتوی والتشريع.
وأوضحت الفتوى أن الهيئة القومية للبرید استأجرت مقراً إدارياً بمساحة 24م2 كائناً بجهة حانوت محافظة الغربية من السید نورالدين السعيد أبوالغيط لإنشاء مكتب برید حانوت بموجب عقد الإيجار المؤرخ فى 23 أبريل 1994 ولمدة خمسين عاماً بإیجار اسمی جنیه واحد يدفع فى نهاية العام.
واستكملت الجمعية: ولما كانت الضريبة محل النزاع المطالب بها تطبيقاً لأحكام قانون الضريبة على العقارات المبنية الصادر بالقانون رقم 196 لسنة 2008 عن مكتب البريد القديم المشار إليه بعد حصره بمعرفة لجنة الحصر وفقاً لتقرير عـام 2013، رغم تسليمه إلى مالكه فى عام 2005، وهو تاريخ سابق على العمل بأحكام القانون رقم 196 لسنة 2008 المشار إليه، ومن ثم لا يكون هناك التزام على الهيئة القومية للبريد بأداء الضريبة العقارية عن مكتب برید حانوت المطالب بها، مما يتعين معه براءة ذمتها من المبلغ محل المطالبة.
واقرأ أيضاً:
مصادر: العدول عن الفصل في منازعات الوزارات إنكار للعدالة.. واقتراح بإسنادها لـ"مستشاري الوزارات"