أمة "السوشيال ميديا" لا تقرأ: ثقافتها كلها إنترنت
10:00 ص | الخميس 23 يناير 2020
صورة تعبيرية عن العاب البلاي ستيشن
تسيطر وسائل التواصل الاجتماعى على أغلب المحتوى الثقافى والفكرى الذى يصل إلى المراهقين، الذين يستخدمون فى سن مبكرة العديد من الوسائل التكنولوجية، ما جعلهم شديدى التأثر والانجذاب لكل ما يرونه مذاعاً ومرئياً خلالها، وإن كان البعض لا يزال يقرأ لكنهم قلة.
"حمدى": معلوماتى كلها من "فيس بوك"
«بعرف أى معلومة فى أى مجال من اليوتيوب وفيس بوك وتويتر»، كلمات رواها حمدى محمد، 16 عاماً، الذى يعتبر «السوشيال ميديا» مصدره الأول لتلقى المعلومات: «استخدمت إنترنت فى سن 10 سنوات، والموضوع كل سنة يتطور، بحب جداً أكون متجدد فى المعلومات السياسية، وأتابع صفحة الرئيس عبدالفتاح السيسى على تويتر، وصفحات كتير بتخلينى عارف أخبار البلد وبحس فيها بمصداقية».
ويعد ذوق «حمدى» الفنى متنوعاً، فمطربه المفضل هو «حسن شاكوش»، ورغم ذلك يهوى سماع محمد منير: «بحب كلمات أغانى المهرجانات جداً، واستايل وتعجبنى ملابس محمد الشرنوبى وهو ممثلى المفضل».
"زياد": الإنستجرام بالنسبة لى حياة تانية
منذ 5 أعوام، يمتلك زياد رفاعى، 13 عاماً، صفحة خاصة به على موقع «فيس بوك»، يتواصل من خلالها مع أصدقائه ويكون صداقات جديدة مع أشخاص لم يسبق له معرفة شخصية بهم: «الفيس بوك والانستجرام تحديداً بالنسبة لى حياة تانية»، وفى ظل ازدحام السوشيال ميديا بكثير من الشخصيات العامة فى المجالات المختلفة حاول «زياد» البحث عن المثل الأعلى بالنسبة له: «مبحبش الكتب ولا بقرأ حتى جرايد، بحب أتفرج على كرة القدم، وخاصة نادى ليفربول، ومثلى الأعلى هو محمد صلاح، بحب أتفرج على صوره وبيعجبنى طريقه كلامه بالإنجلش وبحب أسمع أحاديثه الصحفية جداً لأنها بتأثر فيّا».
ورغم تأثر «زياد» بكل ما هو جديد إلا أن أفلام الكوميديا الحديثة والكلاسيكية تسيطر عليه، ويعد «أحمد حلمى» نجمه المفضل: «كل أصحابى بيحبوا محمد رمضان وكلامه وأغانيه وطريقة لبسه، لكن أنا مش بحبه ومش بحس إنه بيعبر عنى، بحب أتفرج على حلمى جداً، بيضحكنى وبحس بعد أفلامه إنى مبسوط».
أما يمنى هشام، التى يلقبها أصدقاؤها بـ«دودة الكتب»، وتبلغ من العمر 17 عاماً، فقد تعودت منذ الصغر على زيارة معرض الكتاب، ما زرع بداخلها حب القراءة: «بحب أقرأ قصص الرعب لحسن الجندى، وروايات أجنبية مترجمة»، تطمح «يمنى» لأن تكون كاتبة مشهورة: «نفسى أطور أسلوبى فى الكتابة وباستخدم السوشيال ميديا فى ده، وبحاول أدخل فى ورش كتابة مختلفة وأطور مهاراتى وأكوّن دائرة علاقات أكبر».
عمر عنان، 13 عاماً، لديه هوس كبير بموقع «اليوتيوب»، فقام بفتح قناة خاصة به على الموقع منذ 5 سنوات: «حلمى أكون مذيع، وفتحت قناة خاصة على اليوتيوب وأقدم عليها برنامج يعبر عن أفكارى، قناتى فيها 100 متابع وبحاول أكبرها، أنا لسه صغير عاوز لما أكبر يكون عندى متابعين كتير»، وبحسب «عمر» فإنه يتابع المشروعات التى يتم افتتاحها عن طريق صفحة «الفيس بوك» الخاصة به: «بتابع الأخبار كويس جداً، عشان أطور محتوى الحلقات اللى بقدمها، وصفحات الصحف على الفيس بوك وتويتر، وبتفرج على أغلب برامج التوك شو على قنوات اليوتيوب، مش بتابع التليفزيون».
"فيروز": بسأل بابا
وتقول فيروز محمد، طالبة بالصف الأول الإعدادى، إنها تعتمد على الندوات والرحلات التثقيفية التى تقوم بها مدرستها من وقت لآخر، فى التعرف على معلومات أكثر فى مختلف المجالات، فعلى مدار السنوات الماضية توجهت لأماكن تاريخية كثيرة برفقة زملائها فى المدرسة، دفعتها إلى البحث عنها وجمع معلومات أكثر عنها من خلال الكتب والإنترنت، فضلاً عن اعتمادها على والدها أحياناً فى تفسير ما يصعب عليها استيعابه: «لما بيكون فيه أحداث مهمة زى انتخابات أو حادث إرهابى المدرسة بتعمل لنا ندوة تفهمنا دورنا إيه فى المجتمع وحقيقة ما يقال على الإنترنت، فده بيساعدنى إنى أفهم الأمور حواليّا بشكل صحيح، ده غير إن والدى بيناقشنى فى كل حاجة بسمعها أو بقرأها سواء فى الأدب أو التاريخ أو الأخبار اللى بتحصل، وبيصحح لى أى معلومة ماكنتش فهماها».
ويقول محمد شتا، ١٨ سنة، إنه يميل إلى الحصول على المعلومات بشتى أنواعها من الجرائد ونشرات الأخبار، لما فيها من رصد المعاناة اليومية للمواطنين: «رغم أهمية مواقع التواصل الاجتماعى إلا إنى بعتبرها لا تعبر بصدق عن الحقيقة، لأن كل الناس بتحاول تخفى الجانب السيئ من شخصيتها وتبدأ تتكلم من واقع المعاناة اللى بتمثل النقص عندهم، لكن الجرايد ونشرات الأخبار بتتكلم عن أحداث جارية فيها رصد لعدد من المشاكل والأزمات، لذلك فهى تعتبر مرجعى الأول ومصدرى الأساسى للحصول على الثقافة والمعلومات».
ويقول أحمد شريف، ١٤ سنة، إنه يهتم بشكل كبير بالجانب الثقافى الدينى، لما فيه من متعة روحية يتمتع بها، لذا يبذل قصارى جهده فى الحصول على كتب دينية تمكنه من الحصول على الثقافة التى يريد الحصول عليها: «بحصل على المعلومات من كذا مصدر، أولهم الكتب، ودى المرجع الأساسى ليّا، لأنها فيها جوانب خفية للعلوم الدينية، والمصدر الثانى هو حلقات العلم اللى بروح أشارك فيها رغم صغر سنى، لأنها مصدر مهم لأى حد عايز يتعلم حاجة جديدة»، ولم ينف «أحمد» متابعته التلفاز من حين إلى آخر، لما فيه من مواد معلوماتية هامة.
كلام مثقفين: الحرية جعلتهم أكثر جرأة.. وبعد أحمد خالد توفيق "ماحدش بيكتب لهم"
قال عدد من المثقفين والكتاب إن فئة المراهقين تتميز بالتمرد المعروف عن هذه المرحلة التى تعتبر خروجاً من شرنقة الطفولة إلى عالم الشباب، مؤكدين أن هذه الفئة يتم تجاهلها على مستوى الكتابة والمسرح والسينما كذلك، لافتين إلى أهمية الانتباه إليهم من خلال وسائل التواصل المتنوعة، وإلى فاعلية دور المثقف فى حياة الشباب. وأضاف متخصصون فى الشأن الثقافى أن هذه الفئة تعانى من مشكلات مستجدة، لم تكن من قبل بهذه الصورة، وعلى رأسها التنمر العنيف الذى يتسبب فى الإقدام على الانتحار فى بعض الأحيان، كما تعانى من صعوبة مد جسور التفاهم مع الأجيال الأكبر سناً منهم. وقال الكاتب عمرو العادلى، إن جيل الشباب حالياً متقدم على الجيل السابق بسبب ثورة المعرفة، ويرتفع لديه منسوب الوعى بالمقارنة بالأجيال السابقة، كما أن لديهم قسطاً أكبر من الحرية، وفى الوقت نفسه زاد تلقيهم لكم كبير من المعلومات، فنحن كنا نحصل على معلوماتنا من الكتب فقط، أما الآن فهذا الجيل يحصل على المعلومات من عدة وسائط متنوعة عن ذى قبل، وذلك بسبب الاطلاع على وسائل التكنولوجيا، مشيراً إلى أن هذه الوسائط غيرت أنماط التفكير.
ونفى «العادلى» ما يتردد عن الشباب بأنهم لا يقرأون «هذه نظرة فوقية استعلائية غير صحيحة، بل إن أغلبهم يحصل على درجات أعلى فى الدراسة من الآباء»، مؤكداً أنه جيل جاد، بينما كنا نحن جيلاً تافهاً، وحين يقال غير ذلك فهو نعرة كذابة، لأننا كنا جيل (لسانى) يتكلم أكثر مما يعمل، أما الشباب حالياً فهم يعملون أكثر مما يتكلمون».
الكاتبة إيمان سند ترى أن هذه الفئة غالباً ما يتم دمجها خطأ مع الأطفال، كما أن المثقف عليه دور تجاه الشباب انطلاقاً من المسئولية تجاه المجتمع، رغم أن ذلك أمر صعب لأن المراهق ناقد بطبعه.
وقالت إن الكاتب أحمد خالد توفيق كان يهتم اهتماماً خاصاً بهذه الشريحة، لذلك كانوا يحبونه، ويرونه قدوة ونموذجاً ناجحاً، فكانوا يشعرون أنه «الكاتب بتاعهم»، ولما كان يعمل ندوة فى معرض الكتاب يكون عليها إقبال جماهيرى كبير جداً من الشباب، ومن بعده افتقدوا الكاتب الذى يتوجه إليهم بالذات، فالكتابة للناشئة تكاد تكون غير موجودة.
الكاتبة فاطمة المعدول، رئيس تحرير سلسلة «قطر الندى» التى تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة، قالت إن مرحلة المراهقة صعبة لأنه تشبه الخروج من شرنقة الطفولة، لذلك علينا مواكبتهم، مشيرة إلى أنها سن صعبة ومحفوفة بالمخاطر، فهذه المرحلة السنية معروفة بالتمرد على البيت والمدرسة والمسجد، مؤكدة أن الشاب لن يقبل أى أعمال وعظية، ولن يرضيه كتابة دون المستوى، كما أن سقف مؤلف الأطفال منخفض فى مصر بالمقارنة بالخارج، مشيرة إلى أن الأعمال الأدبية الموجهة للمراهقين لا تجد من يطبعها أو يوزعها، فبالتالى انصرف عنهم الكتاب، فكل كُتاب المراهقين يتوجهون لسن من 8 إلى 12 سنة، وهى سن الأمان.
أحلامهم بسيطة: النجاح والسفر واهتماماتهم: اللعب على الموبايل
أحلام واهتمامات ومشاكل وسائل ترفيه المراهقين تختلف حسب نشأتهم والمناطق التى عاشوا فيها، من وُلد داخل منطقة شعبية تختلف ملامح شخصيته وتكوينها وبالتالى تتنوع طموحاته وأهدافه، عن من عاش داخل منطقة راقية أو متوسطة.
«محمد عبده»، طالب، ويعمل فى نفس الوقت، يقول: «كان نفسى أبقى زى الشباب اللى فى سنى، أتمتع بحياتى وأخرج وأسافر، لكن للأسف الشغل واخد كل وقتى»، يحلم «محمد» مثل بقية الشباب المراهقين فى نفس عمره وظروفه، بشراء موبايل جديد أو ملابس جديدة، حسبما أوضح، مضيفاً: «كان نفسى فى حاجات كتيرة زى كده، بس للأسف الموضوع مش فى إيدى، كل حاجة بقت غالية على كل الناس»، كما أنه يتطلع إلى النجاح فى دراسته أيضاً: «مش عاوز حد يقولى انت فاشل، ولا أبقى محتاج لحد أبداً».
استخدام الموبايل فى الألعاب الإلكترونية الشهيرة أمثال «بابجى» و«كاندى كراش»، بالإضافة إلى التواصل مع أصدقائها عبر الرسائل النصية فى برنامج «الواتس آب»، هى أهم اهتمامات «مايا أشرف»، 15 عاماً، طالبة فى الصف الأول من الثانوية العامة، وتسكن فى منطقة المعادى بالقاهرة: «أكتر حاجة بحب أعملها فى وقت فراغى هى اللعب على الموبايل، وبقضى وقت كبير فى لعبة بابجى، وبيفضلوا عندى فى البيت يزعقوا كتير عشان بضيع وقت فيها، بس بحبها جداً برضه وبكمل لعب عادى»، مشيرة إلى أنها تستخدم برنامج اليوتيوب فى مشاهدة فيديوهات «التيك توك» الشائعة حالياً.
تحلم «مايا» بتجربة السفر إلى الخارج وتحديداً إلى دولة ألمانيا: «عايزة أسافر هناك عشان ليّا قرايب عايشين هناك من زمان، ونفسى أروحلهم جداً»، مؤكدة أنها تتطلع أيضاً إلى الانتهاء من مرحلة الثانوية العامة والالتحاق بإحدى كليات القمة.
أما «عمرو طارق»، ويسكن بمنطقة العباسية بوسط القاهرة، فيميل كثيراً إلى استخدام الموبايل فى أوقات فراغه، سواء فى تصفح شبكات التواصل الاجتماعى «فيس بوك» و«انستجرام» والرسائل النصية عبر برامج «واتس آب وماسنجر»، أو متابعة حلقات من المسلسلات الأجنبية عبر الإنترنت. ويحلم «الشاب المراهق» بالنجاح فى دراسته وبشراء دراجة نارية «موتوسيكل»، «بيعجبنى أكتر من العربيات، وبالمقارنة معاها يعتبر أسرع وأسهل كتير».