استقصاء تاريخي من واقع محاضر تنظيم 65.. سيد قطب متاهات في الطريق
سيد قطب
بغتةً وكأن الماضى كله، بتناقضاته، جاء بسيد قطب ورفقته الأقرب إلى هذه النقطة سريعاً.. حيث تلوح المشنقة على مرمى البصر.
يقف قطب، الذى اعتبر نفسه فى العقد الأخير من عمره فحسب مفكراً إسلامياً، ومن أمامه أحراز قضية ضخمة مترامية الأطراف، فيها ما فيها من مخططات الاغتيال ونسف محطات الكهرباء والإذاعة.. والأهم والأخطر والأكثر خبالاً: نسف القناطر الخيرية نفسها!
وتبدو المفارقة عصية على الفهم إذا ما عرفنا أنه على رأس التهم الموجهة لقطب بعد شهور من خروجه بعفو صحى من السجن عام ١٩٦٤ على خلفية عقوبة محاولة اغتيال عبدالناصر عام ١٩٥٤ فى المنشية.. هى محاولة اغتيال جمال عبدالناصر مجدداً!
القضية فى مراحلها الأخيرة، بدت شديدة التعقيد، فهى عبارة عن خمسة تنظيمات اندمجت سوياً تحت إمرة سيد قطب، يتعقبها جهازان أمنيان هما المباحث الجنائية العسكرية والمباحث العامة، ويحقق فيها تسعة ممثلين لنيابة أمن الدولة العليا، وتضم عشرات المتهمين.. الأفكار تختلط بالمخططات.. والبارود بكتب أبى الأعلى المودودى.. وفلول التنظيم السرى للإخوان بطلائع الجيل الجديد المتعطش للعنف والماضى قُدماً على خطى القتلة الأوائل.. والمرشد الصورى حسن الهضيبى بالمرشد شبه الفعلى سيد قطب.. وزينب الغزالى بالممولين من الخارج.. وتنظيم من الشباب المتحمس.. مسدسات وخناجر ومواد متفجرة وتنظيم سرى لديه جهاز معلومات ومترجمون ومراقبون وضباط ووكلاء نيابة وهيكل تام التبلور.. جناح عسكرى يمتلك جهازاً استخباراتياً.. وعلى الرأس رجل غريب الأطوار.. تحول للإسلاموية بعدما كان ماسونياً.. وقال بجاهلية المجتمع بعدما تغزل فى المايوه البكينى.. والتحق بالإخوان بعدما كان لصيقاً بمجلس قيادة الثورة.. وخطط للقتل بعدما ترك كتابة الروايات.. وقرر تفسير القرآن بعدما كان مهووساً بإعادة صياغة مقالات عباس محمود العقاد والدفاع معه عن حزب الوفد.. وكأن عدة مردة خرجت من قمقم سيد قطب.. الذى لم تكن تنبئ البدايات عن مثل هذه النهاية التراجيدية التى ذهب إليها وفى صحبته تنظيم، يشبهه تمام الشبه، فى تناقضاته واضطراباته ولا تناغم أعضائه وأغراضه ومخططاته.
وتنفرد «الوطن» فى هذا التحقيق بلملمة أشتات القضية المنثورة، واستقصائها استقصاءً تاريخياً يعتمد للمرة الأولى على كامل أوراق تنظيم قضية ١٩٦٥ والبالغ عدد أوراقها ٢٣٩٢٢ ورقة.. ومن واقع تعقب أرشيف سيد قطب فى الصحافة المصرية على مدار الفترة الواقعة بين ١٩٢٦ و١٩٦٦، علاوة على كتابات سيد قطب ومذكرات رفاقه فى التنظيم وما تقدمه من صورة متكاملة عن هذه الحقبة المثيرة وهذه الحياة التراجيدية التى عاشها سيد قطب وتقلب فيها بين الأفكار والمعتقدات حتى وصل فى النهاية إلى حبل المشنقة.. هذه القضية ليست ملفاً من الماضى فحسب، تُطرح ويُمعن النظر فيها من قبيل الترف أو التفنن فى الإحاطة بواحدة من أشهر القضايا التى شهدتها مصر فى القرن الماضى.. بل هى القضية التى تلقى بظلالها علينا إلى اليوم، فهى قضية التنظيم الذى بذر جذور العمل المسلح ووفر الحاضنة الفكرية والفقهية لكل التيارات الإرهابية التى مرت علينا فيما بعد، فقد كان البوابة التى مر منها شكرى مصطفى، زعيم تنظيم التكفير والهجرة، ثم باقى مؤسسى وفقهاء وقادة تنظيمات الجهاد والقاعدة وداعش وما بينها من أطياف.. فلم يكن سيد قطب بمثابة عابر فى التاريخ بمقدار ما كان هو الأب الروحى الذى يعود إليه الجميع ليستلهم منه الأفكار الزاعقة اللاهبة عن الحاكمية والتكفير والجهاد ودار الحرب ودار السلم وانتفاء اعتبار الوطن وطناً على أساس الحدود.. بل لقد كان ضمن صفوف هذا التنظيم أربعة شباب.. سيصيرون فيما بعد على رأس الجماعة فى مفارقة تاريخية من الطراز الميلودرامى.. وهم: الشاب محمد بديع والشاب محمود عزت والشاب إبراهيم منير والشاب يوسف ندا!
المرشد الرسمى والمرشد الفعلى والقائم بأعمال المرشد فى ظل سجن الأول واختفاء الثانى.. ثم ترس التنظيم الدولى.. الملياردير الغامض.. مرشد المرشدين!
وأحسب أن فك شفرة هذه القضية سيشكل فارقاً كبيراً فى وعى المصريين إزاء قطب والإخوان ودولة عبدالناصر وما تلا ذلك من أحداث متعاقبة على مدار عقود بدت كلها مرتبطة ببعضها البعض بناظم خفى، سيما أن قضية تنظيم ٦٥ قد تعرضت سرديتها الكبرى للاختطاف على يد جماعة الإخوان المسلمين، التى كرست فى ذهن أجيال أن «المفكر الشهيد» سيد قطب - على حد ما نعتوا!- أُعدم لأجل أفكاره.
ومن ثم فإن هذا الاستقصاء التاريخى الذى أتيح له مطالعة كل هذه المصادر لفهم هذه القضية بمساراتها، بمثابة محاولة -ضمن محاولات ضرورية ومطلوب تكرارها والإلحاح عليها- لاستيعاب هذه اللحظة من عمر مصر بكل ما تموج به من خلخلة لتعريف الدولة والوطن (حفنة تراب! أم روح وحياة وفداء)، ثم تعريف الإسلام والإسلاميين.. هويتهم وأفكارهم وأمراضهم ومعتقداتهم.. وفوق كل هذا معضلة الحكم ومستقبل الوطن.
لقراءة الملف كاملا، اضغط هنـــــــا.