قد يبدو عنوان المقال طائفياً، ومعاكساً لسعى الكاتب ومعاركه الطويلة نحو تكريس ثقافة المواطنة، لكنه فى واقع الأمر يسير فى الاتجاه ذاته؛ لأنه يبدأ من واقع معاش وثقافة سائدة تعمق التعامل مع الأقباط باعتبارهم «آخر»، وترتب الحقوق والواجبات تأسيساً على هذه الرؤية، بعيداً عن منظومة القوانين، وعلى رأسها الدستور.
وقد اتفق العديد ممن اقتربوا من تشخيص المسألة المصرية أن فى مقدمة الملفات التى يجب أن توضع على مكتب الرئيس ملفى الأقباط والنيل، باعتبارهما «أمناً قومياً»، وقد أدرك من يستهدفون مصر ويسعون لانهيارها هذا فراحوا يخلخلون اللحمة الوطنية عبر استهداف الأقباط بصور شتى لولا انتباه موروث لدورهم التاريخى والعضوى أجمع عليه شرفاء الوطن.
الرئيس القادم سيواجه واقعاً وضغوطات تجعل اقترابه من الملف القبطى مخاطرة مفخخة بعد تجريف منظومة القيم المصرية وزرع عبوات ناسفة طائفية بعضها بدائى الصنع وبعضها محكم وعابر للمحلية.
الأقباط ليس لهم مطالب لكونهم أقباطاً، لكن لهم حقوقاً تُنتَقص لذات التوصيف، ومن هنا نبدأ باتخاذ خطوات رئاسية فاعلة فى إعادة الاعتبار للمواطنة التى أقرها الدستور (م3، م9)، وتفعيل قيم العدالة والمساواة وإعمال الكفاءة أساساً لتولى المناصب (م14)، وتجريم التمييز العنصرى وتعقب الحض على الكراهية ومن يترجمها إلى أفعال على الأرض (م53، م63)، وهى المحاور التى تنتج كل معاناة الأقباط.
والرئيس لن يبدأ من فراغ لكنه ينطلق مستنداً إلى إلزام دستورى بإنشاء مفوضية مستقلة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وعلى رأسها التمييز الدينى بالضرورة، وهو أمر يرتب مراجعة آليات تشكيل العقل الجمعى؛ التعليم والإعلام والثقافة.
وعلينا أن نقر أن السير فى طريق إحياء المواطنة، نصوصاً وحياة، سيواجه بمقاومة عاتية من عدة جهات ممن استقرت لهم مراكز ومصالح وممن رتبوا للقفز على مقدرات الوطن لحساب مشروعهم المعاكس لحركة التاريخ والتنوير والحضارة، ولعل هذا يتطلب أن يعمل الرئيس على الانتقال من نسق الفرد إلى المؤسسة بحسب خبرات وتجارب الدول التى اجتازت مراحل انتقالية مثيلة ونجحت فى تبنى قيم الدولة المدنية، عبر تغيير ثقافة المجتمع ليستوعب حتمية التنوع والتعدد.
وعندما يعود الرقم القبطى إلى موقعه الصحيح فى المعادلة المصرية سيسترد الوطن عافيته، ويتخلص من صداع مزمن ويغلق الباب فى وجه استهدافات عديدة تسعى لتحويل أزمات الأقباط إلى مخلب قط أو ربما حصان طروادة، فلدى الأقباط منظومة قيم يحتاجها الوطن ويتطلبها، بمكونها الحضارى والدينى، وتسهم بفعل الاندماج الوطنى فى عودة الاستقرار والسلام الاجتماعى، وهو ما أشار إليه الدكتور ميلاد حنا فى كتابه «الأعمدة السبعة للشخصية المصرية»، بأن تلك القيم تماهت مع المصريين لتصبح جزءاً من حياتهم ويومهم.
نحن أمام اختبار حياتى يحمل الرئيس القادم مسئولية استرداد مصرية مصر، ويعيد التواصل بين مكونات الأمة المصرية، ويزيل التراب عن الموروث الحضارى ويصالحه مع اللحظة والمعاصرة.
بإيجاز ليس للأقباط سوى مطلب وحيد من الرئيس أن يستردوا مواطنتهم، عبر منظومة القوانين، والحراك اليومى، بما يؤدى إلى أن يختفى من القاموس السياسى والإعلامى والمجتمعى، ومن الذهنية العامة التعامل معهم باعتبارهم «آخر»، وهو، قبل أن يكون مسئولية الرئيس، مسئولية النخب ومؤسسات الدولة ومؤسسات التنشئة، وقد يستدعى الأمر إنشاء مفوضية للمواطنة تضع رؤية قانونية ومجتمعية تلزم الكل بتفعيل روافدها وتعميق مفاهيمها فى مجتمع يعانى من تراجع قيمى على أصعدة متعددة.