فى لحظات خاصة جداً ونادرة ومتباعدة وموسمية ولا يمكن نسيانها أو إغفال تلك الأحاسيس التى نعيشها معها، التى تحتاج مناخاً خاصاً لاستحضارها منعشاً مليئاً بالزهور وروائحها الناعمة التى تتسلل لأجسادنا وتخترقها وتتخذ منها مسكناً وتملأ رئتينا، وربما صاحبتها زخات مطر رقيقة تداعب الوجوه فى خجل واستئذان ومحاولات لإزاحة غيمة رمادية تخرج منها صور لأحبة ومقربين وأصحاب دم واحد غادرونا أو ابتعدوا مرغمين فى رحلة البحث عن الحياة والحظ والرزق والبيت والأبناء التى ترتسم السعادة على وجوههم وذكريات محفورة داخل العقل والقلب ولها أماكن مميزة وسط دفاتر الأوراق أو ترسم بحركتها وسط السماء ملامح غير واضحة لحبيب نحلم به وننتظره ونضيف على خطوط وجهه كل يوم علامة أو شامة أو ابتسامة لتكتمل الصورة.. وسط كل هذا نجدها (نسائم الحب والسعادة). والنسائم فى الحقيقة هى جمع نسمة التى نعنى بها هَبَّة الريح وحركتها الخفيفة المنعشة التى ترتعش منها الأغصان برقة ودلال وخجل. وفى عالم العشق والعشاق يقولون إن الحنين يتجسد ويتم ويصبح نسمة سوية. ولعل أصدق تعبير عن ذلك الحنين ما كتبه الأخوان رحبانى وغنته فيروز (نسم علينا الهوا من مفرق الوادى.. يا هوا دخل الهوا خدنى على بلادى) والذى يؤكد أن الحنين واحد لا يتغير بتغير المحبوب حيث يتساوى الوطن بالحبيب والأم والأب والصديق، جميعهم لهم نسائم وإن اختلفت لأنها تحمل داخلها بصماتهم وچيناتهم الخاصة. ومن أجمل نسائم الحب التى نعيشها بسعادة بالغة تلك التى تحيط بالأطفال وتميزهم وتربطهم برباط من أقوى ما يكون بالأم، فوحدها تميز رائحة وليدها وتتعرف عليه والأمر متبادل بينهما، حيث يتمسك الرضيع بأمه بعد أن تتحول هرمونات الأمومة لديها لرائحة خاصة تأسره وتستهويه وتظل ملازمة له وتترجمها مشاعره لاسمها وصوتها وندائها وملمس وجهها ودفء أحضانها. وفى تقرير نشرته مجلة «شبيجل» الألمانية يؤكد الأطباء أن الروائح التى يفرزها الجسم لها علاقة بالحالة الصحية والنفسية، لذلك ينصحون بعدم المبالغة فى استخدام العطور لأن رائحة الجسم لها دلالات عديدة. وقد أكد نفس المعنى الخبير «هانس هات» من جامعة بوخوم الألمانية، حيث ذكر أن رائحة الجسم تمنح الشخص شعوراً بالألفة مع نفسه، كما أنها تؤثر عن وعى أو عن غير وعى على سلوك الإنسان. فالحقيقة أن الهرمونات هى عطر الجاذبية الشخصية عديم الرائحة لأنها ليست سوى جزيئات كيميائية لا رائحة لها إلا أنها تؤثر على الإنسان بشكل كبير حيث يتم انتقاؤها من قبل جهاز Vomeronasal الذى بدوره يرسل رسائل إلى العقل فيؤثر على مكان يطلق عليه (المهاد) وهو المسئول عن العاطفة كما يستثير بعض مراكز الإحساس الأخرى. ومن الطريف أن تكون الروح الجميلة المحبة والابتسامة المشرقة والسعادة من أهم العوامل التى تزيد من إفراز الهرمونات كما يؤكد العلماء، ولا يتوقف الأمر عند ذلك، بل إن الأشهر والأرقى والأغلى ثمناً من العطور العالمية يحتوى بعضها على هرمونات لإثارة مراكز العواطف. ولعل من أجمل النسائم أن يبدع أحدهم فى إنتاج عطر فاخر من خلاصة أندر الزهور الفواحة ويتفنن فى نسب تركيزها وخلطها ويبحث عن رسمة مميزة للقارورة التى ستضمها، ولون رومانسى يتحدث ويعلن عن محتواها، ويختار يوماً له دلالة خاصة ومشتركة مع الحبيبة صاحبة الفكرة والإلهام لإطلاق هذا العطر وخروجه لعالم عشاق النسائم، وفى أروع اللمسات يطلق اسمها عليه فيخلد ما يحيط بهما من مشاعر وأمنيات ولمسات وهمسات، بعطر تتهافت عليه نساء العالم، ويرددون معه حروفاً تحمل قصة حبه.