هل عشت لحظة سقوط المطر وأنت فى الشارع؟ هل تتذكر لحظات البحث عن مكان يحميك من الزخات المنهمرة فوق رأسك وعلى ملابسك؟ هل تتذكر لحظات خوفك من أن تتحول أزمة الدقائق العارضة إلى نزلة برد؟ بعد هذه الأسئلة البسيطة السريعة هل يمكن أن تتخيل سكان تلك البيوت التى بلا سقف متشققة الجدران التى هى أقرب للانهيار منها إلى الثبات والصمود أمام رياح عاتية وسيول لا تتوقف؟ هل يمكن أن تتخيل للحظات سعى سكانها وهم يحاولون سد الفتحات وتجنب صفعات المياه والدعاء أن لا ينهار بهم ما يسمى بمسكنهم؟ هل جربت أن تنزح المياه من الغرف التى غمرتها المياه لأنها غير مسقوفة والانتظار لظهور الشمس لوضع ما يسمى بـ«عفش» البيت ليجف والوقوف تحتها لتجف الملابس على أصحابها وقد تبللت ملابسهم وباقى ملابسهم وكل ملابسهم وكل متعلقاتهم؟! بل هل جربت لحظات العلم بقرب انهمار السيول والأمطار الغزيرة ثم تبتسم تلك الشفاه رافعة أكفها إلى السماء مسلمة أمرها لرب العالمين وحده فلا حكومة تسمع ولا أجهزة يعنيها الأمر لانشغالها بتعبيد الطرق لمراقيا ومارينا وشكل الإنارة والإضاءة على الطرق المؤدية إليها؟! هل تخيلت المشهد فى أسطر قليلة استغرقت قراءتها أقل من دقيقة؟ ماذا لو عشتها بنفسك ساعات وأياماً وبينكم أطفال ونساء وشيوخ يعانون أمراض العمر ولا يملكون أيضاً الدواء الكافى واللازم؟! هذا المشهد اختفى من مصر بعد أن اختفت العشوائيات الخطرة وعوضتهم الدولة الجديدة الموجودة فى مصر من 2014 شقاء العمر ومنحتهم ما يسترهم وفرشت بيوتهم الجديدة بالأثاث المناسب وأهدتهم بعضاً مما يسد جوعهم ويرفع رؤوسهم ويعيدهم إلى حدود الآدمية بعد تجاهل طويل جداً.. مؤلم وقاسٍ!
هل تعلم لماذا قارن الضمير المصرى بين مستوى البنية الأساسية لهذه المساكن البديلة لسكان العشوائيات وبين الأحياء الراقية للكبار التى بنيت فى عصور سابقة؟ مجرد المقارنة تكفى..!
كيف مر عليك الرقم الذى سمعته عند إعلان الدولة التصدى بقوة لـ«كورونا»؟ كيف مر مرور الكرام مبلغ الـ100 مليار جنيه التى رصدتها الدولة لمواجهة الأزمة دون أن تسأل نفسك من أين وفرتها الدولة وتحت أى بند؟ لقد أصبحت الأرقام الأخرى التى تداولناها فى نفس وقت تداول رقم الـ100 مليار صغيرة بجانبه لا معنى لها.. إذ بجانب الـ100 مليار، 100 مليار وليس 100 مليون، سيكون عادياً مبلغ الـ185 مليوناً كمبلغ فورى لوزارة الصحة لتعزيز إمكانياتها وكذلك مبلغ الـ200 مليون لشركات المحمول لزيادة سعة تحميل الإنترنت المنزلى تشجيعاً للبقاء فى البيوت وعلى الاستعداد لتلقى المناهج التعليمية منزلياً استعداداً لاحتمال تدهور حالة انتشار المرض أكثر وأكثر!
لكن إلى جوار المبالغ المرصودة هل لاحظت تدخل الرئيس فى الوقت المناسب لوقف الدراسة؟ ومشهد بحث الوزير عن أى طريقة لوصول باقى المنهج للتلاميذ حرصاً عليهم وليس رغبة فى إيذائهم وبما يمليه عليه ضميره؟ وهل لاحظت تعامل الحكومة مع الموضوع مركزياً بما يستحق ولا مركزياً بما يستحق؟ وفى سلاسة بلا مبالغة تزيد من توتر الأمر وبلا تساهل يزيد من التراخى فى مواجهته؟!
هل لاحظت كيف تعاملت الدولة فى باقى الإجراءات والقطاعات؟ كيف نظمت العمل فى القطاع الحكومى واحترمت أصحاب الأمراض المزمنة وذوى الاحتياجات الخاصة؟ هل لاحظت الحرص حتى آخر لحظة على «أكل عيش» العاملين بقطاع السياحة لكنها اضطرت إلى ما اضطرت إليه من وقف الطيران؟ وهل لاحظت خسائر الطيران؟ وهل لاحظت تعامل قطاع البنوك وإلغاء الفوائد على أى متأخرات وعلى التعامل بالفيزا من ماكينات الصرف؟ هل لاحظت أى اختفاء للسلع رغم الهجوم الكاسح عليها من الكثيرين؟ هل تعرف أن هذا لا يحدث إلا إذا كانت الأزمة كاشفة لحجم توفير السلع استراتيجياً؟ وكيف لعبت المنافذ الحكومية، التى تحولت إلى أماكن مهجورة فى عصور سابقة، دوراً مهماً فى استقرار الأحوال فى ظل جشع غير مبرر وبين تداعٍ على شراء السلع لا معنى له؟!
وبينما ذلك كله يجرى تذهب المساهمات المصرية حتى ولو رمزية فى التعامل مع الأزمات الصحية والاقتصادية للصين وجنوب السودان، ويجوب مندوبو الرئيس من رجال مصر الأوفياء المخلصين إلى الدول الشقيقة والصديقة لشرح آخر تطورات سد النهضة، ولا تنفعل مصر مع من اتخذ من الإجراءات ما يراها ضرورية فى بلده لمواجهة المرض ولا ترد إلا على من تؤمن مصر بكيدية موقفه وبينما الأخلاقيات فى قمتها فى التعامل سياسياً مع كل دول العالم بل ونعاقب من يسيئون لضيوف مصر، خصوصاً أبناء الصين، نجد من يصطاد فى المياه العكرة محاولاً تشويه الجهود المصرية فى التعامل مع «كورونا» وبشكل سخيف وعبيط بما يبرز استنفاد الصبر فى التعامل مع مصر!
كثيرة هى المشاهد التى نتوقف عندها وينبغى أن نتوقف عندها فى الأسبوعين الماضيين، ومن المؤكد أن بعضها جال فى خاطرك من وجود المسئولين فى أماكن الأحداث كنا شاهدناهم فى قرية الزرايب بـ١٥ مايو إلى تعويض من تضرروا أثناء إنقاذ المواطنين وممتلكاتهم إلى اختصار إجراءات تعويض المتضررين إلى حدودها الدنيا لكن لا المجال يتسع لذكرها كلها ولا المساحة تسمح بذلك، وتبقى خلاصة الأمر كله: نقف أمام دولة مختلفة ومصر جديدة عما كانت عليه كان شعبها ينتظر تفجير طاقاته ووجود القدوة.. مصر جديدة ودولة مختلفة منذ فوضى ما بعد الانفتاح وإلى ثورة ٣٠ يونيو، وخلالها سلمت الدولة دورها لآخرين استغلوها ونفذوا من خلالها للمصريين يقدمون إليهم بأموال الخارج الحرام الطعام والتعليم والعلاج ومعها التطرف والكراهية والحقد والغل.. لكن.. انتبه.. كل ذلك صار ماضياً وتاريخاً!