لا تكاد تتحرك فى مكان إلا وتجد الحديث عن «كورونا» كأنه وباء رافق الوباء، فى كل متر تقريباً تجد من يتجاذبون أطراف الحديث عن الفيروس الغامض، أو على العكس مناظرات ضارية حوله، من تفسيرات تداخلت فيها كل أنواع «الخزعبلات» التى برأيى هى عنوان حيرتنا جميعاً، أو عن حيرة إنسان بدا صغيراً عاجزاً لا يملك شيئاً فى اختبار لم يرَ له نموذجاً من قبل.
كنت أجلس فى أحد الأماكن وجذبتنى تلك «المناظرة» الدائرة بين شخصين حول تفسير ظهور الفيروس القاتل، تفسيرات ساذجة برأيى لكنى أسميتها «مناظرة» لطبيعة دفاع كل شخص منهما عن وجهة نظره وثقته فى منطقه، أطروحات كثيرة قدماها بين ما هو علمى وما هو سياسى وما هو دينى، وقد كان الأخير هو النهاية لمرحلة عدم اليقين لديهم والعجز عن التفسير، إذ اهتدى أحدهما إلى أن «كورونا» قد يكون هو «يوم القيامة».
رد الآخر يسأل بأن لـ«يوم القيامة علامات انت شفت منها حاجة؟»، فبادله الأول الرد: «زى إيه؟»، فأجابه: «مثلاً من علامات القيامة إن الميه تنشف فى بحيرة طبرية»، لم يكمل جملته حتى سأله زميله: «يبقى نشوف البحيرة المية لسه فيها ولا مفيش».. كنت أراقب بأذنى الحديث، فلم أتمالك نفسى من الضحك، لأنه عندما رأى أحدهما بفطرته وبساطته ضرورة التأكد من وجود المياه فى «بحيرة طبرية» تذكرت هذا المشهد العبقرى للنجم الراحل محمود عبدالعزيز فى فيلم «جرى الوحوش» ودور المنجد عبدالقوى شديد بعد إجراء عملية استئصال جزء من تكوينه الرأسى لمنحه لشخص آخر يمكنه من القدرة على الإنجاب، العملية التى جرى اختبارها على أحد القرود، وأقنعه الطبيب بأن التجربة ناجحة بدليل صحة القرد الجيدة، لكن «عبدالقوى» شعر بآلام لم يعد بمقدوره تحملها، وأحس بالنعمة التى كان فيها من قبل التى لا يضاهيها أى مال عندما باع الجزء الذى أُخذ منه، فى حين لا يوجد لتلك الآلام الجسدية والنفسية أى تفسير علمى ظاهر لدى الطبيب، ذهب مسرعاً يسأل عن حالة القرد وقال جملته الشهيرة: «القرد لسه بيتنطط ولاّ بطَّل تنطيط؟». هكذا شعرت أن الذى سأل عن المياه فى «بحيرة طبرية» مثل عبدالقوى شديد حين سأل عن حالة القرد، وقادنى الأمر إلى جملة «التفسيرات الخزعبلية» التى بات يقدمها البعض فى ظل حالة اللا إجابة واللا معلوم التى فرضها فيروس يحصد الأرواح اليوم تلو الآخر.
حالة غير مسبوقة لم نعش ولو جزءاً بسيطاً منها من قبل، على الأقل جيلنا الحالى، هذا يقول مؤامرة دولية، والذين يقتنعون بالمؤامرة منهم من يرى أنها من الصين والعكس من الولايات المتحدة الأمريكية، ويذهب ثالث إلى روسيا، بينما يكافح هذا وذاك فى الحديث عن تفسير علمى وكل يوم يسمع رواية مختلفة تكاد تصيبه بالجنون، ليصل فريق ثالث يائس أمام التفسيرات السابقة ويعتقد أنه غضب إلهى وصل حتى عدم حاجة الله لصلواتنا خصوصاً عندما أوصدت أبواب المساجد والكنائس.
على أى حال وأياً كانت التفسيرات، فإن ما قبل «كورونا» شىء وما بعده شىء آخر لن يتضح بعد، فلا نزال فى مرحلة من هذا الكون لا نعرف أين نحن وإلى أين نسير، والخوف أن يصبح السؤال عن مياه «بحيرة طبرية» هو قناعة الجميع أو بعبارة أخرى «القرد لسه بيتنطط ولا بطَّل تنطيط؟».