"كورونا" يربك القطاعات الاقتصادية في مصر
الشركات تحاول الصمود فى وجه الأزمة
يمثل تفشى فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19» تهديداً متزايداً للاقتصاد المصرى تزداد معه الضغوط على معظم القطاعات الاقتصادية، منها السياحة والعقارات والتجارة والصادرات وأيضاً القطاعات الصناعية المختلفة.
ويتوقف حجم الأثر بالنسبة لكل قطاع إنتاجى على هيكل الطلب فى هذا القطاع، وطبيعة المنتجات التى يقدمها ودرجة ارتباط القطاع بالسوق العالمية سواء فيما يتعلق بالحصول على مدخلات الإنتاج أو تصريف السلع والخدمات.
توقف تام لإيرادات السياحة.. و"العقارات" تحارب التباطؤ بـ"أوكازيون أسعار".. و"تجارة التجزئة" أبرز الرابحين
ويرى المحللون أن قطاع السياحة يعد أبرز القطاعات المتضررة من هذا الوباء وآثاره الاقتصادية، بينما يتباين الضرر بالنسبة للقطاع الصناعى بحسب السلع المنتجة، سواء كانت سلعاً أساسية أو كمالية، سلعاً ضرورية أو رفاهية، بينما هناك ضرر محدود على القطاع الزراعى الذى يتسم بثبات الطلب على منتجاته، خاصة تلك المنتجات التى يتم ترويجها فى السوق المحلية ولا يتم توجيهها للخارج.
العقارات
شهدت سوق العقارات فى مصر تراجعاً نسبياً منذ بداية أزمة كورونا، حيث انخفض الطلب عليها فى شهر فبراير بنسبة 4%، بعدما كانت تحقق ارتفاعاً بـ6% فى يناير الماضى، وظل الطلب فى حالة تراجع ليستقر عند نفس المستوى تقريباً فى النصف الأول من شهر مارس، كما أنه فى حالة استمرار الأزمة، فإنه من المتوقع أن ينخفض الطلب على العقارات إلى أكثر من 25% خلال الفترة المقبلة وفقاً لمؤشر «عقار ماب».
ولم تقتصر الأزمة على حركة البيع والشراء فقط، بل امتدت لتشمل تأجيل مؤتمر ومعرض «سيتى سكيب مصر للتسويق العقارى»، الذى يعد أحد أكبر معارض التسويق العقارى فى مصر، وكان من المقرر عقده فى منتصف الشهر الجارى، لتكتفى الشركات العقارية بالعروض التسويقية التى تقدمها وتعلن عنها إلكترونياً أو تليفزيونياً الأمر الذى أدى إلى تحقيق خسائر لبعض الشركات التى كانت توجد بالمعرض.
ومن جانبه، يرى محمود جاد، محلل القطاع العقارى، بشركة العربى الأفريقى الدولى لتداول الأوراق المالية، أن الشركات العقارية فى الوقت الحالى تواجه صعوبة فى عملية التسويق وتحقيق مبيعات جديدة نتيجة انخفاض الطلب بشكل كبير، بالرغم من توجه الشركات لتقديم تسهيلات أكبر للسداد لجذب المزيد من العملاء وتحقيق مبيعات تعاقدية جديدة.
وأوضح أن استمرار الفيروس من شأنه أن يزيد من تباطؤ السوق العقارية، بما يدفع لاحتدام المنافسة بشكل أكبر مما كانت عليه بين المطورين، بتقديم تسهيلات أكبر فى السداد وعدم زيادة الأسعار بما يتماشى مع نسب التضخم، خاصة بعد توجه البنك المركزى لخفض أسعار الفائدة بـ3%، التى ستخفف من الأعباء التمويلية للمطورين، سواء كان فى صورة قروض تحصل عليها الشركات لتطوير مشاريعها أو فى صورة تمويلات تقدمها للعملاء من خلال مد فترات التقسيط، مضيفاً أن الوحدات البحثية فى البنوك الاستثمارية لا تملك القدرة على توقع مستقبل القطاع، فى ظل غياب رؤية واضحة وسيناريوهات بشأن مدى تفشى الفيروس، أو السيطرة عليه مستقبلاً.
السياحة والطيران
يواجه قطاع السياحة والطيران فى مصر مخاوف متزايدة من تأثيرات انتشار فيروس كورونا على معدلات تدفق السائحين فى المستقبل، خاصة بعدما توقفت رحلات الطيران المصرية لمدة 15 يوماً بدءاً من يوم 19 مارس وعدم وضوح الرؤية بعد مرور هذه الفترة.
وسيكبد توقف الطيران شركات الطيران خسائر تقترب من مليار دولار من الإيرادات الأساسية وفقدانها أكثر من 13.6 مليون راكب، وذلك وفقاً للاتحاد الدولى للنقل الجوى «إياتا».
وعلى الرغم من تحقيق إيرادات السياحة فى ميزان المدفوعات أعلى إيرادات فى تاريخ السياحة فى مصر خلال الربع الثالث من 2019 بزيادة 6.7% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق عليه لتبلغ نحو 4.2 مليار دولار، فإن المؤشرات توضح أن الربع الثانى من 2020 سيكون أقل ربع لعائدات السياحة على مدار فترة طويلة مضت لتتراوح ما بين 2.5 و3 مليارات دولار.
وفى هذا السياق، أكد فتحى غازى، رئيس شعبة شركات السياحة بغرفة القاهرة التجارية، أن قطاع السياحة فى مصر، يشهد حالة ركود غير مسبوقة، التى ستتلاشى معها غالبية مكتسبات القطاع، مضيفاً أن حجم تضرر حركة السياحة المصرية وصلت نسبته 100%، حيث تضررت السياحة بجميع أنشطتها، كالفنادق وشركات السياحة وشركات النقل والخدمات والطيران، وحتى البازارات لم يعد يدخلها أحد للشراء، خوفاً من التجمعات.
وأشار إلى أنه تم إلغاء الحجوزات السياحية القديمة، والحجوزات الجديدة صفر، خوفاً من تفشى «كورونا» داخل مصر، لافتاً إلى أن السيناريو الجديد للقطاع فى يد الحكومة من خلال معاملة قطاع السياحة بنفس معاملة قطاع الصناعة، على أن يتم تأجيل سداد المستحق على القطاع السياحى من مصروفات الطاقة من الكهرباء والمياه والغاز الطبيعى لمدة ستة شهور، ويتم تقسيطها على 12 شهراً ابتداء من يناير 2021، بالإضافة إلى استهلاكات الأشهر المؤجل فيها السداد.
الزراعة
تسبب انتشار فيروس كورونا فى التأثير على قطاع الزراعة فى مصر، حيث تواجه المنتجات الزراعية اضطرابات فى أسعارها نتيجة اتجاه بعض الدول لتشديد قواعد الاستيراد والتصدير، وكانت الصين تستورد نحو 237 ألف طن موالح فى الموسم الماضى، وفى حالة توقف التصدير للصين دون فتح أسواق جديدة لتصدير الفائض من الموالح المصرية قد يؤدى ذلك إلى تكدس الموالح فى السوق المحلية وانهيار أسعارها بما يضر المزارعين.
كما يبلغ حجم استيراد مصر من القمح حوالى 12.5 مليون طن سنوياً، وتمتلك منها مخزوناً يكفى لحوالى 5 أشهر، بالإضافة إلى امتلاك مصر مخزوناً من الأرز يبلغ حوالى 170 ألف طن يكفى أيضاً لـ3 أشهر.
رئيس شعبة الحاصلات الزراعية: مخزون السلع الاستراتيجية آمن.. والمستهلكون مطالبون بعدم إثارة الذعر
قال أحمد الباشا، رئيس شعبة الحاصلات الزراعية، إن وزارة المالية توجهت بتخصيص 15 مليار جنيه لتمويل شراء القمح المحلى من المزارعين خلال شهر أبريل المقبل، لكيلا تعانى الدولة من أزمة خلال الفترة المقبلة، مضيفاً أن دراسة مصر لضم القمح الهندى تعد خطوة هامة لتنوع مصادر الاستيراد، خاصة بعد توقف حركة التجارة فى أغلب الدول العالمية. وأوضح أن مصر لديها مخزون كافٍ من البقوليات والسلع الاستراتيجية يكفى المستهلكين حتى بعد رمضان المقبل، لذا على المستهلكين عدم إثارة حالة الذعر والتكالب على التخزين.
التجارة
شهدت الفترة الأخيرة تغيراً كبيراً فى نظرة الاقتصاديين والمستثمرين لتأثير تداعيات انتشار فيروس كورونا على التجارة المصرية، فبعدما أبدى بعض المصدرين نظرة تفاؤلية حول الاستفادة من تداعيات الأزمة وإمكانية المنتجات المصرية لفتح أسواق جديدة، أجهز تفاقم تداعيات الأزمة على هذه النظرة التفاؤلية، حيث أجبرت الحكومات على رفع حالات الطوارئ واتباع سياسات احترازية أكثر قوة، ما أدى إلى مواجهة الشركات تأخيرات فى الشحن والمدفوعات بسبب تفشى الفيروس.
وأدت هذه الإجراءات إلى تراجع حجم التجارة فى معظم الدول حول العالم، بعدما كانت تقتصر على عدد قليل من الدول، وعلى رأسها الصين، وأغلقت العديد من المدن والدول، وألغيت العديد من الصفقات، وهو ما أكده مجدى طلبة، رئيس المجلس التصديرى للغزل والمنسوجات، قائلاً: «إن تداعيات أزمة كورونا أجبرت العديد من التجار فى أوروبا على تقليص الطلبات، بل وإلغاء بعض الصفقات خلال الفترة الماضية، بما سيؤثر على مؤشر الصادرات».
وأضاف أن الدعم المادى الذى تُقدمه الحكومة للصادرات والذى يُقدر بمليار دولار جيد ولكنه غير كافٍ، خاصة مع تجاوز متأخرات المصدرين الـ20 مليار جنيه خلال السنوات الماضية، داعياً لتشكيل مجموعة لإدارة الأزمة تضم ممثلين عن الحكومة ومجموعة من الخبراء فى الصادرات لاتخاذ إجراءات شاملة لدعم منظومة الصادرات لضمان استمرارها وتحملها أقل الخسائر فى ظل الأزمة الحالية التى تعانى منها كافة الدول.
ويأتى ذلك فى ظل استهداف الدولة لرفع معدلات الصادرات من 25 إلى 55 مليار دولار خلال 5 سنوات، وإقرار برنامج جديد لدعم الصادرات ورفعه مخصصات البرنامج إلى 6 مليارات جنيه بدلاً من 4 مليارات للعام المالى الجارى.
كما من المتوقع أن تشهد الواردات أزمة أيضاً نتيجة تأثر الشركاء التجاريين بالأزمة، فعلى الحكومة المصرية الإسراع فى تنفيذ خططها للتحوط من الآثار السلبية المتوقعة لتفشى الفيروس، خاصة مع مخاوف غلق التصدير فى كثير من الدول لتحقيق الاكتفاء الذاتى وسط تراجع النظم الإنتاجية.
أما على صعيد التجارة الداخلية، فقد شهدت رواجاً كبيراً على مستوى تجارة الجملة والتجزئة خلال الفترة الماضية خاصة مع نشاط الطلب على السلع الغذائية بغرض التخزين، ويتوقع محللون أن يتباطأ نشاط القطاع فى المستقبل فى حالة استمرار الأزمة، وذلك نتيجة النقص المتوقع فى المعروض إضافة إلى تراجع ثقة المستهلكين وإرجاء قرارات الشراء الهامة.
الصناعة
تأثير فيروس كورونا على الصناعة المصرية يعد أمراً مختلفاً نسبياً، حيث يتوقف حجم الأثر على طبيعة المنتج الصناعى الذى يتم تقديمه، ففى الوقت الذى يرتفع فيه الطلب على المنتجات الغذائية الأساسية، يتراجع فيه على المنتجات الكمالية، وفى الوقت الذى يرتفع فيه الطلب على منتجات الأدوية والعناية الصحية، يتراجع بشكل كبير على السلع المعمرة نتيجة إرجاء قرارات الزواج، وتراجع ثقة المستهلكين فى المستقبل.
ففى قطاع الملابس والمنسوجات، فقد شهد حالة من الركود التام على حركة البيع والشراء نتيجة لتوجه الدولة بفرض حظر تجول لمواجهة فيروس كورونا المستجد، حيث بلغ حجم مبيعات الملابس الشتوية المعروضة فى الأسواق 20%، بينما ارتفع المخزون لدى المصانع والمحال التجارية بنحو 80%، الأمر الذى دفع بعض المتاجر إلى تقديم تخفيضات تتراوح ما بين 50 و60% بالإضافة إلى توجه البعض الآخر إلى إغلاق متجره.
ونتيجة غياب الملابس عن أولويات الشراء للمستهلك خلال الفترة الحالية، شهد القطاع تراجعاً كبيراً فى معدلات الطلب ما أدى إلى تفاقم حالة الركود بالمتاجر.
ومن هنا يرى يحيى زنانيرى، نائب رئيس شعبة الملابس الجاهزة فى غرفة القاهرة التجارية، أن فيروس كورونا أثر على تجار الملابس بالسوق المحلية مع أول مناسبة ينتظرها التجار وهى عيد الأم، حيث شهدت السوق إقبالاً ضعيفاً على الشراء، مخيباً آمالهم فى تنشيط حركة البيع والشراء، كما توقع استقرار أسعار الملابس الصيفية عند نفس معدلات الموسم الصيفى الماضى، خاصة بعد أن واجهت الملابس الشتوية انخفاضاً فى الطلب فى فترة الأوكازيون التى بدأت فى 17 يناير، ولم تلق أى إقبال.
وعلى صعيد قطاع الأدوية والمستلزمات الطبية، كان الوضع مغايراً بشكل تام، حيث اتجه أغلب الأفراد إلى شراء الكثير من العقاقير الطبية لإبطاء تأثير الفيروس، بالإضافة إلى الاعتماد على بعض المضادات الحيوية وشراء الكمامات الطبية، الأمر الذى أدى إلى ارتفاع الأسعار بنسبة 80% فى أقل من شهرين على مستوى المنتجات غير الخاضعة للتسعير الجبرى من وزارة الصحة.
نائب رئيس غرفة الدواء: نبحث عن مصادر أخرى لاستيراد الخامات بدلاً من الصين.. والتخزين غير المبرر للأدوية يحفز السوق السوداء
وحصدت شركات الأدوية مكاسب عديدة من زيادة الطلب على منتجاتها، إلا أن الفترة المقبلة قد تحمل سيناريو سيئاً للقطاع فى تقدير بعض الخبراء نتيجة انخفاض المخزون ونقص فى المواد الخام التى تستوردها من الخارج، خاصة من دولتى الصين والهند. وفى هذا الصدد، قال الدكتور أسامة رستم، نائب رئيس غرفة الدواء باتحاد الصناعات، إن المصانع الدوائية فى مصر لديها مواد خام تكفى لفترة زمنية تتراوح ما بين شهرين إلى 3 شهور وتكفى لإنتاج الدواء، لافتاً إلى أن المصانع تبحث حالياً عن مصادر بديلة معتمدة لاستيراد الخامات، بدلاً من الصين والهند.
وتابع أنه قد يظهر التأثير فى نقص المواد الخام لدى 10-15% من المصانع الوطنية خلال 6 أشهر، متوقعاً أن هذه الأزمة ستدفع قطاع الأدوية إلى إنتاج المواد الخام فى مصر خلال الفترة المقبلة رغماً عن ارتفاع التكاليف. وأوضح أن الإقبال من المواطنين على شراء الكمامات والمضادات الحيوية لتخزينها فى المنازل تخوفاً من الفيروس مبالغ فيه، وأدى إلى دخول وسطاء وخلق سوق سوداء لبيع الأدوية والمستلزمات الطبية.