"الحظر" فرصة لتنمية المهارات: علموهم الزراعة.. وأشركوهم في الأعمال المنزلية
الطفل يساعد والدته فى المطبخ
فى الوقت الذى تصرخ الأمهات من فشلهن فى السيطرة على الأطفال طوال ساعات اليوم، يجد خبراء التربية والتنمية البشرية فى أزمة «كورونا»، والبقاء فى المنزل، فرصة عظيمة للأمهات لتنمية مهارات الصغار وإكسابهم عادات إيجابية، لم تكن ظروف الحياة وتفاصيلها تسمح لهن بها.
"رخا": ابدأوا ببعض المهمات البسيطة مثل ترتيب السرير وتلميع الأسطح وإعداد المائدة
مروة رخا، كاتبة وموجهة «مونتيسورى» للأطفال، ترى أن بقاء الأمهات فى المنزل وكذلك الأطفال خلق مشكلة «الاحتكاك»، فكلاهما لا يجيد البقاء مع الآخر، الأم منزعجة من الضوضاء والحركة والخناقات و«الزن»، والتعدى على مساحتها الشخصية، ما يجعلها عصبية فى التعامل معهم، وتبدى أمامهم الرغبة فى عودة المدارس والحياة لسابق عهدها لتتخلص منهم، ما ينعكس عليهم سلباً. وفى ظل الظروف الراهنة، واحتمال أن تمتد الإقامة فى البيت لوقت أطول، على الأمهات تجنب أمور عديدة وممارسة أنشطة منزلية مع أطفالها، من شأنها أن تنمى مهاراتهم.
تحويل البيت إلى حضانة أو مدرسة، هى أول الأخطاء التى يجب أن تتجنبها الأم، بحسب «رخا» لأنها تؤدى لمزيد من الاحتكاك ونتائج مرعبة: «المدرسة غير البيت، وعلاقة الطفل بمدرسته تختلف عن علاقته بأمه، اللى يختبر البقاء معها لفترات طويلة، وبالتالى على الأم أن تنحى الكتب والأوراق جانباً وتبنى جسوراً من الثقة والحب بينها وبين طفلها، حتى تفلح مستقبلاً فى المذاكرة له إذا طالت مدة البقاء فى المنزل».
الحضن هو أول وأهم وسيلة لبناء جسور الحب والثقة، فى رأى «رخا»: «بمجرد أن يستيقظ، لازم تحضنه وتقبله وتسأله بلطف كيف نام وبماذا حلم، ويكون فى اليوم مساحة للتدليل، لأنها تجلب الضحك وهى تانى وسيلة بعد الحضن لبناء جسور الحب والثقة».
المشاركة، وسيلة فعالة أيضاً لتنمية مهارات الطفل، بحسب «رخا»، فمشاركة الأم لأطفالها فى أمور عديدة يخلق بينهم ذكريات سعيدة، ويعلمهم أموراً عديدة بطريقة غير مباشرة وأكثر جذباً، وهنا تأتى الأنشطة المنزلية التى يمكن أن تنمى مهارات الطفل.
ترتيب السرير، أول الأنشطة المفيدة للطفل، وفقاً لـ«رخا»، بتعليمه خطوات تنظيفه وفرش الملاءات وتثبيتها على المرتبة، ما يكسب الطفل مهارات حياتية تساعده فى المستقبل فى ترتيب حياته، بخلاف تعويض قلة الحركة وعدم ممارسة الرياضة، فضلاً عن تعويده على الدقة بشد الملاءة ووضع الوسادة فى مكانها وفرد اللحاف وهكذا.
تلميع الأثاث والزجاج، نشاط آخر يمكن أن يمارسه الطفل فى المنزل، وترى «رخا» أنه يمكن الاستفادة من أن فيروس كورونا يثبت على الأسطح، بتعويد الطفل تنظيف الأسطح باستمرار، يأتى بعد ذلك إشراكهم فى إعداد الطعام وتحضير المائدة، وغسل الخضراوات والفاكهة والأوانى وتجفيفها، وإعادتها إلى أماكنها.
الزراعة من الأنشطة المحببة جداً للأطفال، وإشراكهم فى العناية بها مهم جداً، بحسب «رخا»، مثل ريها وتقديم المعادن والفيتامينات لها، وصنع السماد العضوى فى البيت من بقايا الطعام، ما يعتبر درس علوم لهم بشكل غير مباشر: «يعرف الطفل أن النبات كائن حى، يحتاج إلى تربة وهواء وماء وسماد لينمو ويثمر».
الأعمال الفنية أيضاً فرصة رائعة لتنمية مواهب الطفل، بالاستعانة بمكونات موجودة فى المنزل مثل الأوراق والقماش والخرز، وتركه ليصنع لوحات محببة له، ووفقاً لـ«رخا» مهم للغاية أن تقوم الأم بممارسة الأنشطة مع أطفالها، دون أن تكون على عجلة أو تتعامل بعصبية، وألا تشعر أن الأنشطة المنزلية تضييع للوقت، إنما لتعليم الأطفال الدقة والثقة بالنفس، والمحافظة على البيئة، ومع الوقت والتكرار، يستطيعون القيام بتلك المهام بمفردهم، وتقليل العبء على الأمهات.
كما ترى «رخا» بعد بناء الأم لجسور الثقة مع الأبناء بممارسة كل الأنشطة، يكون الوقت سانحاً للمذاكرة لهم، لكن عليها أولاً قراءة الدروس بمفردها، والتفكير فى كيفية توصيل المعلومة لهم بطريقة شيقة، بالاستعانة بتقنيات الإنترنت: «هناك تجارب علمية يمكن تطبيقها فى المنزل، فبمكونات المطبخ ممكن أن نرى البركان، ببناء ما يشبه الجبل المفتوح من أعلى وأسفل من الصلصال، وبداخله نضع الخل وبيكنج بودر، ونرى تصاعد وانفجار البركان، وغيرها من التطبيقات العلمية الشيقة».
شعور الأم أو الأبناء بضيق فى البقاء معاً لفترات طويلة، مؤشر خطير على أن العلاقة بينهما غير منضبطة ويجب تعديلها، بحسب الدكتورة بسمة سليم، إخصائى الصحة النفسية وتعديل السلوك، الأمر الذى يتطلب وضع برنامج يومى مفصل للمهام والأنشطة التى يجب القيام بها، للقضاء على أى شعور بالملل.
وتنصح «بسمة» بمشاركة الأطفال الألعاب المفيدة مثل «البازل، الصلصال، الشطرنج للأكبر سناً»، وضرورى التحدث معهم عن العادات الغذائية السليمة، بطرق غير مباشرة، كعمل مسرحيات، ما يفيد أيضاً فى التخلص من الضغوط النفسية.
ممارسة نشاط جديد، أو اكتساب معلومة كل يوم، مفيد جداً للطفل، مع التركيز على المهارات الحركية، وتحذر «بسمة» من وضع الطفل الذى يعانى من فرط حركة فى مكان به تفاصيل عديدة وألوان ومثيرات، لأنها تزيد من نشاطه الحركى.
ويجب تعزيز السلوك الإيجابى للطفل، بمكافأته إذا قام بالمهمة الموكلة إليه أو التزم بالتعليمات، وبالنسبة للأطفال الأكبر سناً، تنصح «بسمة» بمشاركتهم فى الأعمال المنزلية، ولا مانع من مشاهدة التليفزيون ومطالعة الأخبار معاً وفتح نقاش بشأنها لبعض الوقت. كما أن الأب له دور مهم أيضاً فى تنمية مهارات أبنائه، ولا يجب أن يكون بمعزل عما يحدث فى البيت، تؤكد «بسمة» أن كثيراً من الآباء سيتعرفون على أبنائهم فى الوقت الراهن.