العالم كله يقر ويعترف ويبجل ويشيد ويثنى على جيوشه البيضاء، من طواقم الأطباء والطبيبات والممرضين والممرضات والعاملين والعاملات الصحيين بأنواعهم المختلفة يقفون على جبهة الحرب الأمامية. صورة العام ستكون تلك التى تتواتر بالآلاف لأطباء منهكين تحت وطأة العمل فى مستشفيات تعالج المصابين بـ«فيروس العام - كورونا» والممرضات اللاتى يكشفن عن وجوههن التى التهبت بسبب ساعات طويلة من الكمامات الملتصقة بوجوههن، وملايين العاملين الصحيين، كلٌ يؤدى دوراً سيسطره العالم فى ذاكرته.
ذاكرة العالم تشير كذلك إلى أن منظمة الصحة العالمية كانت قد أعلنت العام الجارى 2020 عاماً لكادر التمريض والقبالة (أو الداية وهى التى تساعد فى توليد النساء). والاحتفاء بهذا الكادر هذا العام يأتى بطعم ووقع ورمز تتوجب التفكر الطويل جداً. فهؤلاء يقومون بأدوار لا غنى عنها فى العمل الصحى والطبى. ويظن البعض أن كلمة «طبيب» هى المرادف الوحيد والأولى لعبارات وكلمات مثل «رعاية صحية» أو «علاج» أو «شفاء». لكن واقع الحال يشير إلى أن كادر التمريض يقف على قدم المساواة مع كادر الأطباء من حيث التكامل والتشارك. وواقع الحال يشير أيضاً إلى نظرات دونية، لا سيما فى مجتمعات مثل مجتمعنا لعمل الممرض أو الممرضة، هذا على الرغم من معرفة كل فرد بأهمية ومحورية الدور الذى يلعبه الممرض. ويكفى ما نتداوله جميعاً من تعليقات وآراء حول «العملية نجحت والمستشفى جيد لكن التمريض السيئ أودى بحياة المريض» أو «لأن التمريض ليس على مستوى جيد اضطر أهل المريض للإقامة معه لخدمته أثناء إقامته فى المستشفى» وغيرها من الشكاوى والتأوهات. وإذا كانت هذه التعليقات التى تعكس خوفاً وعدم رضا على أداء البعض فى هذا الكادر، فإنها تعكس كذلك الدور الحيوى المحورى الذى يلعبه هذا الكادر، وإلا ما توقفنا كثيراً عند حسن أو سوء أدائه.
أداء التمريض فى أزمة «كورونا» حول العالم يستحق التحية الكبيرة، ويكفى أنهم يعرضون أنفسهم وأنفسهن لخطر داهم وإنهاك رهيب وابتعاد عن أهلهم وذويهم فى هذه الأوقات بالغة الصعوبة. مدير منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط «إمرو»، الدكتور أحمد بن سالم المنظرى، قال من مقر «إمرو» فى القاهرة إن هذا الكادر يؤدى دوراً جوهرياً فى التغطية الصحية الشاملة فى الأحوال العادية، وإن دورهم هذا بات اليوم أوضح من أى وقت مضى. ففى ظل تفشى فيروس «كورونا» يعمل هؤلاء على مدار ساعات اليوم الـ24 لرعاية المرضى وإنقاذ حياتهم. ولفت «المنظرى» إلى ما تتعرض له طواقم التمريض جراء ما يتعرض له العالم من خطر «كورونا»، فهم لا يتعرضون فقط لخطر العدوى، والتعب الشديد نتيجة زيادة أعداد المرضى، بل يتعرضون أحياناً للوصم والعنف من قبل الجيران الذين يعتبرون المخالطين للمرضى خطراً ما يدفعهم لمطالبتهم بترك أماكن سكنهم أو حتى تعنيفهم لفظياً.
وللعلم فإن الممرضات والممرضين والقبالة يشكلون أكثر من نصف عدد طواقم الرعاية الصحية فى إقليم شرق المتوسط الذى يضم أغلب الدول العربية. وإذا كانت «إمرو» لفتت الاهتمام إلى ضرورة زيادة أعداد الطواقم الطبية التى تلقت درجة أفضل من التعليم والتدريب، فإن أغلب المصريين على يقين بأن مصر تحتاج أن تلتفت بجدية وسرعة لهذا الكادر بالغ الأهمية عقب انتهاء أزمة «كورونا» الحالية. ويمكن القول إن ضمن الأعراض الجانبية بالغة الإيجابية للفيروس تسليط الضوء على العاملين فى مجال الرعاية الصحية من أطباء وتمريض وفنيين وغيرهم، الذين يحتاجون الكثير والكثير من أجل دعم الارتقاء بالنظام الصحى بشكل عام. هؤلاء يقومون حالياً بمهام بطولية، لكن احتياجهم -أو بالأحرى احتياجنا- لبناء هذا القطاع بشكل أفضل بات ضرورة قصوى.
والبناء الأفضل لا يقتصر على زيادة الرواتب والبدلات والحوافز، فهى على الرغم من أهميتها، فهى ليست المشكلة الوحيدة. فالتعليم الأفضل مطلوب، والتدريب الأحسن ضرورى، وإزالة طبقات الغبار والصدأ عن الصورة الذهنية المصرية للتمريض. هذه الصورة تحتاج كذلك إلى عمل ومجهود من قِبل العاملين والعاملات فى التمريض وذلك لمساعدة أنفسهم ومساعدة المجتمع على تحسين هذه الصورة. ملائكة الرحمة لا يقصرون أو يهملون أو يتواكلون فى عملهم، كما أنهم لا يقابلونه بعبوس وضجر. ومعايير النظافة الشخصية والعامة مبدأ أساسى فى كل تفصيلة من تفاصيل حياتهم. والسلوك الشخصى لهذا الكادر أشبه بالعاملين فى المجال الدبلوماسى: فلا الصوت العالى مقبول، ولا مضغ اللبان معمول به، ولا تقاضى البقشيش مسموح أبداً. ولأن الحلقة متصلة، فإن كل ما سبق يتطلب تعليماً وتدريباً ومتابعة ورقابة وثواباً وعقاباً وتأميناً لرواتب جيدة ومواصلات مضمونة ورعاية اجتماعية لأبناء وبنات الممرضين والممرضات على هيئة حضانات مأمونة، وهلّم جراً.
لكن فى الوقت الراهن، وفى خضم الوباء وما يقوم به العاملون والعاملات فى القطاع الصحى بكل درجاتهم وفئاتهم نقول: شكراً كثيراً.