تعرف علي العلاقة بين رمضان والقرآن الكريم
صورة أرشيفية
أجابت دار الافتاء المصرية، عبر موقعها الرسمي، على سؤال حول علاقة شهر رمضان بالقرآن الكريم.
وقالت الدار، في جوابها، إن العلاقة بين شهر رمضان المعظم والقرآن الكريم، علاقة وثيقة، فقد قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٍۢ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍۢ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].
ويمدح الله تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور، بأن اختاره من بينها لإنزال القرآن العظيم، بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء، قال الإمام أحمد عن واثلة بن الأسقع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وأنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان".
وأما الصحف والتوراة والزبور والإنجيل، فنزل كل منها على النبي الذي أنزل عليه جملة واحدة، وأما القرآن فإنما نزل جملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا، وكان ذلك في شهر رمضان في ليلة القدر منه كما قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ}، وقال: {إِنَّا أَنـزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ}، ثم نزل بعد مفرقا بحسب الوقائع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، هكذا روي من غير وجه عن ابن عباس.
والأصل في استحباب مدارسة القرآن الكريم وتلاوته وختمه في رمضان ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلقى جبريل عليه السلام كل ليلة في رمضان فيعرض جبريل القرآن عليه وتارة يعرض هو صلى الله عليه وسلم القرآن على جبريل عليه السلام، فقد ثبت الأمران جميعا في الرواية فكانت القراءة معارضة ومدارسة بينه صلى الله عليه وسلم وبين جبريل -عليهما الصلاة والسلام- فمرة هذا يقرأ ومرة هذا يقرأ، فلما كانت السنة التي قبض فيها صلى الله عليه وسلم عرضه عليه مرتين
فندب ختم القرآن في رمضان مرة على الأقل تأسيا به صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث "أن جبريل -عليه السلام- كان يلقى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن"، وعن ابن عباس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان وكان جبريل يلقاه كل ليلة في رمضان يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة". متفق عليه
وعن ابن عباس-رضي الله عنهما- أنه قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يعرض عليه القرآن في كل رمضان مرة، إلا العام الذي قبض فيه فإنه عرض عليه القرآن مرتين"، وعن أبي هريرة قال: "كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض، وكان يعتكف كل عام عشرا فاعتكف عشرين في العام الذي قبض". رواه البخاري.
وسئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: "الحال المرتحل"، قال: يا رسول الله، وما الحال المرتحل؟ قال: "فتح القرآن وختمه من أوله إلى آخره، ومن آخره إلى أوله، كلما حل ارتحل".
ومما ورد في حرص الصحابة على ذلك، ما روي عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه كان يختم القرآن في ثلاث لا يستعين عليه من النهار إلا باليسير، وعن الأسود النخعي أنه كان يختم القرآن في ليلتين في رمضان، وكان قتادة يختم القرآن في رمضان في كل ثلاث ليال مرة، فإذا دخل العشر ختم كل ليلة مرة، وعن علي الأزدي أنه كان يختم القرآن في رمضان كل ليلة.
ومن هنا كان من هدي السلف-رضوان الله عليهم- الحرص على ختم القرآن في رمضان، تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، حيث كان من شأنه ذلك، وقد روي عن السلف العناية بقراءة القرآن وختمه في رمضان زيادة عن عادتهم في سائر شهور السنة: عن إبراهيم النخعي، أنه: "كان يختم القرآن في شهر رمضان في كل ثلاث، فإذا دخلت العشر ختم في ليلتين، واغتسل كل ليلة".
وكان قتادة يختم القرآن في كل سبع ليال مرة، فإذا دخل رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة، فإذا دخل العشر ختم كل ليلة مرة.
ويستحب أن تكون مدارسة القرآن وتلاوته في الليل خاصة، قال تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيْلِ هِىَ أَشَدُّ وَطْـًٔا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: 6]، و{ناشئة ٱليۡل}: هي تلك النفوس التي يربيها الليل وينشئها على تلاوته، وهي أيضا تلك الواردات الروحانية والخواطر النورانية التي تنكشف في ظلمة الليل-كما يقول الإمام الرازي في تفسيره - فتلك النفوس الصادقة التي أنشأتها وهذبتها وربتها أنوار القرآن الليلية {هي أشد وطۡٔٗا وأقۡوم قيلا}، أي: أعظم ثباتا وتأثيرا
فهي أكثر إدراكا في وعيها وأكبر نجاحا في سعيها، {وأقۡوم قيلا} قد رزقت الإخلاص في القصد، والسداد في القول، والإجابة في الدعاء، كما جاء في الحديث: "أشراف أمتي: حملة القرآن وأصحاب الليل"، وفي القراءة الصحيحة الأخرى (هي أشد وطاء) أي: مواطأة واتساقا وتواؤما وانسجاما، وهذا الانسجام كما يحصل بين القلب واللسان والجوارح عند القراءة، فإنه يحصل أيضا من التوافق بين الأمر الشرعي بالقراءة ليلا وبين الأمر الكوني في نزول القرآن ليلا، فكلما كانت قراءة المسلم للقرآن بالليل، زاد اتساقه مع الكون، ويزداد الاتساق ويتضاعف الفضل بقراءته في ليل رمضان، حتى يصل إلى ليلة القدر التي هي أعظم من ألف شهر .