يرى كثير من المشاهدين مسلسل الاختيار عملا فنيا يقدم قيما وطنية، ويوثق بطولة جنود يقاتلون دفاعا عن الأرض، وهو واجب مقدس، لكن بعيدا عن هذا الرداء، فهناك أفق أشمل وأوسع مليء بالقيم التي يجب أن يشار إليها، فمنسي الذي يرى فيه رجاله قائدا محبا، وصلبا لينا في آن، هو نبي بُعث في قلب المعركة، جاء حاملا للواء الحب والخير والزهد، يقاتل من أجل جنوده وأهله ووطنه وأرضه بلا خوف أو تردد: "محدش يطلع ورايا" كررها كثيرا في الميدان.
في المقابل هناك من يدفع حياته ثمنا للدونية، للفناء، للاشئ سوى مزيدا من الأنانية والغطرسة والبلادة، وسوء النية، وحب السلطة، وفرض الرؤية الضيقة، والشكل الواحد المنسوخ، والعقل الجامد، واليد الممدودة لمن يحمل كيس نقود، مغلفا كل هذا العفن برداء ممزق من دين مشوه، محرف، فصلته جماعة رجعية تنتهز الظروف وتستغل الحاجة، وتحول الحق إلى باطل والحب إلى كره، والفضل والنعمة، إلى فُجر ونقمة.
السيرتان وجها لوجه، يمد أحدهم يده: إنها الحكمة، الحب، الإنسانية، فيغير الآخر وجهته: إنه الهلاك، الكره، الدونية، تمر الحكاية سريعا ويسير كل في طريقه، يحمل من ذكرياته ما يشاء ويترك ما يعوق رحلته التي اختارها، يخلع أحدهما رداء الشرف: "هطلع معاش"، يتمسك به الآخر: "أمشي أروح فين.. دي بلد، لو مشينا مين هيحميها"، تدور الأرض وفي دورتها سنوات، ودماء، وتضحيات، وانكسارات، وانتصارات .
يستكمل القدر حكايته، ويطوع الظروف ليصنع ما بقي من أحداث، يمد الخط على استقامته حتى مربع البرث، هنا يحتمي الأبطال بأسمى وأنبل المعاني، النقاء يملأ الصدور، والقلوب تتشوق للقاء السابقين، وعلى بعد عشرات الأمتار ومن مختلف الاتجاهات يتسلل الشر وتفوح رائحة الغدر والخيانة، أجساد على هيئة بشر وقلوب سوداء مليئة بالكراهية والحقد، وجماجم فارغة إلا من جهل، يتحركون في جماعات تشبه الجرذان، يواجه الأبطال هذا الهجوم بمزيد من الحب: "يارجالة ميخدوش حد مننا.. ولا حي ولا شهيد"، طلقات الشر تستقر في الصدور النقية، فيسقط الجثمان وتبقى الروح تقاتل، تنقل الشهيد إلى أعلى المبنى، وتدعم المصاب ليواصل المواجهة، وترعب الفئران في الخارج وترهبهم فلا يجرؤ أحدهم أن يتقدم، ومن يحاول يحترق، هنا عرين الأسود لا يدخله خائن.
تنتهي الحكاية بسقوط القائد وسلاحه في يده: "لا أترك سلاحي قط حتى أذوق الموت"، ويهرب الخونة من حيث جاءوا، بعدما فشلوا في رفع رايتهم السوداء مثل أرواحهم على الكمين. تشرق شمس السابع من يوليو عام 2017 منحنية أمام بطولة منسي ورفاقه، تحتضن الكمين وتبكي على أشرف الرجال وأكثرهم إخلاصا، ويفتح التاريخ صفحة خلود، وبعد 3 سنوات وقبل شهرين من الذكرى الثالثة للملحمة، يأتي الاختيار ليخبرنا بما حدث، مغلفا العمل الفني برداء الإنسانية والحب والنور، في مواجهة الدونية والكره والظلام.
انتهى المقال وهذه مناشدة لصناع المسلسل
بعد عرض حلقة "ملحمة البرث" بلا فواصل إعلانية، وعبر تطبيق watch it مجانا، وغيرها من المبادرات، أدعوكم إلى إتاحة جميع حلقات المسلسل عبر يوتيوب، ليس فقط ليتمكن من مشاهدتها من لم تسمح له الظروف، ولكن أيضا لتصبح متاحة الآن ولسنوات مقبلة لمن أراد أن يعي الحقيقة ويدرك سيرة الأبطال.