كان هناك صياد بسيط يعيش فى قرية طيبة نائية، وكان يبقى من حصيلة صيده اليومية سمكة كبيرة تكفى أسرته. وفى ذات يوم، وبينما زوجته تنظف السمكة لكى تعدها للطعام، رأت فى داخل بطنها لؤلؤة كبيرة، فتعجبت وأخبرته على الفور.. ففرح كثيراً وأثنى عليها وقبلها وشكر الله على نعمته، وذهب باللؤلؤة إلى بائع اللؤلؤ الذى يسكن فى المنزل المجاور، وحكى له القصة وطلب منه أن يشتريها. وعندما فحصها البائع الأمين قال له: «إنها لا تقدر بثمن، وأنا لا أملك المال الذى يوفيها حقها»، واقترح عليه أن يذهب بها إلى شيخ الباعة فى المدينة المجاورة.. لعله يستطيع أن يشتريها منه. أخذ الصياد لؤلؤته الثمينة، وذهب بها إلى شيخ الباعة وحكى له القصة من جديد. وعندما نظر إليها انبهر بها، وأخبره أن الشخص الوحيد القادر على شراء مثل هذه اللؤلؤة النادرة هو والى المدينة.. فشد رحاله إلى هناك. وعند باب قصر الوالى.. وقف الصياد ومعه كنزه الثمين، ينتظر الإذن له بالدخول. وبمجرد أن دخل عرضها على الوالى ففتن بها، وقال له: «من الصعب تقدير قيمة هذه التحفة التى لا مثيل لها.. لكنى سأعرض عليك عرضاً عادلاً.. سأسمح لك بدخول خزنتى الخاصة، وستبقى فيها لمدة ست ساعات، خذ منها ما تشاء.. واعتبر أن هذا هو ثمن هذه اللؤلؤة».. فوافق الصياد. وفور دخوله خزنة الوالى، رأى منظراً مهيباً.. غرفة كبيرة جداً، مقسمة إلى ثلاثة أقسام.. القسم الأول ملىء بالجواهر والذهب.. والقسم الثانى به فراش وثير.. والقسم الثالث به جميع ما تشتهى النفس من المأكولات والمشروبات. وهنا حدث الصياد نفسه: ست ساعات!! إنها كثيرة جداً على صياد بسيط الحال مثلى.. ماذا سأفعل فى ست ساعات؟!
حسناً.. سأبدأ بالطعام الموجود فى القسم الثالث.. سآكل حتى أملأ بطنى وأتزود بالطاقة التى تمكننى من جمع أكبر قدر من الذهب والجواهر. ذهب الصياد إلى القسم الثالث.. وقضى ساعتين من الوقت يأكل ويشرب، حتى إذا انتهى، ذهب إلى القسم الأول.. وفى طريقه إلى ذلك القسم، رأى ذلك الفراش الوثير.. فحدث نفسه: «الآن أكلت وشربت حتى شبعت.. فلماذا لا أستزيد بالنوم الذى يمنحنى الطاقة التى تمكننى من جمع أكبر قدر ممكن من الثروة، هى فرصة لن تتكرر.. فأى غباء يجعلنى أضيعها؟.
ذهب الصياد إلى الفراش واستلقى.. وغط فى نوم عميق، حتى فوجئ بمن يوقظه بعد مرور فترة من الزمن قائلاً: «قم أيها الصياد الأحمق.. لقد انتهت المهلة». فاستيقظ مندهشاً ورجاهم أن يتركوه ولو لدقائق قليلة أخرى، ولكن الوالى رفض وخاطبه قائلاً: «مرت ست ساعات وأنت فى هذه الخزنة.. والآن أفقت من غفلتك تريد الاستزادة من الوقت!.. أما كان لك أن تشتغل بجمع كل هذه الجواهر حتى تخرج إلى الخارج، فتشترى لك ولأسرتك أفضل الطعام وأجوده.. وتصنع لهم أروع الفرش وأنعمها، وتؤمن مستقبلك ومستقبلهم.. لكنك أحمق غافل.. لا تنظر إلا تحت قدميك»، وأمر بإخراجه إلى خارج القصر.
انتهت قصتنا لكن العبرة لم تنته:
«فاللؤلؤة» هى روحك قارئى الكريم، إنها الكنز الذى لا يقدر بثمن.. لكن الكثيرين منا لا يعرفون القدر الحقيقى لذلك الكنز. أما «الخزنة» فهى الدنيا.. انظر إلى عظمتها.. وانظر فى نفس الوقت إلى سوء استغلالنا لها. أما عن «الجواهر».. فهى الأعمال الصالحة. وأما عن «الفراش الوثير».. فهو الغفلة. وأما عن «الطعام والشراب».. فهى الشهوات.. والآن قارئى الكريم أرجو أن تعيد قراءة القصة مرة أخرى، وأن تستخلص منها الدروس والعبر التى تعينك على إعادة ترتيب خطواتك وأولوياتك فى الحياة، لكى تفوز بالدارين بإذن الله تعالى.