منتهى القسوة أن تعيش الفزع والهلع هذه الأيام مع دخولنا فى موجة من القفزات السريعة بالعدوى، بفيروس كورونا، ثلاثة أشهر ما بين الحجر الصحى وحظر التجول والعزل المنزلى، تتهافت الروح على أخبار كورونا، علّها تحط على خبر يريحها، بدأنا نشعر بأن الفيروس يطرق أبوابنا بعد أن كان خبراً يتجول فى دول العالم، نتابعه ونتأثر به ونفزع من توابعه وهو يحصد الأرواح ويطيح بملايين الإصابات، لقد اقترب منا كثيراً جداً، بدأنا نسمع عن أناس نعرفهم أصيبوا أو ماتوا؛ معاناة يومية لا تفارق أى شخص، هل نحن فى مرحلة الذروة؟ لا أحد يستطيع الجزم بذلك، لكن النظام الصحى يتهاوى، وعلى شفا الانهيار بسبب الضغط عليه وتسارع وتيرة الإصابات، حذّرنا كثيراً من هذه اللحظة، والتهاون بالفيروس، والاستهتار بإجراءات الوقاية، غير أنه لا جدوى من اللوم، الخطر داهم ويطال الجميع والحذر واجب، والتحديات قائمة ونحن نتعلق بشعرة معاوية للوصول إلى بر النجاة، سواء كان «vaccine» (لقاح) أو علاجاً.
تتسابق الدول لإنتاج اللقاح، فكثرت الشائعات حوله، وانتعشت نظرية المؤامرة فى تربة خصبة، تلقى الهوى لدى الكثير من الناس، اللقاح ستُزرع فيه شريحة تجسّس على البشر!؟ ومع شطط الخيال وخصوبته، دخلنا فى نفق مظلم من الشك، ففقدنا اليقين، وارتبكت الأنفس، هناك من يؤيد، وآخر ينفى، وكلٌّ يحاول إثبات نظريته، لكن الأمر لا يعدو كونه قناعة كل يدافع عن صحتها! والثابت الوحيد هو «العلم والمنطق»، اللذين لا يخضعان للهوى والشائعات وبث روح اليأس والإحباط. المرحلة التى يمر بها العالم كله حرجة للغاية والرهان على عودة الحياة إلى طبيعتها بات مقامرة غير محسوبة، الاقتصاد العالمى ينهار والدول تجازف بصحة شعوبها لإنقاذه من الهاوية، والمرض لا يزال ينتشر ويعلن كل يوم عن ضحايا جدد، والأزمات تتوالى، بينما الشيطان يكمن فى التفاصيل؟ ونحن بحاجة ماسة إلى مناعة صحية سوية، حائط الصد والدفاع عن الجسم أمام هجوم وتوحّش فيروس كورونا. ليس من مصلحتنا الدخول فى مهاترات الأخبار والتقارير المغلوطة حول الفيروس، هل هو مخلق فى المختبر؟ ومن صنعه؟ وكيف؟ ولماذا؟ ومتى ينتهى؟ ومن له مصلحة فى ذلك؟ أسئلة الساعة المشككة فى الهواء الذى نتنفسه، لكنها أسئلة لن تفيد، وضررها بالغ على الصحة النفسية والعقلية، فى وقت نحتاج فيه إلى الهدوء النفسى، والتفاعل العقلانى فى ما يجرى من حولنا، نحتاج إلى التأمل والتفكير بحكمة، وليس الانسياق خلف الشائعات المدمرة لجهازنا العصبى والنفسى، والنتيجة أننا لن نصل إلى الحقيقة المطلقة، فنحن لسنا خبراء ولا علماء، وكل ما يُقال مجرد اجتهادات، نحن مجرد ناقل للشائعة ومروج لها، العلماء وخبراء الأوبئة أنفسهم عجزوا عن إيجاد حل لهذه الجائحة حتى الآن!. ليس مهماً الإغراق فى نبش تفاصيل المؤامرة إن صحّت فرضيتها؛ لأن الضرر قائم ومستمر؟ والأثر الذى يسبّبه نشر المعلومات المضللة والمغرضة خطير وعميق، على صحتنا الجسدية والنفسية. لقد كشفت الجائحة ومحنة تفشى الفيروس عن القصور الشديد تجاه العلم، وإهمال دول العالم له سنوات طويلة، وبدلاً من ذلك انشغلت فى تسخير كل طاقاتها نحو التقدم فى علوم تكنولوجيا تدمير (الإنسان والبيئة والمناخ)! وحين استفاق العالم من غفلته، على ما اقترفته يداه من جرم فى حق العلم، كانت الجائحة قد تفشّت، وتمكن «COVID -19» من غرز أنيابه فى جسد دول العالم بعنف، ففشلت قواها، وارتبكت أنظمتها، ووضعتها أمام الامتحان الصعب، إما الخروج من الجائحة منتصرة، أو انهيار النظام الاقتصادى العالمى. الفيصل هو قدرة العلم والعلماء على اكتشاف العلاج فى أقرب وقت ممكن، سواء كان لقاحاً أو علاجاً، المهم أن يوقف فجيعة الفقد اليومى، وتزايد أعداد الإصابات دون هدنة لالتقاط الأنفاس.