داليا يوسف تكتب: استدعاء الجيش.. وحماية الديمقراطية
داليا يوسف
من الواضح أن تداعيات ڤيروس العنصرية فى الولايات المتحدة أصبحت أقوى من تأثير ڤيروس كورونا عليها.. فبعد مرور أيام على القتل البشع لچورچ فلويد، الأمريكى من أصول أفريقية، تحت «قدم» شرطى أمريكى، واندلاع مظاهرات سلمية وغير سلمية على مستوى ٤٠ مدينة و١٥ ولاية أمريكية للتعبير عن الغضب من عدم اتخاذ إجراءات قانونية مناسبة تجاه حالات التعدى المتكرر والقتل الذى تتعرض له الأقلية السوداء، فقد تم القبض على أكثر من ٤٠٠٠ متظاهر واستخدام الرصاص المطاطى والعنف المفرط فى مجابهة الاحتجاجات، وأجهزة الإعلام التى تقوم بتغطيتها ما فتح أبواب الشغب.
خرج مؤخراً الرئيس الأمريكى ساخراً ومتهماً حكام الولايات التى اندلعت فيها الاعتراضات، ويصفهم بالضعفاء ويحثهم على استرداد الهدوء للشارع الأمريكى والسيطرة على أعمال العنف والشغب.. بالقوة! وصف الرئيس الأمريكى المتظاهرين بأنهم مجموعات من العصابات.. ثم استدعى الحرس الوطنى لفرض السيطرة على الشارع، مهدداً باستخدام القوات المسلحة لقمع المتظاهرين..!! وفى اعتقادى أن هذه ليست «الأنياب» التى أشار إليها الراحل العظيم الرئيس أنور السادات، رحمة الله، عندما قال: «الديمقراطية لها أنياب»... فجيش الشعب لا يمكن أن يتحول إلى أنياب لكبت حرية التعبير التى طالما طالبت بها الإدارات المختلفة الأمريكية دول العالم.
مشهد تكرر من قبل فى الولايات المتحدة وطلبات مشروعة متكررة بالعدالة فى التعامل مع الأمريكيين من أصول أفريقية الذين يمثلون أقلية بنسبة ١٣٪ من الشعب، وجدير بالذكر أنهم يشكلون ٣٧٪ من نزلاء السجون الأمريكية. وليست هذه هى المرة الأولى التى تتهم فيها الشرطة الأمريكية بالتعامل العنيف الذى يؤدى إلى قتل مواطنين أمريكيين من أصول أفريقية... ترى: أين هنا جمعيات حقوق الإنسان وقد تم قتل مواطن أمريكى أسود بصورة غير آدمية تحت قدمى شرطى وشارك معه ٣ ضباط دون اعتراض؟؟
أتصور أن أسمع أصوات وزارة الخارجية الأمريكية وأعضاء الكونجرس ولجنة حقوق الإنسان بعد إلقاء القبض على أكثر من ٤٠٠٠ محتج معارض لهذا الأسلوب الممنهج للشرطة الأمريكية.. ومن المؤكد أن مراكز الأبحاث والدراسات التى تدافع عن حقوق الأقليات ستنتفض لهذه الواقعة، وما رأى من سبق ذكرهم فى الرئيس الذى يطالب بقمع المتظاهرين والتعامل معهم بالعنف، بل وقد نصّب نفسه قاضياً، حيث دعا إلى اعتقال المحتجين لمدة ١٠ سنوات فى السجون الأمريكية؟؟!!
وبهذه المناسبة، قد أتساءل: ماذا عن قانون المظاهرات الأمريكي؟ هل يعطى الحق لرئيس الجمهورية باستدعاء قوة عسكرية ضد شعبه؟
أطلب من القارئ أن يتخيل لمدة لحظات حدوث مثل هذه الأفعال والتصريحات فى أى دولة أخرى، ثم يتخيل دون مجهود كبير ردود الفعل الأوتوماتيكية للمؤسسات الأمريكية المختلفة.. عموماً ندعو لهم بضبط النفس.. وهناك مقولة إنجليزية: «practice what you preach or changeyour speech»: «افعل ما تقول أو غيّر خطابك».
ولا شك، فإن متابعة الموقف هناك فى الوقت الحالى لها أهمية كبيرة، لأن لعبة السياسة فى أى مكان فى العالم لعبة معقدة.. وما لا شك فيه أن الديمقراطيين يحصدون نجاحات الآن نتيجة أسلوب الإدارة السياسية للأزمة الحالية وتداعياتها على الشرطة الأمريكية، بالإضافة إلى تعامل الدولة المتخبط مع وباء كورونا كسلاح ذى حدين فى الانتخابات الأمريكية القادمة هذا الشتاء. أتوقع أن ما حدث مع واقعة فلويد سوف يؤثر سلباً على أصوات الأمريكيين السود فى قائمة الجمهوريين، بالإضافة إلى الأمريكيين بجميع ألوانهم الذين يؤمنون بالمادة الرابعة فى الدستور الأمريكى التى تتحدث عن المساواة بين جميع المواطنين وحقهم فى الحياة والحرية. وقد سمعنا المرشح الديمقراطى لرئاسة الجمهورية، چو بيدن، يبنى على الإسقاط الحالى وقد اعترف بالأخطاء الموجودة فى النظام الأمريكى وقام بمطالبة الكونجرس بالعمل فوراً على إصلاح الجهاز الأمنى وإعادة النظر فى عقيدته.
والسؤال هنا الذى توقفت أمامه كثيراً: ما المنطق خلف تهديد الرئيس ترامب بنشر الجيش الأمريكى فى الشوارع لقمع الاحتجاجات؟ حديثه المثير للجدل يوم الاثنين فى إطار إدارة الأزمة يوحى بأنه يستخدم حقوقه الدستورية فى «استخدام القوة العسكرية غير المحدودة» من أجل الاحتماء بها لحماية منصبه دون حديث عن رؤية واضحة لمعالجة جذور الصراع الذى قد يفتك بالوحدة الأمريكية.. ومن اللافت للنظر رفض حكام بعض الولايات الانصياع لطلب الرئيس ترامب بنشر الحرس الوطنى فى هذه الولايات وقيامهم بالتشكيك فى حق الرئيس الفيدرالى الدستورى فى إرسال قوات داخل ولاياتهم، حيث كان قد هدد بإرسال عدد غير محدود من القوة العسكرية لتلك الولايات.. سابقة هى الأولى من نوعها، حسب علمى، فى الولايات المتحدة وسوف يحكم عليها التاريخ.
التاريخ لا ينسى البطولات والإخفاقات، وقد أشاد تاريخ مصر بموقف القوات المسلحة المصرية مع شعب مصر العظيم أثناء مظاهرات ٢٠١١، حينما انحاز الجيش لطلبات الشعب وليس لحماية الرئيس مبارك، ثم أكد أولوياته وعقيدته مرة أخرى عندما انحاز بشكل كامل لطلبات الشعب المصرى فى ٢٠١٣، وخلع الرئيس الإخوانى محمد مرسى ونظامه.
مصرى أو أمريكى.. عقيدة الجيوش هى: «جيش الشعب ومن الشعب... ليس ضد الشعب». كل التحية والاحترام لقواتنا المسلحة المصرية الوطنية.
عضو مجلس النواب