تابعت المداخلة التليفزيونية، محتفظة بأكبر قدر ممكن من ضبط النفس... رجل أصيب والده (٥١ سنة) بكورونا، تفاقمت الحالة وبعد إجراءات وأشعة على الرئة، اكتشفوا مدى حرج حالة الرئة وأنها لا تعمل بأكثر من ١٥ بالمائة، لم يجد الابن أمامه غير اللجوء لمستشفيات خاصة، لأن المستشفى العام اشترط أن يكون أُجرى للمريض المسحة. المستشفى الخاص الذى يقع بدائرة المعادى، اشترط لدخول المريض دفع ٧٠ ألف جنيه، وقبل بخمسين ألفاً لأن أهل المريض لم يكن فى حوزتهم غير الخمسين ألفاً.. يوم واثنان وأهل المريض يحاولون معرفة تسعيرة المستشفى، ولا رد، إلى أن أخرج لهم المستشفى فاتورة برقم يدور حول الربع مليون جنيه قيمة أسبوع لم يوضع المريض خلالها على تنفس صناعى ولكن تلقى علاجاً.. الابن لا يملك المبلغ، ورفض المستشفى إخراج والده (كأن المريض رهينة) إلا بعد الدفع، أبلغت إدارة المستشفى عنه النيابة عنه وقدم هو فى المقابل بلاغاً. سبق ذلك إصدار الدولة لنوع من التسعيرة للمستشفيات الخاصة بعد ما تم نشره على وسائط التواصل الاجتماعى لعديد من الفواتير الخاصة بعلاجات كورونا بالمستشفيات الخاصة، فى محاولة من الدولة لترويض ما بدا من «سُعار» انعكس على هذه الفواتير فى ظل جائحة يعلم الله وحده مداها. المستشفيات لم تقبل واعتبرت أن التسعيرة المعلنة من الدولة مجحفة! كانت هناك تعليقات للسيد أحمد نزيه رئيس غرفة مقدمى الرعاية الطبية بالقطاع الخاص جاء فيها أن هناك تنسيقاً مع وزارة الصحة وأن هناك بعض المطالب بتوفير العلاج ورغبة للتعاون مع الهيئة الموحدة للشراء. جاء تعليق من أحد أساتذة قصر العينى فى سياق أن التسعيرة غير واقعية. دعك من كل ردود الفعل الانفعالية، ودعك من المقارنة بدول كإسبانيا وضعت كافة المنشآت الصحية الخاصة (بالأمر) فى خدمة الظروف التى تمر بها، لكن السؤال الملح: ما النسبة الموجودة بين الشعب المصرى القادرة على أن تدفع ربع مليون جنيه فى علاج لمدة أسبوع؟ وهل جرى شبيه لذلك فى أعتى الدول الرأسمالية؟ بالتواصل مع مقيمين فى الولايات المتحدة سألت بشكل محدد عن وقائع مماثلة، وكان الرد أنه كان استثناءً ولم ترسل الفاتورة إلا بعد خروج المريض واستقراره فى بيته، وكان سؤالى التالى عن متوسطات هذه الفواتير وكان الرد أنه بين ستة آلاف وثمانية آلاف دولار، وهى بالنسبة للمريض الأمريكى تعنى ستة آلاف أو ثمانية آلاف جنيه، لأن الدولار بالنسبة للأمريكى يعنى «جنيه»، ومع ذلك حدثت تدخلات للتخفيف من حدة الفواتير، وأزيد من عندى أنك لو حتى ضربت الرقم بسعر الدولار فى مصر فلن يصل الرقم إلى ربع مليون جنيه.
ما هى المعايير التى تستند إليها المستشفيات الخاصة فى هذه الفواتير حين تقيّم الخدمة؟ لا نريدهم أن يمنّوا على الناس بخدماتهم، احسبوها واتقوا الله فى الوطن والناس، تربّحوا بقدر يحفظ لكم بعض الحياء، ولا تأخذوا المرضى رهائن.. لن أتطرق إلى الجوانب «الأخلاقية» فى الموضوع، ولن أشير إلى «ما كان ينبغى» أن يقدمه هذا القطاع الخاص فى الطب لبلاده، التى لحم أكتافه من خيرها، ولن أقع فى فخ التعميم، وسوف أتجاوز وأقول إنها ممارسات «بعض» بعض القطاع الطبى الذى يرى الوطن محاصراً من جهات أربع ولا يتورع عن المضىّ فى غيّه. لن أخاطب الضمائر ولا القلوب ولا حتى الإحساس بالواجب، فليست هى لغتهم، لكن سوف أتمسك بالدولة وحقها.. الدولة التى توفر له الأمان والأرض وتبذل دماء أبنائها كل يوم، لتتوالد مكاسبه وتتضاعف.. أىّ طب هذا الذى يكاد يأكل لحم أخيه ميتاً؟ لم تمر مصر فى تاريخها بما تمر به فى هذه اللحظة، والله عيب.
إننى أتوجه إلى السيد رئيس الوزراء: لقد أصدرت الدولة تسعيرة يسترشد بها القطاع الخاص حال دخوله علاج كورونا، أتمنى أن يقدم هذا القطاع ملامح التكلفة ويضيف لها نسبة ربح لا تتجاوز العشرين بالمائة.. الجائحة ليست فى كورونا وحدها، هناك جائحة أخرى «هذه الممارسة الكاشفة لبعض المنتسبين للقطاع الطبى الخاص».
كان الله فى عون «مصر».