منذ بدء جائحة كورونا وظهور أولى الإصابات بها اتجهت حكومة السويد إلى اعتماد نظرية مناعة القطيع، وأصر رئيس وزرائها ستيفان لوفين على التعامل الحر مع الفيروس، فلم يوقف عجلة الحياة، وترك «الفيروس» لضميره ليعبر منه من يعبر ويصاب به من يصاب. على مدى أسابيع متلاحقة كان أسلوب السويد فى مواجهة الجائحة نموذجاً يشار إليه بالبنان من جانب دول عديدة، خصوصاً فى اللحظات التى يريد فيها مسئولوها اتخاذ قرارات بالتخفيف أو التحلل من الإجراءات الاحترازية التى اضطروا إلى اتخاذها فى مواجهة «كورونا». النتيجة أنه بعد عدة أسابيع من تطبيق نظرية «مناعة القطيع» اقترب عدد الإصابات بالفيروس من 50 ألف إصابة، وعدد الوفيات حوالى 5 آلاف وفاة، أى أن نسبة الوفيات بلغت حوالى 10% من إجمالى عدد المصابين، وهى نسبة مرتفعة للغاية مقارنة بمثيلتها فى دول أخرى قريبة أو بعيدة عن السويد.
وأمام هذه النتيجة بدأت الأصوات التى كانت تدافع بالأمس عن سياسة الحكومة تصرخ بالمشكلة، وتنبه إلى خطورة الوضع القائم بالدولة، وتحول موقف رئيس الحكومة من الضد إلى الضد، فبعد أن كان يبارك الفتح وعودة الحياة إلى طبيعتها، بدأ فى اتخاذ سلسلة من الإجراءات الصارمة لمحاصرة الفيروس، وحظرت الحكومة التجمعات وزيارة دور المسنين، واقترحت مشروع قانون يعطيها صلاحيات أكبر للإشراف على تقييد التجمعات العامة أو إغلاق الأعمال التجارية من دون انتظار موافقة البرلمان.
وكما ظلت السويد لعدة أسابيع نموذجاً تتحدث عنه كل الدول وتستدل به عند الدفاع عن فكرة التخفيف من الإجراءات الاحترازية، باتت اليوم مثالاً على فشل نظرية «مناعة القطيع»، وأنها اضطرت فى النهاية إلى العودة إلى «أسلوب الحظر» فى التعامل مع الوباء. وقد أثار هذا التحول لغطاً كبيراً فى الدولة اضطر معه رئيس الوزراء إلى تشكيل لجنة للتحقيق فى المعالجة الحكومية للأزمة منذ أن بدأت ومحاسبة المسئولين عن وصول نسب الوفيات فيها إلى هذا المعدل العالى.
تجربة السويد فى مواجهة كورونا أصبحت «درساً» يدعو إلى إعادة النظر فى نظرية «مناعة القطيع» من ناحية، والاستخفاف بالإجراءات الاحترازية من ناحية أخرى والتسرع فى التحلل منها. الدرس يقول بضرورة التحسب وحساب الخطوات قبل الإقدام عليها، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى يفرض هذا الدرس ضرورة التعامل الحاسم مع أى موجة مقبلة للفيروس داخل أى دولة، خصوصاً فى ظل ما يتردد حالياً من أن هناك موجة ثانية متوقعة للفيروس سبتمبر القادم.
لقد واجه العالم فيروس كورونا وهو لا يعرف شيئاً عنه، والكل اجتهد فى التفسير وتحديد أساليب التعامل معه، والتجربة تقول إن أمر الفيروس لم يزل مجهولاً. ففى وقت كنا نتحدث فيه عن أن أفريقيا لا تواجه خطورة كبيرة مع وصول الفيروس إليها بسبب الأجواء المناخية، إذا بالصيف يدخل ورغم ذلك لم يهدأ الفيروس بل ازداد شراسة. التجربة العملية تقول إن «العزل» و«التباعد» و«الحظر» هى المصطلحات السحرية الثلاث التى تحمل سبل مقاومة كورونا.