الرضا هو جنة الإنسان الحقيقية فى الدنيا، وهو نعمة غالية وعبادة قلبية تغيب عن الكثير من البشر، ومن يفتقدها يشعر دائماً بالسخط والضيق ولا يستمتع بما أعطاه الله من نِعم.
والرضا هو قبول حكم الله فى السراء والضراء، والعلم أن ما قسمه الله هو الخير كله، لأنه حاشا لله أن يشاء بعبده شراً أبداً، وفى هذا يقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ».
ولكن بعض الناس لديهم تفسير مغلوط عن مفهوم كلمة «الرضا»، فنجدهم يركنون إلى الكسل والتواكل وعدم السعى لتحقيق مرادهم وتغيير واقعهم، بدعوى أنهم راضون تمام الرضا عن حالهم الحالى الذى قدَّره الله عليهم (من وجهة نظرهم).. وينتظرون أن يتغير هذا الحال للأفضل طبقاً لما تجود به الظروف والأيام، دون أى تخطيط أو سعى منهم بدعوى أن هذا مقدَّر ومكتوب ولا حيلة لهم فيه.
وهذا مفهوم غير صحيح على الإطلاق عن المعنى الحقيقى «للرضا»، وهو يتناقض جملة وتفصيلاً مع ما أمرنا به الله جل وعلا عن الأهمية القصوى للطموح والسعى الدائم والعمل بمنتهى الجد والاجتهاد والمثابرة لتحقيق ما نصبو إليه.. فالإنسان مطالب بالسعى لتحقيق طموحه، ثم الرضا بما قدَّره الله من نتاج سعيه دون جزع أو ضجر أو سخط.. لأن السعى تخطيط وعمل ووسائل، والطموح هدف، والرضا نتيجة.
ويرشدنا سبحانه وتعالى إلى هذا المعنى فى محكم آياته حيث يقول: «وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى» صدق الله العظيم، إذاً فالرضا الحقيقى لا بد أن يقترن بنتائج السعى، وليس بنتائج الخمول واللامبالاة، حتى لا يتحول الرضا هنا إلى استسلام لواقع يمكن تغييره بالسعى والأخذ بالأسباب، كالتداوى من مرض أو السعى وراء الرزق أو دفع ضرر ما، لأن الاستسلام هو الانهزام وعدم بذل الجهد والأخذ بالأسباب لتحقيق الهدف، وهو ما يظهر أيضاً فى موضع آخر شديد الوضوح فى الآية الكريمة التى خاطب فيها الله العلى القدير السيدة مريم العذراء قائلاً: «وَهُزِّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا».. على الرغم مما كانت تعانيه فى ذلك الحين من ضعف ووهن نتيجة آلام المخاض والولادة، ليبين لنا سبحانه وجوب السعى والأخذ بالأسباب حتى فى أحلك وأصعب الظروف والمواقف.
يقول أسطورة الملاكمة الشهير «محمد على كلاى»: «فى داخل الحلبة كما فى خارجها، لا عيب فى أن تسقط أرضاً، بل العيب فى أن تبقى على الأرض».
ولأن الشىء بالشىء يُذكر فإنه يحضرنى هنا أيضاً ذلك النوع من الناس الذى لا يبذل أى مجهود لتغيير واقعه بدعوى أنه يشعر دائماً أنه مهما سعى فلن يحقق ما يريده لنفسه، وهذا المفهوم يحمل بالتأكيد القدر الكامل من سوء الظن بالله، لأنه يجب دائماً فى كل عمل نسعى فيه أن يلازمنا الشعور الدائم بحسن الظن بالله القوى القادر على كل شىء.
يقول «ألبرت آينشتاين»: «أنت لا تفشل أبداً إلا حين تتوقف عن المحاولة».
وإلى الذين يتكاسلون بدعوى «الرضا»، وينتظرون دائماً «ضربة حظ» لتغيير واقعهم أهديهم كلمات المخرج والكاتب الشهير «وودى آلن» التى يقول فيها: «أنا وحظى متفاهمان جداً، أنا أعلم أنه سيئ، وهو يعلم أنى لا أعتمد عليه».