دينا عبد الفتاح تكتب: منطق "التفاؤل" وحجم الأزمة!
دينا عبد الفتاح
هناك من يرى أن بقاء الناس فى منازلهم وقت الأزمات هو دافع لركود حركة البيع والشراء.. وهناك من يرى هذه الظاهرة فرصة لتدشين مشروع فى مجال التجارة الإلكترونية.. هناك من يرى أن توقف حركة التجارة الدولية سيهبط بصادرات مصر ومبيعات المصانع المحلية.. وهناك من يرى هذا التوقف فرصة لإحلال المنتج المحلى محل المستورد والتوسع فى الإنتاج.. هناك من يرى أن إغلاق المسارح والسينمات عائق أمام النشاط الفنى والعاملين فيه.. وهناك من يرى هذا الإغلاق فرصة لتحقيق الانتشار فى مواقع التواصل الاجتماعى ووسائل المشاهدة البديلة.. الشاهد فى حديثى أن حسابات المكسب والخسارة فى أوقات الأزمات تخضع لطبيعة ورؤية الشخص ذاته وللزاوية التى قرر أن ينظر منها إلى الأمور.. فالتفاؤل والتشاؤم لهما دور كبير فى سير الحياة الاقتصادية منذ قديم الأزل، لدرجة أنه فى النظريات الاقتصادية الأولى كان هناك تفرقة بين نظريات المتفائلين ونظريات المتشائمين حتى يمكن توضيح الصورة النظرية الكاملة لأى ظاهرة اقتصادية.
لا شك أن الأزمة الاقتصادية التى ترتبت على انتشار فيروس كورونا المستجد وتداعيات مكافحته أثرت على العالم أجمع وعلى مصر أيضاً، ولكن لا شك أن هذه الأزمة خلفت مجموعة من الرابحين الذين تمكنوا من تعزيز وصناعة الثروات فى هذه الأزمة.. وأن الأثر الذى لحق بكل شخص أو مؤسسة يختلف باختلاف قدرة الشخص أو المؤسسة على التعامل مع الأمور.
ومن المتوقع أن تدوم التأثيرات السلبية لأزمة كورونا لفترة طويلة مقبلة فهذا التأثير هو أشبه بانهيار عقار يتم فى لحظات بينما يحتاج إزالة أثره لشهور بل لسنوات من أجل إعادة البناء.. وبالتالى فالجميع مطالب بالتعامل مع الظروف الاقتصادية الصعبة بمنطق الأمر الواقع الذى فرض نفسه على جميع العالم وليس مصر فقط، وأن يتأقلم مع الظروف المحيطة بنا لأطول فترة ممكنة.
فهؤلاء الذين فقدوا وظائفهم نتيجة الجائحة الحالية عليهم البحث عن أعمال ووظائف بديلة تمكنت من الاستمرار والنمو فى ظل الأزمة الحالية، وهؤلاء الخريجون الجدد من الجامعات، ونحن حالياً فى موسم التخرج من كل الجامعات الحكومية والخاصة، عليهم تغيير فلسفتهم التى تربوا عليها فى ضرورة الخروج من الجامعة للبحث عن وظيفة، لأن الوظائف أصبحت صعبة المنال فى الوقت الحالى ولفترة ستدوم لشهور مقبلة إن لم يكن لسنوات، وبالتالى فعليهم تبديل الفكر من «البحث عن الوظيفة» إلى «البحث عن الفرصة».. والاختلاف كبير بين المفهومين فالوظيفة تعنى الارتباط بمؤسسة وتقاضى راتب شهرى نظير العمل، أما الفرصة فلها مفهوم أوسع كثيراً من الوظيفة لأن الفرصة قد تكون وظيفة أو فكرة استثمارية يتم من خلالها بناء مشروع خاص أو فكرة يترتب عليها إنتاج وظيفة مبتكرة مثل الشباب الذين اشتروا دراجات هوائية وأقحموا أنفسهم فى سوق توصيل الطلبات بشكل أو بآخر لتيسير عملية التواصل بين المطاعم والمحلات وزبائنهم، خاصة فى ظل الظروف الحالية التى اتسمت بتخفيف التعامل المباشر بين الأفراد فى غير الضرورة.
وهنا يأتى دور مفاهيم مهمة أتصور أنها لا بد أن تتصدر أجندة الترويج الثقافى والإعلامى الرسمى والخاص خلال الفترة الحالية، مثل مفهوم ريادة الأعمال، الذى يقوم على الوصول إلى أفكار مبتكرة تسهم بشكل مباشر فى تيسير المعاملات والحياة بشكل عام وترتبط بالتكنولوجيا وتتسم بإمكانية النمو السريع برغم الانخفاض النسبى فى حجم استثماراتها.. وكذلك مفهوم المشروعات متناهية الصغر التى تتمثل فى مشروعات إنتاجية أو خدمية أو تجارية بسيطة تتيح وظيفة لشخص أو شخصين أو عدة أشخاص، وتتسم بانخفاض تكاليفها الاستثمارية ومخاطرها المحدودة، ولكنها لا تتسم بالقدرة على تحقيق النمو السريع بل يتم تدشينها لتأمين مستوى مناسب من الدخل لمالكها أو ملاكها وهم -فى الأغلب- العاملون فيها.
لذا.. التحول الفكرى لا بد أن يكون العنوان الرئيسى للمرحلة الحالية والمقبلة، والتفاؤل لا بد أن يكون الشعار الذى نسير به حتى يمكننا النجاح فى هذه الظروف الصعبة، ويمكننا الوقوف على أقدامنا فى وقت قد يركع فيه العالم أجمع.