على أسرة إحدى غرف مستشفى الموانئ التعليمي بمدينة البصرة العراقية، وبعد أن تجاوزت عقارب الساعة الحادية عشر ليلًا، وبينما خلد المرضى إلى النوم واحتّل الصمت جنبات المكان، استغلت الحاجة أمل الفرصة للحديث مع أبنائها عبر "واتساب".
ساعات الانتظار داخل العزل تمضي بثقِل، تحاول أن تتخطى شعور الوحدة وضيق الصدر، وفي غضون ثوان قليلة اختفت تلك المشاعر السلبية، حين صدح صوت فني التحاليل محمد كريم بالغناء، تمايلت العجوز رقصًا معه على الأغنية وتبدل خوفا أمنًا وسكينة.
الغناء والرقص مع المرضى خاصة كبار السن، عادة اشتهر بها محمد كريم مساعد مختبر وتقني تحاليل في مستشفى الموانئ التعليمي بالبصرة، حيث يرى فيها وسيلة مُثلى لدعمهم وتخفيف آلام المرض عنهم.
كلما مر في طرقات المستشفى أو "ردهاتها" كما ينطقها باللهجة العراقية، يصدح صوته العذب بالغناء، يتسلل داخل غرف المرضى ليكسر حالة الجمود الطاغية عليها، "كل الفيديوهات المنتشرة لي على السوشيال ميديا ولا مرة منهم تعمدت أطلب من حد يصورني، المرضى بيصوروني أو أصدقائي الممرضين"، هكذا قال فني التحاليل العراقي في حديثه لـ"الوطن" عن الفيديو الشهير المتداول له وهو يغني ويتمايل بالرقص مع مريضة مُسنة بالمستشفى.
الفيديو الشهير يرجع إلى شهر يونيو
أمل أو "أم هيثم"، هي السيدة الستينية التي ظهرت في الفيديو المتداول مع فني التحاليل العراقي، والذي ترجع كواليسه إلى أحد ليالي شهر يونيو الماضي، أثناء مروره بين غرف المرضى، دخل عليها أثناء حديثها مع أبنائها عبر تطبيق "واتساب" يطمئنون عليها وتحدث إليهم فإذا بهم يوصونه خيرًا بأمهم، "قالولي خلي بالك على أمنا، وأنا فقدت أمي وأشعر جيدًا بغلاوة الأم وهي مثل أمي.. حسيت إني عايز أساعدها"، مؤكدًا عدم علمه بأن أحد زملائه يلتقط له فيديو في ذلك الوقت.
في السادس من يونيو الماضي داهمت أعراض الفيروس المستجد جسد الممرض الثلاثيني، وبعد إجراء المسحة تأكد من إصابته، يقول: "ذهبت للمستشفى يومين وكملت علاج بالبيت وتعافيت تمامًا الحمدلله"، وعاد من جديد ليكمل مهام عمله بنفس طاقة الحب والأمل التي ينشرها بين المرضى.
كريم تعافى من السل في 2019 وأصيب بكورونا
فيروس كورونا ليس المرض الأول الذي انتقلت عدواه إلى رئة فني التحاليل العراقي منذ تعيينه بالمستشفى في عام 2009، حيث داهم السل الرئوي رئتيه في ديسمبر 2018 نتيجة عدوى أصابته من أحد المرضى، ليخضع بعدها إلى العلاج لمدة 6 أشهر كاملة حتى أثبتت الأشعة تعافيه تمامًا في الأول من يوليو عام 2019، قائلًا: "كل مرة بتصاب بقول الحمدلله طالما إني بقوم بدوري مع المرضى وبأدي مهام عملي على أكمل وجه".
الغناء و"الدندنة" ليس مع المرضى فقط، فكثيرًا ما يصدح صوته فجأة وسط زملائه خلال أوقات الراحة، يلتقطون له مقاطع فيديو ويتولون نشرها على صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى ذاع صيته وعرف بالممرض المغني بمستشفى العزل.
ومن جانبها، كرمت وزارة الصحة العراقية "كريم"، على دعمه للمرضى ورعايتهم وحسن معاملتهم، وهو ما علق عليه الشاب العراقي، بقوله: "أنا بعمل ده لله أنا مجرد شخص بيحب عمله واخترت الطريقة دي عشان أخفف عنهم.. المريض محتاج يتسلى".
تعليقات الفيسبوك