"لمسة الفراشة".. مرض خطير يضرب ضحاياه في "العضلات"
"الفيبروميالجيا" يسبب آلاما مزمنة ولا يظهر بالفحوصات
مرض لمسة الفراشة
قبل 20 عاماً، استيقظت الطفلة «نورهان حسن» صاحبة الثمانى سنوات، لتبدأ يوماً دراسياً جديداً، حملت حقيبتها وتوجهت إلى المدرسة، مر اليوم ثقيلاً عليها، ووجدت صعوبة شديدة فى صعود سلم المدرسة، وصعوبة أكبر فى ترك فصلها والمشاركة فى «الفسحة»، واكتمل اليوم بعدم قدرتها على مشاركة زميلاتها فى حصة الألعاب، ليقوم والداها باصطحابها إلى طبيب روماتيزم، قائلة: «الدكتور كتب لى على أدوية كتير جداً، التزمت بها حتى وصولى للمرحلة الإعدادية، لم يتحسن شىء، ظللت أشعر بالألم، وغيرنا الدكتور ورُحنا لحد مخ وأعصاب».
رحلة جديدة أضاعت فيها «نورهان»، عقداً من عمرها، وهى تتناول أدوية تعالج الكهرباء على المخ، مضيفة: «كانت فترة صعبة جداً، التزمت فيها بأدوية لعلاج الكهرباء على المخ، وكلما أتوجه إلى الطبيب لأخبره بعدم تحسن حالتى، كان يزيد الجرعة الدوائية، التى أثرت علىّ بشكل عكسى، حيث كنت أتعرض لإغماءات متكررة وعنيفة، إضافة إلى زيادة وزنى وعدم قدرتى على التحكم فى البول».
وفى عام 2014 توجهت لطبيب روماتيزم، أملاً فى إيجاد حل للآلام الشديدة التى تشعر بها فى منطقتى الرقبة والعمود الفقرى، لدرجة جعلتها لا تقوى على الاستحمام أو حتى تمشيط شعرها لثلاث سنوات متتالية، مرددة: «الدكتور طلب منى أشعة وتحاليل وكلها جاءت سليمة، بعدها فحص 16 نقطة متفرقة فى جسدى ما بين الرقبة والعمود الفقرى والكتفين واليدين والقدمين والركبتين، ثم نظر لى ولوالدتى»، قائلاً: «انتى مريضة بمتلازمة الفيبروميالجيا وده مرض مالوش علاج ولازم تتعايشى معاه».
"نورهان": تناولت أدوية 20 سنة بدون فايدة
مشاعر ممزوجة بين فرحة الأم التى علمت أخيراً بمرض ابنتها بعد رحلة استمرت 20 عاماً، تقابلها صدمة ورعب من قبل الابنة التى علمت بأن هذا المرض مزمن، ويجب عليها أن تتعايش مع الآلام التى تعصف بجسدها: «قررت التعايش مع المرض، لم أتمكن من مزاولة عمل بعد التخرج، لأن المريض كثيراً لا يستطيع النهوض من سريره ويشعر بألم شديد ولا يتحمل أن يلمس جسده أحد، حتى إنه لا يتحمل أن تلمسه فراشة، لذلك يسميه البعض (لمسة الفراشة)، خاصة فى أوقات الهجمات التى تأتى بين تغيير الفصول، وينتج عنها الشعور بوجود نار مشتعلة داخل الجسد يقابلها تعرق شديد وبرودة خارج الجسم، وانخفاض شديد فى ضغط الدم وارتفاع فى دقات القلب، وأحياناً أشعر بوجود أسياخ حديدية مغروزة بداخلها».
"أميرة": الأطباء شخصونى روماتيزم سلبى وذئبة حمراء
وعلى عكس «نورهان»، جاءت إصابة الطبيبة البيطرية «أميرة جودت» متأخرة، حيث علمت الفتاة الثلاثينة بإصابتها بالفيبروميالجيا فى نهاية 2015، بعد رحلة استغرقت عاماً ونصف العام، شعرت خلالها بآلام متفرقة فى جسدها، ذهبت على أثرها لطبيبين، أحدهما شخص بمرض الروماتويد السلبى والآخر بالذئبة الحمراء، قائلة: «كنت باخد أدوية دون تحسن، إلى أن ذهبت إلى طبيب روماتيزم وأمراض مناعية ومن أول مرة قالى انتى عندك فيبروميالجيا وارجعى لى بعد شهرين».
التزمت «أميرة»، بالدواء شهرين، ثم قررت التوقف بعد دخولها فى حالة من الاكتئاب: «دخلت فى اكتئاب، طول الوقت حاسة بألم، قبل المرض كنت زى النحلة 24 ساعة شغل، والحاجة اللى كنت بانجزها فى نص ساعة بقيت أعملها فى 3 ساعات، الموضوع كان صعب جداً».
وتوقفت عن الدواء والتزمت الفراش لمدة شهر ونصف، مما أصابها بمرض الألم العضلى الليفى، ويعنى تكوين عقد على طبقة الأنسجة أعلى العضلات، التى تتسبب فى ألم شديد عند الحركة: «تحسى إن عندك شلل، وقتها أدركت أهمية التعايش مع المرض وبدأت أقرأ عنه، خاصة الأبحاث الأجنبية، ووصلت لبروتوكول التعامل مع المرضى والمكون من دعم نفسى وعلاج طبيعى، إضافة إلى الأدوية والرياضة».
الدعم النفسى الذى يحتاجه مريض الفيبروميالجيا، جعلها تتخذ قراراً بتغيير مسارها الوظيفى من طبيبة بيطرية إلى معالجة نفسية: «شغلى كبيطرية مرهق جداً ومحتاج مجهود عضلى، اخترت حاجة بحبها وتكون من غير مجهود، درست علم النفس وأصبحت معالجة نفسية وأمارس المهنة منذ عامين».
ولم يمنع «الفيبروميالجيا» المعالجة النفسية من خوض تجربة الزواج والإنجاب رغم صعوبتها: «لسه متزوجة من سنة، قلت له قبل الجواز لازم تقرأ عن المرض، وتفهم طبيعته، أوقات أكون قادرة أقوم بواجباتى وأوقات بكون تعبانة وهقصر، وزوجى متفهم، وحالياً عندنا طفل عمره 4 شهور».
خلال فترة الحمل توقفت عن تناول الأدوية: «كانت فترة صعبة ومؤلمة، خاصة خلال الشهور الأولى للحمل، إضافة إلى عملية الولادة، مريض الفيبروميالجيا يشعر بألم مضاعف عن الشخص الطبيعى، ويكون معدل الألم الذى يشعر به المريض أقل 10 درجات من ألم الولادة الطبيعية وفقاً لمقياس الألم الذى وضعته جامعة «mcgill» الكندية، فما بالك إذا اجتمع ألم الفيبروميالجيا مع ألم الولادة».
"عزة": تنقلت بين 12 طبيباً لمدة 18 سنة ولم ينجح أحد فى تشخيصى
ولم تتوقع طبيبة الأسنان «عزة أمين»، أن رحلتها التى بدأت منذ 18 عاماً، متنقلة خلالها بين 12 طبيباً فى تخصصات مختلفة ستنتهى بتشخيص آلامها المزمنة بالمرض، قائلة: «لم يتمكن أحد من تشخيص المرض، تناولت أدوية كثيرة لم تخفف من حدة الألم، فى كل مرة تظهر نتائج التحاليل والأشعة سليمة ولا يوجد بها مشكلات طبية».
تضيف السيدة الخمسينية: «قبل عام ونصف العام، توجهت إلى مركز العلاج الطبيعى للقوات المسلحة، وهناك تم تشخيصى بـ(الفيبروميالجيا)»، لافتة إلى أن ما يؤلمها ليس فقط الجسد، إنما عدم تعامل المحيطين بها مع هذا المرض بشكل جاد، وتعريفه بأنه مرض نفسى: «أتمنى الناس تحس بينا وبآلامنا، ويبطلوا يقولوا لنا إننا بندلع، خاصة أنه مزمن، وأن أصحابه يشعرون بألم مستمر وإرهاق ووجع فى العضلات، والبعض يشعر بحساسية تجاه الضوء والصوت».
ومن أكثر التجارب المؤلمة لـ«عزة»، ما تعرضت له خلال زيارة ابنتها إلى أمريكا، التى تزامن معها انتشار «كورونا»، وتوقف الطيران 3 أشهر نفد خلالها العلاج، ولم تتمكن من شرائه لتشتد آلامها: «صرف العلاج فى أمريكا يحتاج إلى روشتة طبية، اضطريت آخد العلاج على فترات متباعدة حتى نفدت الكمية اللى معايا، كما أننى أغلقت عيادتى الخاصة لعدم قدرتى على مواصلة العمل، فأغلبنا يترك عمله بعد فشله فى الحصول على إجازات مرضية، لأنها تتطلب إثبات المرض، والألم الذى يشعر به لا يظهر فى الأشعة والتحاليل».
الدكتورة منى مختار، مدرس الأمراض العصبية ومدير وحدة الأعصاب بمستشفى عين شمس التخصصى، توضح أن المريض يشتكى من وجود آلام فى العضلات والمفاصل وعندما يذهب إلى طبيب تظهر جميع الفحوصات سليمة، مرجعة سبب الألم إلى نشاط مسارات ومستقبلات الألم فى المخ: «مخ المريض بيقول إن الجسم بيوجعنى، وتحديداً فى نقاط معينة مثل العمود الفقرى والرقبة والذراعين والساقين أو ما يعرف بنقاط الألم الـ16».
80% من المصابين "سيدات"
وكشفت «منى» أن «نسبة الإصابة بهذا المرض عالمياً تتراوح ما بين 3 و6% أكثر من 80% منهم سيدات»، مرجعة السبب إلى أن السيدات إصابتهن بالأمراض العضلية والروماتيزمية أعلى من الرجال بسبب التقلبات الهرمونية والمزاجية، لافتة إلى أنه حتى هذه اللحظة لم يستطع العلماء اكتشاف طبيعة المرض، وانقسمت الآراء بين فريق يراه ضمن أمراض «النفس جسدية»، مثل الاكتئاب الشديد والتوتر الذى يؤثر على الجسد، فى حين يؤكد الفريق الآخر وجود عدد كبير من المصابين لا يعانون من أى مشكلات نفسية أو ضغوطات وظروفهم المعيشية جيدة وسعيدة.
مدرس الأمراض العصبية: أغلب الأطباء لا يعرفون شيئاً عن المرض.. وكثير من المرضى هجروا وظائفهم لعدم إثباته على الورق
ولفتت إلى أن المرضى يواجهون مشكلة مجتمعية، تكمن فى عدم تفهم طبيعة مرضهم، مع وجود صعوبة فى تشخيص المرض لعدم وعى الأطباء به، فأغلبهم يعتمدون على نتائج الفحوصات، التى تخرج سليمة، لنلوم المريضة بأنها «بتدلع».
الجدل أيضاً لم يكن بعيداً عن الأدوية المخصصة لمريض «الفيبروميالجيا»، التى تعتمد بشكل أساسى على «مضادات الاكتئاب» لاحتوائها على «السيريتون»، الذى أثبت العلماء أن نقصه فى مخ المريض يؤدى إلى شعوره الدائم بالألم، مشيرة إلى أن أول محاولة علاجية بالأدوية السيريتونية كانت عام 1984، فيما كان أول ظهور لاسم المرض فى 1976.
وأوضحت «منى»، أنه «حتى الآن لا يوجد علاج، فهو مزمن كالضغط والسكر، ولكن يعالج الطبيب أعراضه كوصف مضادات الاكتئاب لتقليل الشعور بحدة الألم، ومهدئات لعلاج الأرق، وفيتامينات لتقوية الجسم، وباسط للعضلات، إضافة إلى ممارسة الرياضة».
ونفى الدكتور محمد علوى، رئيس الجمعية المصرية للروماتيزم والتأهيل، أن يكون المرض نفسياً، معرفاً إياه بأنه مرض مزمن ناتج عن وجود خلل فى بعض المواد التى ينتجها الجسم، خاصة المخ، مؤكداً أنه يوجد منه نوعان، «أولى»: جميع تحاليله سلبية، و«ثانوى»: يكون مصاحباً له مرض مثل الروماتيزم أو الصداع النصفى. وأضاف «علوى» أن هناك مشكلة كبيرة تواجه المرضى، خاصة إذا كانت نتائج التحاليل سلبية، قائلاً: «السيدة تشتكى طوال الوقت من الألم، ورغم ذلك يخبر الطبيب زوجها بأنها ليست مريضة وأنها بتدلع مما يشكل ضغطاً نفسياً كبيراً عليها».
(هذا التقرير نشر كجزء من مشاركة «الوطن» فى دورة الصحافة العلمية من خلال مشروع «العلم حكاية» أحد مشاريع معهد جوتة وبتمويل من الخارجية الألمانية)