وكأننى فتحت جرحاً عميقاً حينما كتبت الأسبوع الماضى عن الدروس الخصوصية، حيث وصلتنى رسائل كثيرة تحمل معاناة المواطنين من ذلك السرطان الذى ينهش فى جسد كل الأسر المصرية بلا رحمة، والذى شجعنى على استمرار الكتابة فى هذا الموضوع أمران، الأول هو معاناة المواطنين الذين تُنهب أموالهم وتستنزف جيوبهم غصباً عنهم، والثانى هو إطلاق وزير الاتصالات منصة «مصر الرقمية» لتقديم حوالى 70 خدمة حكومية للمواطنين فى جميع أنحاء الجمهورية من خلال الإنترنت، كما تعاقدت وزارة التربية والتعليم مع شركة أورنج لإطلاق منصة رقمية للدروس الإلكترونية لأبنائنا الطلاب فى إطار توجه الوزارة للتوسع فى التعليم عن بُعد. إذاً الدولة تسعى جاهدة إلى التحول الرقمى والتوسع فى الخدمات الإلكترونية وكل طلابنا مهووسون بالإنترنت ويضيعون أوقاتهم عليه فى ألعاب وأمور سلبية ضررها أكبر من نفعها، ويجب التفكير فى كيفية تحويل هذا الهوس من الضرر إلى المنافع، وليس معقولاً أن يكون مافيا السناتر أكثر ذكاء وخطواتهم أسبق وأسرع من الدولة، حيث قاموا بإعطاء الدروس الخصوصية لطلاب الثانوية العامة أون لاين قبل الامتحانات وبالتقنيات الحديثة أثناء أزمة كورونا بأسعار مضاعفة ومن خلال دوائر مغلقة لا تسمح بتسريب الدروس ولا تسجيلها، يجب أن يكون هناك تفكير سريع خارج الصندوق للقضاء على هذا الوباء لأن السناتر حالياً أصبحت مكدسة وكاملة العدد. فى الوقت الذى بدأت فيه إصابات كورونا تتزايد مرة أخرى ومجلس الوزراء يحذر من التجمعات ويطالب المواطنين باتخاذ كافة الإجراءات الاحتزارية لحماية أنفسهم، كما أن منظمة الصحة العالمية تؤكد عدم التوصل إلى علاج للفيروس فى الوقت القريب،
المفترض أن طلاب الثانوية العامة هذا العام هم أول دفعة لنظام التعليم الجديد الذى اقترحه د. طارق شوقى، وزير التربية والتعليم، بهدف القضاء على الدروس الخصوصية وبناء شخصية متميزة لمواطن، وسوف يكون الامتحان بالتابلت، ولذلك أنا لا أعلم ما هى فائدة الدروس؟ هل أصبحت مرضاً وحالة نفسية لدى الطلاب وأهاليهم؟ أم هناك قصور فى نظام التعليم؟ وإن كان الأمر كذلك فلماذا لا يتم تقييم التجربة بعد ثلاث سنوات من تطبيقها وتصحيح مسارها إذا كانت تتطلب ذلك؟
دور المدرسة ليس فقط هو التعليم ولكن التربية والمساهمة فى بناء شخصية الطفل، وغرس قيم الولاء والانتماء للوطن والتسامح واحترام الآخر وقدسية العمل ونبذ التعصب، وهذه القيم دمرتها سناتر الدروس الخصوصية. كانت هناك اقتراحات بتفعيل مجموعات التقوية وبأسعار عادلة فى المدارس يكون 90% من عائدها للمدرس، الفكرة لم تحقق النجاح ربما بفعل فاعل لصالح مافيا الدروس، كما أن الطلاب يفضلون السناتر رغم أن أعدادهم فيها أضعاف العدد فى الفصل المدرسى. القائمون على مراكز الدروس الخصوصية محترفون فلماذا لا تتم الاستعانة بهم فى إدارة مجموعات التقوية بالتزامن مع تشميع «السناتر»، وهذا هو التفكير خارج الصندوق، الذى ينقذ الأهالى من خراب البيوت ويصحح مسار العملية التعليمية بإعادة دور المدرسة فى التربية قبل التعليم، حفاظاً على مستقبل هذا البلد، من خلال غرس القيم الإيجابية فى نفوس الشباب وحمايتهم من السلوكيات الضارة والله الموفق والمستعان.