كالعادة.. مع قرب إجراء الانتخابات الأمريكية بين الرئيس الحالى دونالد ترامب، مرشح الحزب الجمهورى، وجو بايدن، مرشح الحزب الديمقراطى، سيتبارى عدد من الكتاب والمحللين السياسيين فى تناول تلك الانتخابات، وتحليل شخصيتى المرشحين وسياساتهما المتوقعة وفقاً لمصطلح الصقور والحمائم، وهو من المصطلحات التى تعبر عن الاختلاف بين القادة السياسيين فى أمريكا فى تناول الأحداث؛ فالصقور يميلون للحل العسكرى واستخدام القوة المفرطة فى حل أى نزاع، بينما يفضل الحمائم الحلول السلمية بدلاً من سياسة فرض القوة بشكل مباشر، وتطور المصطلح ليعبر عن موقف الأحزاب السياسية من المخصصات العسكرية فى ميزانية الحكومة الأمريكية بين زيادة دعمها أو خفضها.
والحقيقة التى تغيب عن هؤلاء الكتّاب و«المحللاتية» أن الصقور والحمائم يشتركان فى سعيهما لتحقيق أهداف معينة حتى وإن كانت متطرفة، لكنهما يختلفون فقط فى وسيلة تحقيقها، والتجربة أكدت أن الحمائم قد لا يقلون تطرفاً عن الصقور؛ لأن التطرف فى أصل الفكر، بغض النظر عن الأسلوب المتبع لتحقيق الهدف، ومن يريد أن يستوضح الصورة كاملة عليه أن ينظر إلى نظام الحكم فى إسرائيل، هناك لا يقل الحمائم «الإصلاحيون» تطرفاً عن الصقور «المحافظين»، وكذلك نظام الحكم فى إيران الذى يعتمد على نظرية «ولاية الفقيه» الإقصائية للأطراف الأخرى.
المؤكد أن الرئيس الأمريكى، أى رئيس، سواء كان من الصقور أو الحمائم، ملتزم أساساً بسياسات استراتيجية موضوعة سلفاً بواسطة جهات سيادية كالبنتاجون والاستخبارات، ويمكنه فقط فى بعض القضايا الاختيار بين عدة بدائل لا يمكنه اختيار غيرها.
وفى لقاء تليفزيونى أشار اللواء الدكتور سمير فرج، محافظ الأقصر الأسبق، إلى حواره مع كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية فى عهد الرئيس السابق أوباما، وكانت «رايس» فى طريقها للقاء الرئيس مبارك، الذى فضل أن يلتقيها فى الأقصر عام 2007 ليتباهى أمامها بالحضارة المصرية المتجسدة كأفضل ما يكون هناك.. طلب منها اللواء فرج أن تسأل أى مواطن مصرى تقابله عن رأيه فى السياسات الأمريكية، وأكدت له أنها تعرف تماماً مدى غضب المصريين من سياسات الولايات المتحدة، كما أكدت أيضاً أنها والرئيس الأمريكى نفسه ينفذان فقط الخطط الموضوعة من الأجهزة السيادية، ولا يمكنهما تغييرها.
أتذكر الآن ما قاله لى أحد أهم خبرائنا الاستراتيجيين، لم أستأذنه فى الإفصاح عن اسمه، أثناء الانتخابات الأمريكية الماضية، حول عدم استطاعة «ترامب» تنفيذ وعده بوضع جماعة الإخوان على لائحة الإرهاب حال فوزه فى الانتخابات أمام هيلارى كلينتون، وأرجع الخبير الاستراتيجى توقعه الذى تحقق على أرض الواقع -حتى الآن- إلى استخدام الولايات المتحدة الجماعة، رغم سقوطها المدوى بفعل ثورة 30 يونيو، فى تنفيذ بعض المهام المرتبطة بالضغط على بعض الأنظمة الحاكمة فى المنطقة العربية.. والحل؟
سألت الخبير الاستراتيجى عن موقفنا فى مصر من هذا الموقف الأمريكى المحتمل آنذاك؟ وأجاب: الحل فى الإرادة السياسية الحرة والواضحة فى موقف الرئيس عبدالفتاح السيسى الحاسم والمعبر عن موقف الشعب المصرى فى مواجهة الإخوان.
فى أوائل سبتمبر من العام الماضى قال السيناتور الأمريكى تيد كروز، الذى قدم مشروع قرار للإدارة الأمريكية لوضع جماعة الإخوان المسلمين على لائحة الإرهاب، إن هناك قوى فى الدولة العميقة بالولايات المتحدة تقف خلف عدم تصنيفهم.
وقال السيناتور الأمريكى، خلال جلسة فى معهد هودسن بأمريكا: «الإخوان المسلمين بتصرفاتهم ونهجهم وعملياتهم هم منظمة إرهابية، ولا يخفون ذلك حتى فى وثائقهم التأسيسية»، وقال أيضاً: «عدد من حلفائنا، بمن فيهم مصر، يصنفون جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية لأنهم عاينوا ذلك بالدرجة الأولى»، وأكد السيناتور الأمريكى أن الإخوان المسلمين قتلوا مسلمين بأعداد أكبر بكثير من اليهود والمسيحيين!!!.
وكشف «كروز»، خلال الجلسة، عن الجهات الضاغطة فى الإدارة الأمريكية لعدم إدراج جماعة الإخوان على قوائم الإرهاب، رغم أن الإخوان أظهروا استعداداً لقتل أى شخص لا يتماشى مع نظرتهم العالمية الجهادية، وهو ما سنتناوله فى المقال التالى.