فى ظل الظروف العصيبة.. ينسى البعض أن كل ما يحدث يحمل جانباً إيجابياً ربما يكون غير ظاهر بجوار آثاره السلبية الظاهرة.. والتى تبدو أكثر وضوحاً.
فبرغم كل ما أحدثه كوفيد من أزمات فى العالم كله.. فإنه كان سبباً مباشراً فى أن يستوعب الجميع قيمة البحث العلمى وأساليب تطبيقه.. وأصبح هدفاً استراتيجياً لدول عديدة لم تعترف به من قبل.. أو كان لديها مجرد «تستيف» لأوراق أكثر منه بحثاً حقيقياً يمكن أن يخرج بنتائج تفيد العالم..!
معظم دول العالم قامت بزيادة موازنة الصحة لديها للضعف، وربما لما هو أكثر من ذلك.. حتى الدول التى تمتلك أنظمة صحية قوية ثابتة.. أكثر من دولة نظرت لقوانينها الداخلية.. وبدأت فى إجراءات تشريعية لتسهيل البحث العلمى على الباحثين.
الأمر لم يختلف فى مصر.. فأزمة كوفيد ربما كانت هى السبب الذى بعث قانون التجارب السريرية من مرقده.. ذلك القانون الذى أحدث جدلاً كبيراً عند صدوره منذ عامين.. وأعاده الرئيس إلى البرلمان بملاحظات عديدة لإعادة مناقشته.. ليتم إقراره أخيراً بشكله الجديد منذ أيام قليلة.. وتدخل مصر عصراً مختلفاً فى حقل البحوث العلمية..!
وبموجب هذا القانون الجديد، وفى المادة الثانية من مواد إصداره تحديداً، فهيئة الدواء المصرية المنشأة وفقاً لأحكام هذا القانون قد حلت محل كل من الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية.. والهيئة القومية للبحوث والرقابة على المستحضرات الحيوية.. وغيرهما من الجهات والكيانات الإدارية ذات الاختصاص بمجال الرقابة على المستحضرات والمستلزمات الطبية.. الأمر الذى يعنى سرعة الموافقة على إجراء تجربة علمية.. بل وسرعة الموافقة على استخدام عقار بعينه..!
كما حلت «هيئة الدواء المصرية» محل وزارة الصحة والسكان فى الاختصاصات المنصوص عليها فى القانون رقم 127 لسنة 1955 فى شأن مزاولة مهنة الصيدلة المتعلقة بتنظيم تسجيل وتداول ورقابة المستحضرات والمستلزمات الخاضعة لأحكام هذا القانون..!
القانون سمح لمصر أن تشارك فى التجارب السريرية لأكثر من عقار لكوفيد. . بل وسمح لها أن تصبح إحدى الدول التى تشارك فى تجارب الطور الثالث من لقاحين تم إنتاجهما فى الصين بحسب ما أفادت وزارة الصحة منذ أيام..!
نصوص القانون الجديد تجنبت كل السلبيات التى كانت فى القانون القديم.. وحملت رداً قاطعاً على من يشيعون أن ثمة تواطؤاً قد يحدث مع شركات الأدوية العالمية لجعل شعوب العالم الثالث فئران تجارب لأدويتهم.. فقد نص القانون أن الدواء يجب أن يتم تجربته فى دولة المنشأ أولاً قبل الموافقة على تجربته فى مصر..!
القانون الجديد سيضع مصر على الخريطة العالمية للتجارب السريرية للأدوية.. مما يحقق للبلاد فائدتين فى منتهى الأهمية.. الأولى هى إمكانية الحصول على سعر تفاوضى لإتاحة الدواء بسعر أرخص بعد المشاركة فى تجاربه.. والثانية أنه سيعطى المرضى من الفئات محدودة الدخل الفرصة للاستفادة من أدوية مرتفعة الثمن.
إن إقرار هذا القانون يؤكد دخول مصر كقوة إقليمية بمجالات الأبحاث العلنية والدوائية والطبية، ويؤسس لمرحلة جديدة لمنظومة البحث العلمى الذى يُعتبر رصيداً قومياً وثروة وطنية يجب تشجيعها ودعمها بكل الوسائل وجميع الطرق.
إن المظلة القانونية والتشريعية للباحث لا تقل أهمية عن الإمكانيات المتاحة له فى معمله أو مستشفاه.. وهى أول الطريق لإنتاج بحث علمى حقيقى فى مصر.. بحث يحرك الوطن كله للأمام.. أو هكذا أعتقد..!